کتابخانه روایات شیعه
فيما بيني و بين اللّه سبحانه في أمرك، و لك في ذلك إن فعلت الحظّ الجسيم، و للمسلمين فيه صلاح، فدع التمادي في الباطل و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللّه و عند كلّ أوّاب حفيظ و من له قلب منيب، و اتّق اللّه ودع البغي و احقن دماء المسلمين فو اللّه مالك من خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه، و ادخل في السلم و الطاعة و لا تنازع الأمر ممّن هو أحقّ به منك ليطفئ اللّه 2179 النائرة بذلك، و تجتمع الكلمة، و يصلح ذات البين، و إن أنت أبيت إلّا التمادي في غيّك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين.
[جواب معاوية له عليه السلام]
و أجابه 2180 معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن عليه السلام:
فهمت ما ذكرت به محمدا صلّى اللّه عليه و آله و هو أحقّ الأوّلين و الآخرين بالفضل كلّه، و ذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده فصرحت بنميمة فلان و فلان و أبي عبيدة و غيره، فكرهت ذلك لك لأنّ الامّة قد علمت أنّ قريشا أحقّ بها، و قد علمت ما جرى من أمر الحكمين، فكيف تدعوني إلى أمر إنّما تطلبه بحقّ أبيك و قد خرج أبوك منه؟
ثمّ كتب:
أمّا بعد:
فإنّ اللّه يفعل في عباده ما يشاء 2181 ، لا معقّب لحكمه و هو سريع
الحساب 2182 ، فاحذر أن تكون منيّتك على يدي رعاع الناس و آيس أن تجد فينا غميزة، و إن أنت أعرضت عمّا أنت فيه و بايعتني وفيت لك بما وعدت، و أنجزت لك ما شرطت، و أكون في ذلك كما قال أعشى قيس 2183 :
و إن أحد أسدى إليك كرامة
فأوف بما يدعى إذا متّ وافيا
فلا تحسد المولى إذا كان ذا غنى
و لا تجفه إن كان للمال نائيا
ثمّ الخلافة لك من بعدي و أنت أولى الناس بها.
و في رواية: لو كنت أعلم أنّك أقوى للأمر، و أضبط للناس، و أكبت للعدوّ، و أقوى على جمع الأموال منّي لبايعتك لأنّني أراك لكلّ خير أهلا. ثمّ قال: إنّ أمري و أمرك شبيه بأمر أبي بكر [و أبيك] 2184 بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
ثمّ كتب:
فادخل في طاعتي [و لك الأمر من بعدي] 2185 و لك ما في بيت مال العراق بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت، و لك خراج كور العراق يثبته معاوية لك إعانة على نفقتك 2186 يجيبها أمينك و يحملها إليك كلّ سنة، و لك ألّا يستولى عليك
بالاساءة، و لا تقضى دونك الامور، فلا تعصى في أمر أردت به طاعة اللّه عزّ و جلّ أعاننا اللّه و إيّاك على طاعته إنّه سميع مجيب.
قال جندب: فلمّا أتيت الحسن عليه السلام بكتاب معاوية قلت له: إنّ الرجل سائر إليك فابدأه بالمسير حتى تقاتله في أرضه و بلاده و عمله، فإمّا إنّك تقدر انّه ينقاد لك فلا و اللّه حتى ترى أعظم 2187 من يوم صفّين.
فقال: أفعل.
[كتاب معاوية إلى عمّاله على النواحي بعد مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام]
ثمّ كتب معاوية إلى عمّاله على النواحي نسخة واحدة:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلى فلان و فلان و من قبله من المسلمين.
سلام عليكم، فإنّي أحمد اللّه الّذي لا إله إلّا هو إليكم.
أمّا بعد:
فالحمد للّه الّذي كفاكم مئونة عدوّكم و قتلة خليفتكم إنّ اللّه بلطفه نتّج 2188 لعليّ بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله، و ترك أصحابه متفرّقين مختلفين، و قد جاءتنا كتب أشرافهم و قادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم و عشائرهم فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي بجدكم 2189 و جندكم و حسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد اللّه الثأر، و بلغتم الأمل، و أهلك اللّه أهل البغي و العدوان، و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.
قال: فاجتمعت العساكر إلى معاوية و سار قاصدا إلى العراق،
[خطبة للحسن عليه السلام بعد سماعه بتوجّه معاوية إلى العراق]
و بلغ الحسن خبر مسيره و انّه قد بلغ جسر منبج، فتحرّك عند ذلك و بعث حجر بن عديّ يأمر الناس بالتهيّؤ للمسير، و نادى المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون و يجتمعون، فصعد عليه السلام المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال:
أمّا بعد:
فإنّ اللّه كتب الجهاد على خلقه و سمّاه كرها، ثمّ قال لأهل الجهاد من المؤمنين: وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 2190 فلستم- أيّها الناس- بنائلين ما تحبّون إلّا بالصبر على ما تكرهون، إنّه بلغني انّ معاوية بلغه انّا كنّا أزمعنا [على] 2191 المسير إليه فتحرّك لذلك، اخرجوا رحمكم اللّه إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر و ينظرون، و نرى و يرون 2192 .
