کتابخانه روایات شیعه
مضاربهم 2205 .
[المكاتبات بين معاوية و قيس بن سعد]
فكتب معاوية إلى قيس يدعوه و يمنّيه.
فكتب إليه قيس:
لا و اللّه لا تلقاني أبدا إلّا و بيني و بينك الرمح.
فكتب إليه معاوية:
إنّما أنت يهودي بن يهودي، تشقى نفسك و تقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك فبدّلك و عزلك، و إن ظهر أبغضهما إليك نكل بك، و قد كان أبوك أوتر غير قوسه، و رمى غير غرضه، فأكثر الحز و أخطأ المفصل 2206 ، فخذله قومه و أدركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا، و السلام.
فكتب إليه قيس:
أمّا بعد:
فإنّما أنت وثن من هذه الأوثان، دخلت في الاسلام كرها، و أقمت عليه فرقا، و خرجت منه طوعا، و لم يجعل اللّه لك فيه نصيبا، لم تقدم إسلامك، و لم تحدث نفاقك، و لم تزل حربا للّه و لرسوله، و حزبا من أحزاب المشركين، فأنت عدوّ اللّه و عدوّ رسوله و المؤمنين من عباده، و ذكرت أبي، و لعمري ما أوتر إلّا قوسه، و لا رمى إلّا غرضه، فشغب عليه من لا يشقّ غباره، و لا يبلغ كعبه، و كان أمرا مرغوبا عنه، مزهودا فيه، و زعمت أنّي يهوديّ [بن يهوديّ] 2207 و قد علمت
و علمنا أنّ أبي من أنصار 2208 الدين الّذي خرجت عنه، و أعداء الدين الّذي دخلت فيه و صرت إليه، و السلام.
فلمّا قرأ معاوية كتابه أغاظه فأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلا، إن كاتبته أجابك بأشأم 2209 من هذا، و إن تركته دخل فيما دخل فيه الناس، فأمسك عنه.
[إبرام الصلح بين الامام الحسن عليه السلام و معاوية]
قال: و جعل أهل العراق يستأمنون إلى معاوية و يدخلون عليه قبيلة بعد قبيلة، فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بنيّاتهم، فكتب معاوية بالصلح إليه و أنفذ بكتب أصحابه على يد عبد اللّه بن عامر و عبد الرحمن بن سمرة فدعواه إلى الصلح، و زهّداه في الأمر، و أعطياه ما شرط له معاوية، و ألّا يتبع أحد بما مضى، و لا ينال أحد من شيعة عليّ بمكروه، و لا يذكر عليّ إلّا بخير، و أشياء اشترطها، فأجابهما الحسن عليه السلام إلى ذلك و انصرف قيس بمن معه إلى الكوفة، و انصرف الحسن إليها أيضا، و أقبل معاوية قاصدا الكوفة، و أقبل إلى الحسن وجوه الشيعة و أكابر أصحاب أمير المؤمنين يلومونه و يتباكون عليه جزعا ممّا فعل 2210 .
و إنّما أجاب عليه السلام إلى ذلك لأنّه علم أنّ أكثر عسكره منافقون
و محيلة لا يسدّ بهم ثغر، و لا ينقضي بهم أمر، و أكثرهم كانوا يكاتبون معاوية من قبل أن يخرج من الشام، و علم الحسن عليه السلام ذلك منهم و تحقّقه، و ربّما كانوا ينصرفون إلى معاوية إذا التقى الجمعان و يقاتلونه إلّا قليلا منهم لا يقاومه الجمهور العظيم و الجمّ الغفير، فأجاب عليه السلام من بعد ما علم و تحقّق احتيال معاوية و اغتياله غير انّه لم يجد بدّا من إجابته.
فقال الحسين: اعيذك من هذا باللّه، فأبى.
و أنفذ إلى معاوية عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب فتوثّق منه لتأكيد الحجّة بأن يعمل في الناس بكتاب اللّه و سنّة رسوله، و الأمر من بعده شورى، و أن [يترك سبّ عليّ، و أن يؤمن شيعته و لا يتعرّض لأحد منهم و] 2211 يوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، و يوفّر عليه حقّ كلّ سنة خمسون ألف درهم، فعاهده معاوية على ذلك و حلف على الوفاء [به] 2212 ، و شهد بذلك عبد اللّه ابن الحارث و عمرو بن أبي سلمة و عبد اللّه بن عامر بن كريز و عبد الرحمن ابن أبي سمرة و غيرهم.
و روي أنّ الحسن عليه السلام قال في صلح معاوية: أيّها الناس، لو طلبتم ما بين جابلقا و جابرسا رجلا جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما وجدتموه غيري و غير أخي، و إنّ معاوية نازعني حقّا هولي فتركته لصلاح الامّة و حقن دمائها، و قد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، و قد رأيت أن اسالمه، و أن يكون ما صنعت حجّة على من كان يتمنّى هذا الأمر، وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ 2213 .
