کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
يحمل معك هذا المال، فأتاه بالحمّالين، فدفع الحسين إليهم رداءه لكراء حملهم حتى حملوه معه، فقال مولى له: و اللّه لم يبق عندنا درهم واحد.
قال: لكنّي أرجو أن يكون لي بفعلي هذا عند اللّه أجر عظيم 2328 .
قيل: خرج الحسن عليه السلام في سفر فأضلّ طريقه ليلا، فمرّ براعي غنم فنزل عنده و ألطفه و بات عنده، فلمّا أصبح دلّه على الطريق، فقال له الحسن عليه السلام: إنّي ماض إلى ضيعتي 2329 ، ثمّ أعود إلى المدينة، و وقّت له وقتا قال:
تأتيني فيه، فلمّا جاء الوقت شغل الحسن بشيء من اموره عن قدوم المدينة، فجاء الراعي و كان عبدا لرجل من أهل المدينة فصار إلى أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام و هو يظنّه الحسن، فقال: يا مولاي، أنا العبد الّذي بتّ عندي ليلة كذا و أمرتني 2330 أن أصير إليك في هذا الوقت، و أراه علامات عرف الحسين عليه السلام انّه كان الحسن عليه السلام.
فقال الحسين عليه السلام: لمن أنت؟
فقال: لفلان.
قال: كم غنمك؟
قال: ثلاثمائة.
فأرسل عليه السلام إلى الرجل فرغّبه حتى باعه الغنم و العبد فأعتقه و وهب له الغنم مكافأة عمّا صنع بأخيه، و قال: إنّ الّذي بات عندك أخي و قد كافيتك بفعلك به 2331 .
و روى الحسن البصري: قال: كان الحسين سيدا، زاهدا، ورعا، صالحا، ناصحا، حسن الخلق، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستان له و كان في ذلك البستان غلام له يقال له صافي، فلمّا قرب من البستان رأى الغلام قاعدا يأكل خبزا، فنظر الحسين إليه و جلس مستترا ببعض النخل، فكان الغلام يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب و يأكل نصفه، فتعجّب الحسين عليه السلام من فعل الغلام، فلمّا فرغ من الأكل قال: الحمد للّه ربّ العالمين. اللّهمّ اغفر لي و لسيّدي و بارك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.
فقام الحسين عليه السلام و قال: يا صافي، فقام الغلام فزعا، فقال:
يا سيّدي و سيّد المؤمنين إلى يوم القيامة، إنّي ما رأيتك فاعف عنّي.
فقال الحسين عليه السلام: اجعلني في حلّ يا صافي لأنّي دخلت بستانك بغير إذنك.
فقال صافي: يا سيّدي، بفضلك و كرمك و سؤددك تقول هذا.
فقال الحسين عليه السلام: إنّي رأيتك ترمي بنصف الرغيف إلى الكلب و تأكل نصفه، فما معنى ذلك؟
فقال الغلام: إنّ [هذا] 2332 الكلب ينظر إليّ حين أكلي، فإنّي أستحي منه يا
سيّدي لنظره إليّ، و هذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء، و أنا عبدك و هذا كلبك نأكل من رزقك معا.
فبكى الحسين عليه السلام و قال: إن كان كذلك فأنت عتيق للّه و وهبت لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.
فقال الغلام: إن أعتقتني للّه فإنّي اريد القيام ببستانك.
فقال الحسين: إنّ الكريم 2333 إذا تكلّم بالكلام ينبغي له أن يصدقه بالفعل، و أنا قلت حين دخلت البستان: اجعلني في حلّ فإنّي دخلت بستانك بغير إذنك، فصدقت قولي، و وهبت البستان لك بما فيه، غير أنّ أصحابي هؤلاء جاءوا لأكل الثمار و الرطب فاجعلهم أضيافا لك، و أكرمهم لأجلي أكرمك اللّه يوم القيامة و بارك لك في حسن خلقك و أدبك.
فقال الغلام: إن كنت أوهبت لي بستانك فإنّي قد سبّلته لأصحابك و شيعتك.
