کتابخانه روایات شیعه
الرجل منهم يزيد على الكتيبة 2199 ، فسر بهم، و ألن لهم جانبك، و ابسط وجهك، و ادنهم من مجلسك، فإنّهم بقيّة ثقة أمير المؤمنين عليه السلام، و سر بهم على شطّ الفرات حتى تقطع بهم الفرات 2200 ، ثمّ سر إلى مسكن، ثمّ امض حتى تستقبل معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإنّي في أثرك، و ليكن خبرك عندي في كلّ يوم، و شاور هذين- يعني قيس بن سعد و سعيد بن قيس-، و إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك، فإن اصبت [فقيس بن سعد على الناس، و إن اصيب قيس] 2201 فسعيد بن قيس، فسار حتى نزل الفلّوجة، ثمّ أتى مسكن.
[خطبة للحسن عليه السلام في عسكره في ساباط]
و كان أكثر عسكر مولانا الحسن عليه السلام أخلاط من شيعة و محكّمة و شكّاك و أصحاب عصبيّة و فتن و نفاق، فسار صلوات اللّه عليه حتى أتى حمام عمر، ثمّ أخذ على دير كعب [ثم بكر] 2202 فنزل ساباط، فلمّا أصبح نادى بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطب و قال تجربة لهم ليظهر لهم بواطنهم:
أمّا بعد:
فإنّي أرجو أن أكون قد أصبحت بحمد اللّه و منّه و أنا أنصح خلق اللّه لخلقه، و ما أصبحت محتملا علم مسلم ضغينة، و لا مريدا له بسوء و لا غائلة، ألّا و إن لكم ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة، ألا و إنّي ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، و لا تردّوا عليّ رأيي غفر اللّه لي و لكم، و أرشدني و إيّاكم لما فيه المحبّة و الرضا.
[هجوم عسكر الحسن عليه السلام على الامام و جرحه]
فقالوا: و اللّه يريد أن يصالح معاوية و يسلّم الأمر إليه، كفر و اللّه الرجل كما كفر أبوه، فثاروا عليه و أنهبوا فسطاطه حتى أخذوا مصلّاه من تحته، و نزع مطرفه عبد الرحمن بن جعال الأسدي، و طعنه جرّاح بن سنان الأسدي في فخذه فشقّه حتى خالط اربيته، و سقط الحسن عليه السلام بعد أن ضرب الّذي طعنه و اعتنقه فخرّا جميعا إلى الأرض، فوثب عبد اللّه بن الخطل الطائي فنزع المعول من يده فخضخضه به و أكبّ ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه، ثمّ أخذوا الآجر فشدخوا وجهه و رأسه حتى قتلوه.
و حمل الحسن عليه السلام على سرير إلى المدائن و بها سعد بن مسعود و وال عليها من قبله، و كان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولّاه عليها فأقرّه الحسن عليه السلام.
[التحاق عبيد اللّه بن العبّاس بمعاوية، و خطبة قيس بن سعد في الناس]
ثمّ إنّ جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالطاعة في السرّ و استحثّوه على المسير نحوهم و ضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوّه من عسكره، و ورد عليه كتاب قيس بن سعد و كان قد أنفذه الحسن مع عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية و جعله أميرا و بعده قيس يعلمه بما فعل عبيد اللّه بن العبّاس عند مسيره.
و قصّته إنّ معاوية نزل قرية يقال لها الجنوبيّة 2203 ، فأقبل عبيد اللّه حتى نزل بازائه، فلمّا كان الغد وجّه معاوية بخيل إليه، فخرج إليهم عبيد اللّه فيمن معه فضربهم حتى ردّهم إلى معسكرهم، فلمّا كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد اللّه بن العبّاس أنّ الحسن قد راسلني في الصلح و هو مسلّم الأمر إليّ، فإن دخلت في
طاعتي الآن كنت متبوعا و إلّا دخلت و أنت تابع، و لك إن جئتني الآن أن اعطيك ألف ألف درهم، اعجل في هذا الوقت نصفها، و إذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فأقبل عبيد اللّه ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده، و أصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلّي بهم، فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه فصلّى بهم قيس بن سعد، ثمّ خطبهم فقال:
أيّها الناس، لا يهولنّكم و لا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الوزع، إنّ هذا و أباه و أخاه لم يأتوا بخير قطّ، إنّ أباه عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج عليه يقاتله في بدر فأسّره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري و أتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، و إنّ أخاه ولّاه أمير المؤمنين عليه السلام على البصرة فسرق مال اللّه و مال المسلمين فاشترى به الجواري، و زعم أنّ ذلك له حلال، و إنّ هذا ولّاه أمير المؤمنين عليه السلام على اليمن فهرب من بسر بن أرطاة و ترك ولده حتى قتلوا و صنع الآن ما صنع.
قال: فتنادى الناس: الحمد للّه الّذي أخرجه من بيننا، انهض بنا إلى عدوّنا، فنهض و خرج إليه بسر بن أرطاة في عشرين ألفا فصاحوا بهم: هذا أميركم قد بايع، و هذا الحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم؟
فقال لهم قيس بن سعد: اختاروا أحد شيئين 2204 : إمّا القتال مع غير إمام، أو تبايعون بيعة ضلال؟
فقالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا و ضربوا أهل الشام حتى ردّوهم إلى
مضاربهم 2205 .
[المكاتبات بين معاوية و قيس بن سعد]
فكتب معاوية إلى قيس يدعوه و يمنّيه.
