کتابخانه روایات شیعه
فقال عبد اللّه: إنّ أمرها ليس إليّ، إنّما أمرها إلى سيّدنا أبي عبد اللّه الحسين و هو خالها، فأخبر الحسين بذلك.
فقال: أستخير اللّه تعالى، اللّهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمد، فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين عليه السلام و عنده جماعة من الجلّة 2232 ، و قال: [إنّ] 2233 أمير المؤمنين معاوية أمرني بذلك و أن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيّين مع قضاء دينه، و اعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم، و العجب كيف يستمهر يزيد و بوجهه يستسقى الغمام، و هو كفو من لا كفو له؟ فردّ خيرا يا أبا عبد اللّه.
فقال الحسين عليه السلام: الحمد للّه الّذي اختارنا لنفسه، و ارتضانا لدينه، و اصطفانا على خلقه- إلى آخر كلامه-، ثمّ قال: يا مروان، قد قلت فسمعنا، أمّا قولك: مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بناته و نسائه و أهل بيته [و هو] 2234 اثنتا عشرة اوقيّة يكون أربعمائة و ثمانون درهما.
و أمّا قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا؟
و أمّا صلح ما بين هذين الحيّين، فإنّا قوم عاديناكم في اللّه فلم نكن نصالحكم للدنيا، فقد أعيا النسب فكيف السبب؟
و أمّا قولك: العجب من يزيد كيف يستمهر؟! فقد استمهر من هو خير من يزيد، و من أبي يزيد، و من جدّ يزيد.
و أمّا قولك: إنّ يزيد كفو من لا كفو له، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم، ما زادته امارته في الكفاءة شيئا.
و أمّا قولك: بوجهه يستسقى الغمام، فإنّما كان ذلك بوجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و أمّا قولك: من يغبط منّا له أكثر ممّن يغبطه بنا، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل و يغبطه بنا أهل العقل.
ثمّ قال الحسين- بعد كلام-: فاشهدوا جميعا أنّي قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبد اللّه بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة و ثمانين درهما، و قد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أو قال: أرضي بالعقيق، و إنّ غلّتها في السنة ثمانية آلاف دينار ففيها لهما غنى إن شاء اللّه.
قال: فتغيّر وجه مروان، و قال: ما أتيتم إلّا غدرا يا بني هاشم، تأبون إلّا العداوة، فذكّره 2235 الحسين عليه السلام خطبة الحسن عائشة بنت عثمان و فعله، ثمّ قال: فأين موضع الغدر يا مروان 2236 ؟
و قال الحسن عليه السلام: إنّ للّه مدينتين: إحداهما بالمشرق و الاخرى بالمغرب فيهما خلق لم يهمّوا بمعصية اللّه قطّ، و اللّه ما فيهما و ما بينهما حجّة للّه على خلقه غيري و غير أخي الحسين عليه السلام 2237 .
[قول الحسن عليه السلام لأبي بكر: انزل عن مجلس أبي، و قول الحسين عليه السلام يوما لعمر: انزل عن منبر أبي]
فضائل السمعاني: قال اسامة بن زيد: جاء الحسن عليه السلام إلى أبي بكر و هو يخطب على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: انزل عن مجلس أبي.
قال: صدقت هذا مجلس أبيك، ثمّ أجلسه في حجره و بكى.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: و اللّه ما هذا من أمري.
قال: صدقت و اللّه صدّقتك و ما اتّهمتك 2238 .
و في رواية الخطيب 2239 : انّ الحسين عليه السلام قال يوما لعمر: انزل عن منبر أبي و امضى إلى منبر أبيك.
فقال عمر: لم يكن لأبي منبر، و أخذني و أجلسني معه، ثمّ سألني: من علّمك هذا؟
فقلت: و اللّه ما علّمني أحد 2240 .
فصل في ذكر وفاته عليه السلام
لمّا تمّت من إمرة معاوية عشر سنين عزم على البيعة لابنه يزيد لعنه اللّه، و لم يكن أثقل عليه من الحسن عليه السلام و سعد بن أبي وقّاص، فأرسل بما دسّه لسعد بن أبي وقّاص فقتله به، ثمّ أرسل إلى ابنة الأشعث: انّي ازوّجك من ابني يزيد على أن تسمّي الحسن، و بعث إليها بمائة ألف درهم، ففعلت و سمّته، فسوّغها المال و لم يزوّجها من يزيد، فتزوّجها رجل من بني طلحة فأولدها، فكان إذا جرى كلام عيّروهم و قالوا: يا بني مسمّمة الأزواج 2241 .
كتاب الأنوار: قال: إنّه عليه السلام قال: لقد سقيت السمّ مرّتين و هذه الثالثة.
