کتابخانه روایات شیعه
نظر في شيء منها حتى دعا الخادم بإحضار مخضب فيه ماء، ثمّ دلكها 2370 ، فقلت: يا أبا محمد، من أين هذه الكتب؟
فقال: من العراق، من عند قوم لا يقصرون عن باطل، و لا يرجعون إلى حقّ، ثمّ قال: إنّي لست أخشاهم على نفسي و لكن أخشاهم على ذاك- و أشار إلى الحسين عليه السلام-.
[إخبار أمير المؤمنين و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باستشهاد الحسين عليهما السلام]
و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه: قال: أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا عبد اللّه بن عبّاس، كيف بك إذا قتلنا، و ولغت الفتنة في أولادنا، و سبيت ذرارينا و نساؤنا كما تسبى الأعاجم؟
قلت: اعيذك باللّه يا أبا الحسن، يا ابن عمّ، لقد كلّمتني بشيء ساءني، و ما ظننت أنّه يكون، أ ما ترى الايمان ما أحسنه، و الاسلام ما أزينه؟ أ تراهم فاعلين ذلك؟ لعلّها غير هذه الامّة.
قال: لا و اللّه، بل هذه الامّة، فأمرض قلبي و ساءني و صرت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخبرته على استحياء و خوف، و شاركتني في ذلك ميمونة و كأنّي اريدها بالحديث.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: اللّه أكبر، من أخبرك بذلك؟
قلت: أخبرني به عليّ.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ائت عليّا فادعه، فإذا هو بالباب فدخل فأمره بالجلوس، فقال: حبيبي ما لي أراك متغيّر اللون؟
قال: خيرا يا رسول اللّه.
قال: لعلّك ذكرت أمرا فأحزنك؟
قال: قد كان ذلك.
قال: إنّ عبد اللّه قد حدّث عنك بما حدّث، فمن أين قلت؟ لقد أمرضت قلبي و أحزنتني.
قال: إنّ ابنتك فاطمة أخبرتني انّها رأت رؤيا أقلقتني عند ما قصّتها عليّ.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما هيأته؟ قال: أخبرتني انّ قائلا يقول لها: ستكون بعدك فتنة، و انّه يؤخذ منك ولدك و ولد ولدك فلو لا أنّ اللّه يريد ألّا يهلك العباد كلّهم لرجمهم كما رجم قوم لوط بالحجارة.
فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سمع المنام من فاطمة عليها السلام و قال لها: إنّ ولدك يقتل، و زوجك يقتل 2371 ، و تحمل نسائي و بناتي إلى الشام، و الملائكة بذلك تخبرني، و جاءني جبرئيل و هو يقرأ عليك السلام و يقرأ عليّا السلام و يعزّيني فيكما و في ولديكما و لا تسكن الفتنة إلّا بكما، و إنّ اللّه جلّ جلاله وعدكما 2372 الأجر و الثواب، و لك عند اللّه فضيلة ليست لغيرك بصبرك و احتسابك على ما أبلاك، و على ولدك من بعدك، و إنّه ليعطيك- يا عليّ- علما 2373 من نور فتجلس على حوضي و بين يديك ولدان من نور، فكلّ من أراد الشرب من الناس و الصدّيقين غير النبيّين و المرسلين و الشهداء البرّيّين و البحريّين يكتب في رقّ فيعرض عليك فيأخذ الولدان أواني من نور فيسقون
أولياءك 2374 بإذنك، و إذا أذن لأحد منهم إلى الجنّة كتبت له رقعة إلى رضوان فهي جوازه حتى يدخل الجنّة.
