کتابخانه روایات شیعه
مقلتي، و هضمك أطال حزني، و ظلمك أذوى عصبي، أمّا ليلي فزفرة و عبرة، و أمّا نهاري فحيرة و فكرة، أتفكّر في فوادح مصائبكم، و أتذكّر عظيم نوائبكم، و أتصوّر علم الاسلام والدكم، و إمام الأنام قائدكم، خير الامّة بعد نبيّها، و خير الملّة و حفيّها، الّذي أخذ اللّه ميثاق ولاته على خلقه، و أحيى بمعين علمه موات حقّه، و جعله الهادي إليه، و الدليل عليه.
كلّ علم لا يؤخذ عنه فهو ضلال، و كلّ دين لا يتلقّى منه فهو محال، لو لا جهاده لما قام عمود الاسلام، و لو لا بيانه لما عرف الحلال من الحرام، قلبه مخزن علم اللّه، و نفسه مشرق نور اللّه، بحر لا يدرك قراره، و سائق لا يشقّ غباره، لا يعرف اللّه إلّا من سلك سبيله، و لا ينجو في تيه الضلالة إلّا من اتّبع دليله، كيف اجتمعت أمّة السوء على قتاله، و انبعث أشقاها لاغتياله، و صيّره ضمنا في حال ركوعه، ملقى في خلال خشوعه؟ بعد أن سلبوه تراث ابن عمّه، و غصبوه ميراث شقيق دمه و لحمه، و جعلوا وليّ أمرهم أرذلهم نسبا، و إمام عصرهم أخملهم حسبا، أخفض بيت في تيم بن مرّة، و أكذب منعوت بالصدق و الامرة، لمّا شادوا بالباطل سقيفتهم، و سمّوه بخلاف تسمية ربّهم خليفتهم، هدموا من الحقّ ما شيّد وليّ اللّه بجدّه و جهده، و طمسوا من الصدق ما بين في صدره و ورده، و فرقوا كلمة الاسلام بجبتهم و فاروقهم، و عطّلوا أحكام القرآن بثالثهم طاغوتهم.
فتبّا لها من أمّة سوء شرت الضلالة بالهدى، و باعت الآخرة بالاولى، و عدلت بصفوة اللّه من لا يمت بفضله، بل و لا يعدل عند اللّه شرك نعله، و أهانت خلافة اللّه حتى تلاعبت بها اولوا الأخلاق الذميمة، و الأعراق الموصومة، و صيّروها ملكا عضوضا، و عهدا منقوضا، فعاد المؤمن فيها يحذر من فيئه و ظلّه،
و يخفي شخصه عن صحبه و أهله، و يبتغي نفقا في الأرض أو سلّما في السماء، و ينحجر في الزوايا خشية الرقباء، يرى حتفه بعينيه، و يسمع لعنه باذنيه، و كيف لا يخشى بادرتهم، و يحذر فاقرتهم، و هو يرى صنيعهم لسيّدهم و وليّهم، و خذلهم هاديهم و خليفة نبيّهم، و أذاهم له بقولهم و فعلهم، و إجلابهم عليه بخيلهم و رجلهم، و حربهم له في صفّينهم و جملهم، و قتلهم له في قبلة مسجده، و فتكهم به في حال تهجّده، و تصييرهم ولديه سبطي نبيّ الرحمة، و فرعي شفيع الامّة، و سيّدي شباب أهل الجنّة، و من جعل اللّه وجودهما في الخلق أعظم منّة، ما بين مسموم و مقتول، و مهضوم و مخذول؟
فأبعدها اللّه من أمّة خبل سعيها، و دام غيّها، و طال شقاها، و خاب رجاها، تقتل ذرّيّة نبيّها بين ظهرانيها، و تسبي بنات رسولها و هي تنظر إليها، ليس فيها رشيد يردعها، و لا سديد يدفعها، فما أبعدها من رحمة اللّه و أشقاها، و أحقّها بخزي اللّه و أولاها؟ قد أوثقها اللّه بذنوبها، و ختم على قلوبها و غرّها سرابها، و تقطّعت أسبابها، فارتدّت على أعقابها، و ضلّت في ذهابها و إيابها، قد طوّقها اللّه طوق لعنته، و حرّم عليها نعيم جنّته، فالمؤمن فيها حامل حتفه على كتفه، و ناظر هلكه بطرفه، يسلقونه بحداد ألسنتهم، و يعنّفونه بفضيع مقالتهم، فهو بينهم كالشاة بين الذئاب، أو الغريب تحتوشه الكلاب، و علماؤهم يتجسّسون على عورات المؤمنين، و يبتغون زلّات الصالحين، و يحرّمون ما أحلّ اللّه بأهوائهم، و يحلّون ما حرّم اللّه بآرائهم، و يسفّهون أحلام من التزم بحبل أهل بيت نبيّه، و يستهزءون بمن استمسك بولاء عترة وليّه، و هم مع ذلك يتولّى بعضهم بعضا، و يعظّم بعضهم بعضا، و ما ذاك إلّا لاختصاص قول المؤمنين بآل محمد صلّى اللّه عليه و آله فلعداوتهم لهم رموهم عن قوس واحدة.
[بعض الفتاوى الغريبة لأبي حنيفة و الشافعي و مالك و داود بن علي]
هذا أبو حنيفة النعمان بن ثابت يقول: لو أنّ رجلا عقد على امّه عقد نكاح و هو يعلم أنّها امّه ثم وطئها لسقط عنه الحدّ و لحق به الولد.
و كذلك قوله في الاخت و البنت و سائر المحرّمات و يزعم أنّ هذا نكاح شبهة أوجب سقوط الحدّ عنه 2272 .
و يقول: لو أنّ رجلا استأجر غسّالة، أو خيّاطة، أو خبّازة، أو غير ذلك من أصحاب الصناعات ثمّ وثب عليها و وطئها و حملت منه لأسقطت عنه الحدّ و ألحقت به الولد.
و يقول: إذا لفّ الرجل على إحليله حريرة ثمّ أولجه في فرج امرأة ليست له بمحرم لم يكن زانيا، و لا يجب عليه الحدّ.
و يقول: إنّ الرجل إذا تلوّط بغلام فأوقب لم يجب عليه الحدّ، و لكن يردع بالكلام الغليظ و الأدب و الخفقة و الخفقتين بالنعل، و ما أشبه ذلك.
و يقول: إنّ شرب النبيذ الصلب المسكر حلال طلق إذا طبخ و بقي على الثلث و هو سنّة و تحريمه بدعة.
و قال الشافعي: إنّ الرجل إذا فجر بامرأة فحملت و ولدت بنتا فإنّه يحلّ للفاجر أن يتزوّج بها و يطأها و يستولدها لا حرج عليه في ذلك، فأحلّ نكاح البنات 2273 .
و قال: لو أنّ رجلا اشترى اخته من الرضاعة ثمّ وطئها لما وجب عليه الحدّ، و كان يجوّز سماع الغناء بالقصب و ما أشبهه.
و كان مالك بن أنس يرى سماع الغناء بالدفّ و أشباهه من الملاهي، و يزعم أنّ ذلك سنّة، و كان يجيز وطىء الغلمان المماليك بملك اليمين.
و قال داود بن علي الأصفهاني 2274 : إنّ الجمع بين الاختين بملك اليمين حلالا طلق، و الجمع بين الامّ و البنت غير محظور.
فاقيم هؤلاء الفجور و كلّ منكر فيما بينهم و استحلّوه، و لم ينكر بعضهم على بعض، مع أنّ الكتاب و السنّة و الاجماع تشهد بضلالهم في ذلك، و عظّموا أمر المتعة و استنكروها و ضلّلوا فاعلها، مع أنّ القرآن و السنّة يشهدان بصحّتها، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أباحها، و فعلت على زمانه، و مات صلّى اللّه عليه و آله و هي جارية في الصحابة و غيرهم حتى حرّمها الثاني بجهله و كفره و تعصّبه بالباطل، فصوّبوا آراءه، و سدّدوا اجتهاده في تحريمها، فيعلم أنّهم ليسوا من أهل الدين، و لكنّهم من أهل العصبيّة و العداوة لآل محمد صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
و لنختم المجلس بقصيدة أملاها خالص إيماني على جناني، و ألقاها محض اعتقادي إلى فؤادي، و كتبتها يد محبّتي على لوح فكرتي، و استخرجتها صناعة بلاغتي من خزانة فصاحتي، أسأل اللّه أن يجعلها صدر جريدة عملي، و بيت قصيدة أملي، و هو حسبنا و نعم الوكيل:
عصر الشباب تولّى و انقضى زمني
كطيف حلم مضى في غمضة الوسن
و خانني جلدي لمّا دنا أجلي
و أقبل الشيب بالترحال يؤذنني
سبعون عاما مضت ما كان أجمعها
إلّا كومض بريق لاح في مزن
لم أستفد صالحا فيها و لا عملا
إلى رضا اللّه في الاخرى يقرّبني
فكّرت في عصب من اسرتي سلفوا
و أهل ودّي و فيمن كان يصحبني
فما وجدت لهم عينا و لا أثرا
و ليس حيّ سواي من بني زمني
أيقنت انّي بهم لا شكّ ملتحق
و انّ دهري بسهم الموت يرشقني
فعادني منهم عيد فسال دما
دمعي لذكرهم كالعارض الهتن
علمت من عادة الدهر الخئون بأنّ
الشيب و الموت مقرونان في قرني
و ابيضّ فوديّ و لكن سوّدت صحفي
كبائر ذكرها ما عشت يحزنني
أيّام عمري في دنياي مذ قصرت
طالت خوادع آمالي فيا غبني
و كلّما ضعفت منّي القوى قويت
عزيمتي في الّذي في الحشر يوبقني
لم أستفد في حياتي غير صدق و لا
صفو اعتقادي و إيماني عليه بني
بحبّ أحمد و الأطهار عترته
اولي النهى و ذوي الآلاء و المنن
قوم هم العروة الوثقى فمن علقت
بها يداه رآها أحصن الجنن
لا يقبل اللّه من أعمالنا عملا
إلّا بحبّهم في السرّ و العلن
ما ذا أقول لقوم كان والدهم
للمصطفى خير منصوب و مؤتمن
ربّ الغدير و قسّام السعير
و ذي العلم الغزير مبين الفرض و السنن
و صاحب النصّ في آي العقود
فإنّما وليّكم إن تتل تستبن
كلّ إلى علمه ذو حاجة و إذا
أخبرته فهو عنهم بالكمال غني
به استقامت طريق الحقّ و اتّضحت
و ثبّت اللّه ما بالدين من وهن
توراة موسى و إنجيل المسيح له
في طيّها نشر ذكر واضح السنن
أهل السماء و أهل الأرض لو طلبوا
أن يحصروا عدّ ما فيه من الحسن
ضاقت مذاهبهم عجزا و ما بلغوا
معشار ما جاء في المولى أبي حسن
سل عنه بدرا و أحزاب الطغاة بني
حرب و عمرو بن ودّ عابدي الوثن
لمّا علاه بمشحوذ الغرار هوى
يصافح الأرض بالكفّين و الذقن
عليّ على كتف المختار معتمدا
طهارة البيت من رجس و من درن
ما قلته قطرة من بحر مدحته
يكلّ عنه بيان الماهر اللسن
في هل أتى هل أتى إلّا له شرف
آيات مدحته تتلى مدى الزمن
اللّه مادحه و الذكر شاهده
هذي المكارم لا قعبان من لبن
به قواعد إيماني علت شرفا