و في رواية: إنّما هادنت حقنا للدماء و صيانتها، و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي.
و روي أنّه عليه السلام قال: يا أهل العراق، إنّما سمحت 2214 بنفسي عليكم لثلاث: قتلكم أبي، و طعنكم إيّاي في فخذي، و انتهابكم متاعي 2215 .
و روى الشعبي، عن سفيان بن الليل 2216 قال: أتيت الحسن عليه السلام حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال: و عليك السلام، يا سفيان، انزل، فنزلت فعقلت راحلتي، ثمّ أتيت فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟
قلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال: ما جر هذا منك إلينا.
فقلت: إي و اللّه بأبي أنت و امّي أذللت رقابنا حتى أعطيت هذا الطاغية البيعة، و سلّمت الأمر إليه، اللعين بن اللعين، بن آكلة الأكباد، و معك مائة ألف كلّهم يموتون دونك.
قال: يا سفيان، إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به، و إنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لا تذهب الليالي
و الأيّام حتى يجتمع أمر هذه الامّة على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل و لا يشبع، لا ينظر اللّه إليه، و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، و لا في الأرض ناصر، و إنّه لمعاوية 2217 ، و إنّي عرفت انّ اللّه بالغ أمره 2218 ، ثمّ قام إلى المسجد و قال: يا سفيان، إنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يرد عليّ الحوض من أهل بيتي و من أحبّني من أمّتي كهاتين- يعني السبّابتين-.
يا سفيان، إنّ الدنيا تسع البرّ و الفاجر حتى يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.
قال: و سار معاوية حتى نزل النخيلة و جمع الناس فخطبهم خطبة طويلة قبل أن يدخل الكوفة، من جملتها انّه قال: ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلّا ظهر [أهل] 2219 باطلها على أهل حقّها، ثمّ انتبه فندم، فقال: إلّا هذه الامّة، ثمّ قال: ألا إنّ كلّ شيء أعطيته الحسن تحت قدمي هذه، و كان و اللّه غدّارا لعنة اللّه عليه.
[خطبة معاوية في النخيلة قبل دخوله الكوفة]
و قيل: إنّ معاوية صلّى بالناس الجمعة بالنخيلة، ثمّ خطب و قال: إنّي و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، و لكن إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، فأعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون. فأيّ تهتك أعظم
من هذا عليه لعنة اللّه و لعنة اللاعنين؟
و قيل: إنّ الحسين عليه السلام دخل على أخيه باكيا ثمّ خرج ضاحكا، فقال له مواليه: ما هذا؟
قال: العجب من دخولي على إمام اريد أن اعلمه فقلت: ما دعاك إلى تسليم الخلافة؟
قال: الّذي دعا أباك فيما تقدّم.
و لمّا انقضى أمر الصلح طلب معاوية البيعة من الحسين عليه السلام.
فقال الحسن عليه السلام: يا معاوية، لا تكرهه فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل، و لن يقتل حتى يقتل أهل بيته، و لن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام 2220 .
قال: فلمّا تمّ لمعاوية ما أراد و خطب و ذكر عليّا فنال منه و من الحسن و الحسين.
فقال الحسن: أيّها الذاكر عليّا، أنا الحسن و أبي علي، و أنت معاوية و أبوك صخر، و امّي فاطمة و امّك هند، و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب، و جدّتي خديجة و جدّتك قتيلة، و لعن اللّه أخملنا ذكرا، و ألأمنا حسبا، و شرّنا قوما 2221 ، و أقدمنا كفرا و نفاقا.
فقال الناس: آمين، و نحن نقول أيضا: آمين.
قال: ثمّ إنّ معاوية دخل الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة و بين يديه خالد بن عرفطة و معه رجل يقال له حبيب بن حمّار يحمل رايته، حتى دخل الكوفة و صار إلى المسجد فدخل من باب الفيل، و اجتمع الناس إليه.
[إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ خالد بن عرفطة لم يمت حتى يقدم الكوفة على مقدّمة معاوية]
روى عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: بينا عليّ عليه السلام على المنبر يخطب إذ دخل رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة.
فقال أمير المؤمنين: و اللّه ما مات، إذ دخل رجل آخر، فقال:
يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة.
فقال صلوات اللّه عليه: و اللّه ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد- يعني باب الفيل- براية ضلالة يحملها له حبيب بن حمّار 2222 ، فوثب رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمّار.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّه ما أقول، فقدم خالد بن عرفطة على مقدّمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حمّار 2223 .