عليك السلام بعدي، و أنت الخليفة على كلامي 2375 و كتاب ربّي و سنّتي فلا تكن من القاعدين، و العن الكسلين، إنّ اللّه سبحانه قد منعك من حرام الدنيا و لم يجعل لها عليك سبيلا و لا على ولدك، و جعل قوتهم قدرا منها ليقلّ حسابهم 2376 ، و وهب لمن تمسّك بسيرتك و اعتقد محبّتك و نصرة ولدك، شفاعتك و النظر إليك جزاء بما كانوا يكسبون لا يطردون 2377 عنها و لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، فإن كانت لهم حاجة عند ربّهم في آبائهم و أزواجهم و أولادهم و إخوانهم قضاها، فبشّر عنّي أمّتي و عرّفها ذلك، فإنّ السعيد يقبل، و الشقيّ يحرم 2378 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: سعير وجدي بتأسّفي لا تخمد، و غزير دمعي بتلهّفي لا يجمد، و زفراتي من التراقي تصاعد، و حسراتي بتجدّد ساعاتي تتجدّد، حزنا على دين الحقّ كيف قوّضت أركانه، و نقضت ايمانه، و بدّلت أحكامه، و نكست أعلامه، و انمحت آثاره، و خمدت أنواره، و ارتفعت أوغاد المنافقين على أمجاده، و علت كلمة المارقين في بلاده، و ارتدّت أهل ملّته على الأعقاب، و علت على الرءوس فيه الأذناب، لمّا مات صاحب الشريعة الغرّاء، و الملّة الزهراء، و الدين الظاهر، و النسب الطاهر، و الحسب الفاخر، محمد سيّد
الأوائل و الأواخر.
ظهر الفساد في البرّ و البحر 2379 ، و اشتهر العناد في البدو و الحضر، و اظهرت الأحقاد القديمة، و غيّرت الطرائق القويمة، و علت الأسافل على الأعالي، و انحطّ من سعر الاسلام كلّ غالي، و صار زمامه في أيدي أرذاله، و قوامه في قبضة جهّاله، و سلطانه إلى أعداء صاحب دعوته مفوّضا، و بنيانه بأكفّ الملحدين في آياته مقوّضا، فأجهدوا جهدهم في إدحاض حجّته، و بذلوا وسعهم في إبطال أدلّته، و لمّا رأوا دعوته قد حكمت، و فروضه قد استحكمت، و قدمه في صعيد القوّة راسخة، و فروعه في سماء العزّة شامخة، و اصوله في القلوب ثابتة، و مسله 2380 في النفوس ثابتة، و أنواره في الآفاق ساطعة، و حدوده لأسباب الشرك قاطعة.
لم يتمكّنوا من إطفاء نوره، و لم يتحكّموا في إخفاء منشوره، و لم يجدوا إلى هدم بنيانه سببا، و ما استطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا، أظهروا النصيحة للأنام و الغدر حشو صدورهم، و أضمروا هدم الاسلام بزخرفهم و غرورهم.
فكان أوّل تدبيرهم في تغيير قواعده، و أعظم تزويرهم في إبطال مقاصده، صرف الأمر عن ذرّيّة نبيّهم، و العدول بالحقّ عن عترة وليّهم، فنقضوا عهد الرسول إليهم فيهم، و خالفوا نصّه في الغدير و غيره عليهم، و راموا بوارهم عن جديد الغبراء، و إعدامهم من أقطار الدنيا، و لو يجدوا موافقا على جاهليّتهم، مدافعا عن معتقدهم و نحلتهم، لعبدوا الأصنام، و لاقتسموا بالأزلام، و لعظّموا الرجس من الأوثان، و لاشتغلوا بعبادة الشيطان عن عبادة
الرحمن، و هم و إن لم ينصبوا الأنصاب جهرة و لم يتّخذوا الأصنام آلهة فقد أحدثوا من الفساد في البلاد، و العدوان على العباد، و الظلم لآل الرسول، و الهضم لذرّيّة البتول، ما نقضوا عبادة الأوثان عن عشر عشيره، و يختفر بعظيم الأنداد في جنب حقيره، من ظلم سادتهم و امرائهم، و من قرن اللّه ذكره بذكرهم، فقتلوهم في محاريب صلواتهم، و خذلوهم في حروبهم و غزواتهم، و أرهفوهم برحى سمومهم، و لم يراقبوا اللّه في هديهم و فديتهم، و شنّوا عليهم غاراتهم، و نصبوا العداوة لأحفادهم و ذرّيّاتهم.
فانظر إلى صاحب المحنة العظيمة، و الواقعة الجسيمة، و المصيبة الّتي أنفدت بتراكمها ماء الشؤون، و قرحت بتفاقمها الآماق و الجفون، مصيبة أشرف الثقلين، و سبط سيّد الكونين، و ابن صاحب بدر و احد و حنين، أبي عبد اللّه الحسين، كاتبوه و راسلوه، و وعدوه و عاهدوه، حتى إذا انقطعت معذرته بظنة وجود الناصر، و لزمه القيام بأمر اللّه في الظاهر، خذلوه و أسلموه، و جحدوه و قتلوه، و سقوه من غروب سيوفهم كئوس الحمام، و سوّدوا بقتله و قتل ولده وجه الاسلام.