قال: و إنّه في كلامه يتخوّف خذلان الناس إيّاه، فسكتوا فما تكلّم منهم أحد و لا أجابه بحرف، فلمّا رأى ذلك عديّ بن حاتم قال: أنا ابن حاتم 2193 ، سبحان اللّه! ما أقبح هذا المقام؟ ألّا تجيبون إمامكم و ابن بنت نبيّكم؟ أين خطباء مضر؟ أين المتبلغون الخوّاصون 2194 من أهل مصر الّذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جاء 2195 الجدّ فروّاغون كالثعالب؟ أ ما يخافون مقت
اللّه و لا عيبها و عارها؟
ثمّ استقبل الحسن بوجهه و قال: أصاب اللّه بك المراشد، و جنّبك المكاره، و وفّقك لما يحمد ورده و صدره، و قد سمعنا مقالتك، و انتهينا 2196 إلى أمرك، و اسمعنا و أطعنا 2197 فيما قلت و رأيت، و هذا وجهي إلى معسكري فمن أحبّ أن يوافي فليواف، ثمّ مضى لوجهه، فخرج من المسجد و دابّته بالباب فركب و مضى إلى النخيلة، و أمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، و كان عديّ أوّل الناس عسكرا.
ثمّ قام قيس بن سعد بن عبادة رضي اللّه عنه و معقل الرياحي و زياد بن صعصعة 2198 التميمي فأنّبوا الناس و لا موهم و حرّضوهم، و كلّموا الحسن بمثل كلام عديّ بن حاتم في الاجابة و القبول.
فقال لهم الحسن عليه السلام: صدقتم ما زلت أعرفكم بصدق النيّة و الوفاء بالقول و المودّة الصحيحة، فجزاكم اللّه خيرا، ثمّ نزل.
و خرج الناس فعسكروا و نشطوا للخروج، و خرج الحسن إلى المعسكر و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب و أمره باستحثاث الناس و إشخاصهم إليه، فجعل يحثّهم حتى التأم العسكر.
ثم إنّ الحسن عليه السلام سار في عسكر عظيم و عدّة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس، ثمّ دعا عبيد اللّه بن العبّاس، فقال: يا ابن عمّ، إنّي باعث معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب و قرّاء المصر،
الرجل منهم يزيد على الكتيبة 2199 ، فسر بهم، و ألن لهم جانبك، و ابسط وجهك، و ادنهم من مجلسك، فإنّهم بقيّة ثقة أمير المؤمنين عليه السلام، و سر بهم على شطّ الفرات حتى تقطع بهم الفرات 2200 ، ثمّ سر إلى مسكن، ثمّ امض حتى تستقبل معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإنّي في أثرك، و ليكن خبرك عندي في كلّ يوم، و شاور هذين- يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس-، و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك، فإن اصبت [فقيس بن سعد على الناس، و إن اصيب قيس] 2201 فسعيد بن قيس، فسار حتى نزل الفلّوجة، ثمّ أتى مسكن.
[خطبة للحسن عليه السلام في عسكره في ساباط]
و كان أكثر عسكر مولانا الحسن عليه السلام أخلاط من شيعة و محكّمة و شكّاك و أصحاب عصبيّة و فتن و نفاق، فسار صلوات اللّه عليه حتى أتى حمام عمر، ثمّ أخذ على دير كعب [ثم بكر] 2202 فنزل ساباط، فلمّا أصبح نادى بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطب و قال تجربة لهم ليظهر لهم بواطنهم:
أمّا بعد:
فإنّي أرجو أن أكون قد أصبحت بحمد اللّه و منّه و أنا أنصح خلق اللّه لخلقه، و ما أصبحت محتملا علم مسلم ضغينة، و لا مريدا له بسوء و لا غائلة، ألّا و إن لكم ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة، ألا و إنّي ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، و لا تردّوا عليّ رأيي غفر اللّه لي و لكم، و أرشدني و إيّاكم لما فيه المحبّة و الرضا.
[هجوم عسكر الحسن عليه السلام على الامام و جرحه]
فقالوا: و اللّه يريد أن يصالح معاوية و يسلّم الأمر إليه، كفر و اللّه الرجل كما كفر أبوه، فثاروا عليه و أنهبوا فسطاطه حتى أخذوا مصلّاه من تحته، و نزع مطرفه عبد الرحمن بن جعال الأسدي، و طعنه جرّاح بن سنان الأسدي في فخذه فشقّه حتى خالط اربيته، و سقط الحسن عليه السلام بعد أن ضرب الّذي طعنه و اعتنقه فخرّا جميعا إلى الأرض، فوثب عبد اللّه بن الخطل الطائي فنزع المعول من يده فخضخضه به و أكبّ ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه، ثمّ أخذوا الآجر فشدخوا وجهه و رأسه حتى قتلوه.
و حمل الحسن عليه السلام على سرير إلى المدائن و بها سعد بن مسعود و وال عليها من قبله، و كان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولّاه عليها فأقرّه الحسن عليه السلام.
[التحاق عبيد اللّه بن العبّاس بمعاوية، و خطبة قيس بن سعد في الناس]
ثمّ إنّ جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالطاعة في السرّ و استحثّوه على المسير نحوهم و ضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوّه من عسكره، و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه الحسن مع عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية و جعله أميرا و بعده قيس يعلمه بما فعل عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره.