کتابخانه روایات شیعه
و في رواية: إنّما هادنت حقنا للدماء و صيانتها، و إشفاقا على نفسي و أهلي و المخلصين من أصحابي.
و روي أنّه عليه السلام قال: يا أهل العراق، إنّما سمحت 2214 بنفسي عليكم لثلاث: قتلكم أبي، و طعنكم إيّاي في فخذي، و انتهابكم متاعي 2215 .
و روى الشعبي، عن سفيان بن الليل 2216 قال: أتيت الحسن عليه السلام حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره و عنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال: و عليك السلام، يا سفيان، انزل، فنزلت فعقلت راحلتي، ثمّ أتيت فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟
قلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال: ما جر هذا منك إلينا.
فقلت: إي و اللّه بأبي أنت و امّي أذللت رقابنا حتى أعطيت هذا الطاغية البيعة، و سلّمت الأمر إليه، اللعين بن اللعين، بن آكلة الأكباد، و معك مائة ألف كلّهم يموتون دونك.
قال: يا سفيان، إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به، و إنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لا تذهب الليالي
و الأيّام حتى يجتمع أمر هذه الامّة على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل و لا يشبع، لا ينظر اللّه إليه، و لا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، و لا في الأرض ناصر، و إنّه لمعاوية 2217 ، و إنّي عرفت انّ اللّه بالغ أمره 2218 ، ثمّ قام إلى المسجد و قال: يا سفيان، إنّي سمعت عليّا عليه السلام يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يرد عليّ الحوض من أهل بيتي و من أحبّني من أمّتي كهاتين- يعني السبّابتين-.
يا سفيان، إنّ الدنيا تسع البرّ و الفاجر حتى يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.
قال: و سار معاوية حتى نزل النخيلة و جمع الناس فخطبهم خطبة طويلة قبل أن يدخل الكوفة، من جملتها انّه قال: ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلّا ظهر [أهل] 2219 باطلها على أهل حقّها، ثمّ انتبه فندم، فقال: إلّا هذه الامّة، ثمّ قال: ألا إنّ كلّ شيء أعطيته الحسن تحت قدمي هذه، و كان و اللّه غدّارا لعنة اللّه عليه.
[خطبة معاوية في النخيلة قبل دخوله الكوفة]
و قيل: إنّ معاوية صلّى بالناس الجمعة بالنخيلة، ثمّ خطب و قال: إنّي و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، و لكن إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، فأعطاني اللّه ذلك و أنتم كارهون. فأيّ تهتك أعظم
من هذا عليه لعنة اللّه و لعنة اللاعنين؟
و قيل: إنّ الحسين عليه السلام دخل على أخيه باكيا ثمّ خرج ضاحكا، فقال له مواليه: ما هذا؟
قال: العجب من دخولي على إمام اريد أن اعلمه فقلت: ما دعاك إلى تسليم الخلافة؟
قال: الّذي دعا أباك فيما تقدّم.
و لمّا انقضى أمر الصلح طلب معاوية البيعة من الحسين عليه السلام.
فقال الحسن عليه السلام: يا معاوية، لا تكرهه فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل، و لن يقتل حتى يقتل أهل بيته، و لن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام 2220 .
قال: فلمّا تمّ لمعاوية ما أراد و خطب و ذكر عليّا فنال منه و من الحسن و الحسين.
فقال الحسن: أيّها الذاكر عليّا، أنا الحسن و أبي علي، و أنت معاوية و أبوك صخر، و امّي فاطمة و امّك هند، و جدّي رسول اللّه و جدّك حرب، و جدّتي خديجة و جدّتك قتيلة، و لعن اللّه أخملنا ذكرا، و ألأمنا حسبا، و شرّنا قوما 2221 ، و أقدمنا كفرا و نفاقا.
فقال الناس: آمين، و نحن نقول أيضا: آمين.
قال: ثمّ إنّ معاوية دخل الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة و بين يديه خالد بن عرفطة و معه رجل يقال له حبيب بن حمّار يحمل رايته، حتى دخل الكوفة و صار إلى المسجد فدخل من باب الفيل، و اجتمع الناس إليه.
[إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ خالد بن عرفطة لم يمت حتى يقدم الكوفة على مقدّمة معاوية]
روى عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: بينا عليّ عليه السلام على المنبر يخطب إذ دخل رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة.
فقال أمير المؤمنين: و اللّه ما مات، إذ دخل رجل آخر، فقال:
يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة.
فقال صلوات اللّه عليه: و اللّه ما مات و لا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد- يعني باب الفيل- براية ضلالة يحملها له حبيب بن حمّار 2222 ، فوثب رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمّار.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّه ما أقول، فقدم خالد بن عرفطة على مقدّمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حمّار 2223 .
قيل: و لمّا تمّ الصلح بين معاوية و الحسن أرسل إلى قيس بن سعد بن عبادة يدعوه إلى البيعة فأبى، و كان رجلا طويلا إذا ركب الفرس المسرف
خطّت رجلاه الأرض، فلمّا أرادوا أن يدخلوه إليه قال: إنّي حلفت أن لا ألقاه إلّا بيني و بينه الرمح أو السيف، فأمر معاوية برمح أو سيف فوضعه بينه و بينه ليوفي في يمينه 2224 .
و كان قد انعزل في أربعة آلاف و أبى أن يبايع، فلمّا أتمّ الأمر لمعاوية لم يجد بدّا من ذلك و أقبل على الحسن و قال: أنا في حلّ من بيعتك.
قال: نعم، فوضع يده على فخذه و لم يمدّها إلى معاوية، فجثا معاوية على سريره، و أكبّ على قيس حتى مسح على يده فما رفع إليه قيس يده.
[خطبة للحسن عليه السلام بأمر معاوية]
و قيل: إنّ معاوية أمر الحسن بعد الصلح أن يخطب و ظنّ أنّه سيحصر.
فقال عليه السلام: إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و ليس الخليفة من سار بالجور ذاك ملك ملك ملكا يتمتّع فيه قليلا، ثمّ تنقطع لذّته و تبقى تبعته، وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ 2225 .
ثمّ انصرف الحسن عليه السلام بعد ذلك إلى المدينة، و رجع معاوية إلى الشام، و أراد البيعة لابنه يزيد، فلم يكن عليه أثقل من أمر الحسن عليه السلام، فجعل يحتال على قتله، و سيأتي تمام القصّة عند ذكر وفاته صلوات اللّه عليه 2226 .
قلت: و كان سيّدنا و مولانا سبط الرسول، و مهجة البتول، ثابت الجأش، حميّ الأنف، لا تأخذه في قول الحقّ لومة لائم، و لا يثني عزيمته عن الأمر بالمعروف مخافة شاغب و لا غاشم، خذلته الغدرة الفجرة، و خانته الاثمة الكفرة، و أسلموه إلى الحتف، و ساقوه إلى الموت، و أظهروا له الطاعة و دينهم
النفاق، و بذلوا النصيحة و طبعهم الشقاق.
و كان عليه السلام عالما بذلك من لئيم طبعهم، متحقّقا لغدرهم و خذلهم، متيقّنا ممالاتهم عدوّه عليه، عالما بإنفاذ رسائلهم إليه، قد مال بهم الهوى، و أغواهم حبّ الدنيا، فباعوا الآخرة الباقية، بلذّتها الزائلة الفانية.
هل أغوى ابن حرب بحربه و استحثّه على طلبه إلّا حبّ زينتها، و الافتتان بزهرتها، و طلب متاعها، و التلذّذ باستماعها، و الميل مع بنيّها، إيثارا من حطامها، و يتمتّع بزائل أيّامها، و كانت جماعة أكابرهم و رؤسائهم و أعيانهم و زعمائهم في كلّ حين لهم عيون و رسل و مكاتبات إلى اللعين بن اللعين، فعليه و عليهم لعنة اللّه و لعنة اللاعنين، و إنّما سار بهم عليه السلام إلى خصمه مع شدّة يقينه بغدرهم، و علمه 2227 بقبيح نكثهم و مكرهم، قياما للحجّة عليهم، و توجيها لقطع المعذرة منهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ 2228 أو يقولوا: لو سرت بنا إلى عدوّك لوجدتنا لك من الناصحين، فأقام عليهم الحجّة بمسيره، و أظهر خفيّ نفاقهم بتدبيره، و كان ذلك فرض اللّه عليه، و ما فوّض من الرئاسة العامّة إليه، مع علمه بخذلهم لأبيه و غدرهم به، فأذعن للهدنة، و أطفأ بصلحه الفتنة، و درك عليهم الحجّة فباءوا بغضب من اللّه بشملهم، و خزي في الدارين ببغيهم، و سيجازى كلّ بفعله، و لا يحيق المكر السيّئ إلّا بأهله، كلّ ذلك و هو عليه السلام كما وصف اللّه إباءه في محكم ذكره، و نوّه فيه بمدحه و شكره، فقال سبحانه في كتابه المبين و ذكره الحكيم: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ
فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ 2229 .
و كذلك كان صلوات اللّه عليه سالكا طريق شيخه و والده، بانيا في مكارم الأخلاق على قواعده، ساعيا فيما فيه الصلاح لامّة جدّه، ناصرا مظلومهم بجهده و جدّه، كالطود الشامخ على المتكبّرين، و كالماء الرائق للمؤمنين، لا يخضع إذا قلّ ناصره، و لا يضرع إذا غلب قاهره، كما قال الأوّل:
لا يخرج القرمني غير ما بيه
و لا ألين لمن لا يبتغي ليني
و كذلك كان أخوه سيّد الشهداء، و خامس أصحاب الكساء، لا يقذع صفاته، و لا يكدر صفاءه، ذا أنف حمي و طبع أبي، لمّا كان مجده أرفع من السماك الأعزل و أعلى، رأى القتل في العزّ حياة و الحياة في الذلّ قتلا، صلّى اللّه عليهما و على جدّهما و أبيهما و امّهما.
[أنّ يزيد بن معاوية رأى زوجة عبد اللّه بن عامر بن كريز فهام بها و أراد الزواج بها، غير انّها أرادت الزواج من الحسن عليه السلام]
روي أنّ يزيد بن معاوية عليه و على أبيه و على المعتقد إسلامهما و الشاكّ في كفرهما لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين رأى زوجة عبد اللّه بن عامر بن كريز، و هي أمّ خالد بنت أبي جندل بن سهيل بن عمرو، و كانت من الجمال و الحسن في الغاية القصوى، فهام بها حتى امتنع من الطعام و الشراب، و آلى أمره إلى ملازمة الفراش من شدّة السقم و الشغف بها، فعاده أبوه لعنه اللّه، فشكا ذلك إليه و أعلمه بسبب علّته، و كان الرجل منزله المدينة، فأرسل معاوية إلى عامله عليها أن أرسل إليّ بعبد اللّه بن عامر موقّرا معظّما له، قائما بجميع ما يحتاج إليه في سفره، و فيما فيه صلاح أهله.