فكتب إليه قيس:
لا و اللّه لا تلقاني أبدا إلّا و بيني و بينك الرمح.
فكتب إليه معاوية:
إنّما أنت يهودي بن يهودي، تشقى نفسك و تقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك فبدّلك و عزلك، و إن ظهر أبغضهما إليك نكل بك، و قد كان أبوك أوتر غير قوسه، و رمى غير غرضه، فأكثر الحز و أخطأ المفصل 2206 ، فخذله قومه و أدركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا، و السلام.
فكتب إليه قيس:
أمّا بعد:
فإنّما أنت وثن من هذه الأوثان، دخلت في الاسلام كرها، و أقمت عليه فرقا، و خرجت منه طوعا، و لم يجعل اللّه لك فيه نصيبا، لم تقدم إسلامك، و لم تحدث نفاقك، و لم تزل حربا للّه و لرسوله، و حزبا من أحزاب المشركين، فأنت عدوّ اللّه و عدوّ رسوله و المؤمنين من عباده، و ذكرت أبي، و لعمري ما أوتر إلّا قوسه، و لا رمى إلّا غرضه، فشغب عليه من لا يشقّ غباره، و لا يبلغ كعبه، و كان أمرا مرغوبا عنه، مزهودا فيه، و زعمت أنّي يهوديّ [بن يهوديّ] 2207 و قد علمت
و علمنا أنّ أبي من أنصار 2208 الدين الّذي خرجت عنه، و أعداء الدين الّذي دخلت فيه و صرت إليه، و السلام.
فلمّا قرأ معاوية كتابه أغاظه فأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلا، إن كاتبته أجابك بأشأم 2209 من هذا، و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس، فأمسك عنه.
[إبرام الصلح بين الامام الحسن عليه السلام و معاوية]
قال: و جعل أهل العراق يستأمنون إلى معاوية و يدخلون عليه قبيلة بعد قبيلة، فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بنيّاتهم، فكتب معاوية بالصلح إليه و أنفذ بكتب أصحابه على يد عبد اللّه بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة فدعواه إلى الصلح، و زهّداه في الأمر، و أعطياه ما شرط له معاوية، و ألّا يتبع أحد بما مضى، و لا ينال أحد من شيعة عليّ بمكروه، و لا يذكر عليّ إلّا بخير، و أشياء اشترطها، فأجابهما الحسن عليه السلام إلى ذلك و انصرف قيس بمن معه إلى الكوفة، و انصرف الحسن إليها أيضا، و أقبل معاوية قاصدا الكوفة، و أقبل إلى الحسن وجوه الشيعة و أكابر أصحاب أمير المؤمنين يلومونه و يتباكون عليه جزعا ممّا فعل 2210 .
و إنّما أجاب عليه السلام إلى ذلك لأنّه علم أنّ أكثر عسكره منافقون
و محيلة لا يسدّ بهم ثغر، و لا ينقضي بهم أمر، و أكثرهم كانوا يكاتبون معاوية من قبل أن يخرج من الشام، و علم الحسن عليه السلام ذلك منهم و تحقّقه، و ربّما كانوا ينصرفون إلى معاوية إذا التقى الجمعان و يقاتلونه إلّا قليلا منهم لا يقاومه الجمهور العظيم و الجمّ الغفير، فأجاب عليه السلام من بعد ما علم و تحقّق احتيال معاوية و اغتياله غير انّه لم يجد بدّا من إجابته.
فقال الحسين: اعيذك من هذا باللّه، فأبى.
و أنفذ إلى معاوية عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب فتوثّق منه لتأكيد الحجّة بأن يعمل في الناس بكتاب اللّه و سنّة رسوله، و الأمر من بعده شورى، و أن [يترك سبّ عليّ، و أن يؤمن شيعته و لا يتعرّض لأحد منهم و] 2211 يوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، و يوفّر عليه حقّ كلّ سنة خمسون ألف درهم، فعاهده معاوية على ذلك و حلف على الوفاء [به] 2212 ، و شهد بذلك عبد اللّه ابن الحارث و عمرو بن أبي سلمة و عبد اللّه بن عامر بن كريز و عبد الرحمن ابن أبي سمرة و غيرهم.
و روي أنّ الحسن عليه السلام قال في صلح معاوية: أيّها الناس، لو طلبتم ما بين جابلقا و جابرسا رجلا جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما وجدتموه غيري و غير أخي، و إنّ معاوية نازعني حقّا هولي فتركته لصلاح الامّة و حقن دمائها، و قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، و قد رأيت أن اسالمه، و أن يكون ما صنعت حجّة على من كان يتمنّى هذا الأمر، وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ 2213 .
و في رواية: إنّما هادنت حقنا للدماء و صيانتها، و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي.
و روي أنّه عليه السلام قال: يا أهل العراق، إنّما سمحت 2214 بنفسي عليكم لثلاث: قتلكم أبي، و طعنكم إيّاي في فخذي، و انتهابكم متاعي 2215 .
و روى الشعبي، عن سفيان بن الليل 2216 قال: أتيت الحسن عليه السلام حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال: و عليك السلام، يا سفيان، انزل، فنزلت فعقلت راحلتي، ثمّ أتيت فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟
قلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال: ما جر هذا منك إلينا.
فقلت: إي و اللّه بأبي أنت و امّي أذللت رقابنا حتى أعطيت هذا الطاغية البيعة، و سلّمت الأمر إليه، اللعين بن اللعين، بن آكلة الأكباد، و معك مائة ألف كلّهم يموتون دونك.