قال الحسن البصري: فينبغي للمؤمن أن يكون في الفعال كنافلة 2334 رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 2335 .
و روي: أنّ الحسين عليه السلام كان جالسا في المسجد، مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الموضع الّذي كان يجلس فيه أخوه الحسن عليه السلام، بعد وفاة أخيه عليه السلام، فأتاه أعرابي فسلّم عليه، فردّ عليه السلام و قال: ما حاجتك؟
قال: إنّي قتلت ابن عمّ لي و قد طولبت بالدية، و قد قصدتك في دية مسلّمة إلى أهلها.
قال: أقصدت أحدا قبلي؟
قال: نعم، قال: قصدت عتبة بن أبي سفيان فناولني خمسين دينارا، فرددتها عليه، و قلت: لأقصدنّ خيرا منك و أكرم.
فقال عتبة: و من خير منّي و أكرم لا أمّ لك؟ فقلت: الحسين و عبد اللّه بن جعفر 2336 ، و قد أتيتك بدءا لتقيم بها عمود ظهري و تردّني إلى أهلي.
فقال الحسين عليه السلام: يا أعرابي، إنّا قوم نعطي المعروف على قدر المعرفة.
فقال: سل، يا ابن رسول اللّه.
فقال الحسين: ما النجاة من الهلكة؟
قال: التوكّل على اللّه.
فقال: ما أوفى للهمّة؟
فقال: الثقة باللّه.
فقال: ما أحصن ما يتحصّن به العبد؟
قال: بحبّكم أهل البيت.
قال: ما أزين ما يتزيّن به العبد؟
قال: علم يزيّنه حلم.
قال: فإن أخطأه ذلك.
قال: عقل يزيّنه تقى.
قال: فإن أخطأه ذلك.
قال: سخاء يزيّنه خلق حسن.
قال: فإن أخطأه ذلك.
قال: شجاعة يزيّنها ترك العجب.
قال: فإن أخطأه ذلك.
قال: و اللّه يا ابن رسول اللّه إن أخطأ المرء هذه الخصال فالموت أنسب به من الحياة.
و في رواية أنّه قال: فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه.
فضحك الحسين عليه السلام و أمر بعشرة آلاف درهم له و قال: هذا قضاء ديتك الّتي وجبت عليك، و عشرة آلاف اخرى ترمّ 2337 بها معيشتك، فأخذ الجميع الأعرابي و أنشأ يقول:
طربت و ما هاج بي 2338 مقلق
و ما بي سقام و لا معشق 2339
و لكن طربت لآل الرسول
فهاج بي 2340 الشعر و المنطق
هم الأكرمون هم الأنجبون
نجوم السماء بهم تشرق
فأنت الامام 2341 و بدر الظلام
و معطي الأنام إذا أملقوا
سبقت الأنام إلى المكرمات
فأنت الجواد فلا تلحق 2342
أبوك الّذي فاز بالمكرمات
فقصّر عن سبقه السبّق
بكم فتح اللّه باب الرشاد 2343
و باب الضلال بكم مغلق 2344
فصل فيما جاء في فضله عليه السلام من الأحاديث المسندة
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باستشهاد الحسين عليه السلام]
روي بحذف الإسناد: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال يوما لأمّ سلمة: اجلسي على الباب فلا يلجنّ عليّ أحد.
قال: فجاء الحسين عليه السلام و هو وحف 2345 ، قالت: فذهبت أتناوله فسبقني، فلمّا طال عليّ خفت أن يكون قد وجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّ شيئا، فتطلّعت من الباب فوجدته يقلّب بكفّيه شيئا و الصبيّ نائم على بطنه و دموعه تسيل، فأمرني أن أدخل، فدخلت و قلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك، إنّ ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني، فلمّا طال عليّ خفت أن تكون وجدت في نفسك عليّ شيئا، فتطلّعت من الباب فوجدتك تقلّب بكفّيك شيئا و دموعك تسيل و الصبيّ نائم على بطنك.