فيا عيوني لمصيبته بعبرتي لا تبخلي، و يا كربتي لرزيّته عن حشاشتي لا تتجلى، و يا حرقتي لما ناله لا تخمدي، و يا زفرتي لمصرعه من التراقي تصاعدي، أ لغيره أذخر حزني و بكائي؟ أم على سواه أصف وجدي و بلوائي؟
أم على هالك بعده أنثر جواهر نثري؟ أم على قانت غيره أسمط بالمراثي شعري؟
يهيج في وجدي إذا ذكرت غربته، و تضطرب أحشائي و قلبي إذا تصوّرت محبّته، و تذكو آثار الأسى في جوانحي بفضيع مصرعه، و ينحلّ قلبي
بصبري و يجود طرفي بمدمعه، إذا مثّلت شيبه بدمائه مخضوبا، و كريمه على القناة منصوبا، و نساءه على الأقتاب حيارى، و أبناءه في الأصفاد اسارى، و شلوه على الرمضاء طريحا، و طفله بسهام الأعداء ذبيحا، و ثقله نهيبا، و رداءه سليبا، و جبينه تريبا، و يومه عصيبا، و جسده بسهام البغاة صريعا، و ثغره بقضيب الطغاة قريعا، ذكت بثوران الأسى في أضلعي، و أغرقتني بفيضها أدمعي، و نفى ذكره عن عيني رقادي، و أطال حزني ليلي بسهادي.
فها أنا ذا لواقعته حليف الأحزان، أليف الأشجان، قريح الأجفان، جريح الجنان، أقطع ليلي بالتأسّف و الأنين، و نهاري بالتأوّه و الحنين، و أوقاتي بإهداء تحيّاتي و صلواتي إليه، و ساعاتي بلعن من اجترى بكفره عليه، و يروي لساني عن جناني، و بناني عن إيماني، غررا من بدائع نثري و نظمي، و دررا من تواضع حكمي و فهمي، اشنّف بها المسامع، و اشرّف المجامع، و اسيل بتردادها المدامع، و أشجي بإنشادها الطبائع، و أقمع بها هامة الكفور الجاحد، و أقطع دابر الكنود الحاسد، و أبوح بسرّي في شعري، و أنوح و دمعي من طرفي يجري،
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
و أقول و فؤادي بنار حزني يتأجّج، و لساني من شدّة نحيبي يتلجلج:
حزن قلبي و هيامي
و نحولي و سقامي
لا على عيش تقضّى
لم أنل منه مرامي
لا و لا من فقد آلا
ف تناءوا عن مقامي
بل لقوم من بني المخ
تار سادات كرام
من أبوهم صاحب الكو
ثر في يوم القيام
و الّذين امّهم ذو
شرف في المجد سامي
أصبحوا في كربلا ما
بين مقتول و ظامي
في صعيد الطفّ قد جر
رع كاسات الحمام
من نجيع النحر يسقى
صدرا بعد الاوام
و نساء حاسرات
غاب عنهنّ المحامي
عترة المختار خير ال
ناس من خاصّ و عامي
لهف قلبي لشهيد
ضلّ مخفور الذمام
حرّ صدري لإمام
طاهر و ابن إمام
جسمه غودر ضمنا
بسيوف و سهام
طول حزني لتريب ال
خدّ منه النحردامي
رأسه من فوق رمح
مخجل بدر التمام
و بنات المصطفى شب
ه اسارى نجل حامي
فكذا قلبي و طرفي
في احتراق و انسحام
و كذا عن مقلتي حز
ني نفى طيب منامي
فاصطباري في انتقاض
و جوابي في تمامي
و إذا فكّرت فيما
قد جرى زاد هيامي
حاسرات يتستّر
ن بأطراف الكمام
و يساقون بلا رف
ق إلى شرّ الأنام
يا بني المختار ما حل
ل بكم يذكي ضرامي
و بعاشور يزيد ال
حزن لي في كلّ عام
و أسحّ الدمع من طر
ف لفرط الحزن دامي
ثمرات نثرها كال
درّ في سلك النظام
يزدريها الناصب الها
ثم في تيه الظلام
و إليها المؤمن المخ
لص يصغي باحتشام
و احتراق و زفير