[إخباره عليه السلام بوفاته مسموما]
كتاب روضة الواعظين: إنّ الحسن عليه السلام قال: لقد سقيت السمّ مرارا ما سقيت مثل هذه المرّة، لقد تقطّعت كبدي قطعة قطعة فجعلت اقلّبها بعود معي، ثمّ قال للحسين عليه السلام: يا أخي إنّي مفارقك و لا حق بربّي، و قد سقيت السمّ، و رميت بكبدي في الطشت، و إنّي لعارف بمن سقاني، و من أين دهيت، و أنا اخاصمه إلى اللّه سبحانه.
فقال له الحسين عليه السلام: فمن سقاكه؟
قال: ما تريد منه؟ أ تريد أن تقتله؟ إن يكن هو هو فاللّه أشدّ نقمة منك، و إن لم يكن هو فما احبّ أن يؤخذ [بي] 2242 بريء، فبحقّي عليك إن تكلّمت بكلمة واحدة، و انتظر ما يحدث اللّه فيّ.
و في خبر: باللّه اقسم عليك إن تهريق في أمري محجمة دم 2243 .
و حكي أنّ الحسن عليه السلام لمّا أشرف على الموت قال له الحسين عليه السلام: اريد أن أعلم حالك يا أخي.
فقاله له الحسن: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لا يفارق العقل منّا أهل البيت ما دامت الروح فينا، فضع يدك في يدي حتى إذا عاينت ملك الموت أغمز يدك، فوضع يده في يده، فلمّا كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفا، فقرّب الحسين اذنه من فمه، فقال: قال لي ملك الموت: أبشر فإنّ اللّه عنك راض و جدّك شافع 2244 .
[أنّه عليه السلام أوصى بأن يجدّد عهده عند جدّه صلّى اللّه عليه و آله]
و كان الحسن عليه السلام أوصى بأن يجدّد عهده عند جدّه، فلمّا مضى لسبيله غسّله الحسين و كفّنه و حمله على سريره، فلمّا توجّه بالحسن إلى قبر جدّه صلّى اللّه عليه و آله أقبلوا إليه بجمعهم و جعل مروان يقول: يا ربّ هيجا هي خير من دعة، أ يدفن عثمان في أقصى المدينة و يدفن الحسن مع النبي؟ أما لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف.
فبادر ابن عبّاس و كثر المقال بينهما حتى قال ابن عبّاس: ارجع من حيث
جئت فإنّا لا نريد دفنه هاهنا، لكنّا نريد [أن] 2245 نجدّد عهدا بزيارته، ثم نردّه إلى جدّته فاطمة فندفنه عندها بوصيّته، فلو كان أوصى بدفنه عند النبيّ لعلمت أنّك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك، لكنّه كان أعلم بحرمة قبر جدّه من أن يطرق إليه 2246 هدما، و رموا بالنبال جنازته صلوات اللّه عليه حتى سلّ منها سبعون سهما.
[أبيات للصقر الصفدي]
قال ابن عبّاس: و أقبلت امرأة 2247 على بغل برحل في أربعين راكبا تقول:
مالي و لكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى و لا احبّ؟
فقال ابن عبّاس- بعد كلام-: عائشة يوما على جمل و يوما على بغل 2248 .
فنظمه الصقر البصري رضي اللّه عنه: 2249
و يوم الحسن السبط 2250
على بغلك أقبلت 2251
و مايست و مانعت
و خاصمت و قاتلت
و في بيت رسول اللّه
في الكلّ 2252 تحكّمت
هل الزوجة أولى با
لمواريث من البنت
لك التسع من الثمن
و للكلّ تملّكت 2253
تجمّلت تبغّلت
و إن عشت تفيّلت 2254
[أبيات للحسين عليه السلام في رثاء أخيه الحسن عليه السلام]
و لمّا وضع الحسن عليه السلام في قبره أنشأ سيّدنا و مولانا أبو عبد اللّه الحسين عليه السلام:
أ أدهن رأسي أم اطيّب مجالسي
و رأسك معفور و أنت سليب
أو استمتع الدنيا بشيء احبّه
ألا كلّ ما أدنى إليك حبيب
فلا زلت أبكي ما تغنّت حمامة
عليك و ما هبّت صبا و جنوب
و ما هملت عيني من الدمع قطرة
و ما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب
بكائي طويل و الدموع غزيرة
و أنت بعيد و المزار قريب
غريب و أطراف البيوت تنوشه 2255
ألا كلّ من تحت التراب غريب
فلا يفرح لاباقي خلاف الّذي مضى
فكلّ فتى للموت فيه نصيب
و ليس حريب من اصيب بماله