کتابخانه روایات شیعه
الأوائل و الأواخر.
ظهر الفساد في البرّ و البحر 2379 ، و اشتهر العناد في البدو و الحضر، و اظهرت الأحقاد القديمة، و غيّرت الطرائق القويمة، و علت الأسافل على الأعالي، و انحطّ من سعر الاسلام كلّ غالي، و صار زمامه في أيدي أرذاله، و قوامه في قبضة جهّاله، و سلطانه إلى أعداء صاحب دعوته مفوّضا، و بنيانه بأكفّ الملحدين في آياته مقوّضا، فأجهدوا جهدهم في إدحاض حجّته، و بذلوا وسعهم في إبطال أدلّته، و لمّا رأوا دعوته قد حكمت، و فروضه قد استحكمت، و قدمه في صعيد القوّة راسخة، و فروعه في سماء العزّة شامخة، و اصوله في القلوب ثابتة، و مسله 2380 في النفوس ثابتة، و أنواره في الآفاق ساطعة، و حدوده لأسباب الشرك قاطعة.
لم يتمكّنوا من إطفاء نوره، و لم يتحكّموا في إخفاء منشوره، و لم يجدوا إلى هدم بنيانه سببا، و ما استطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا، أظهروا النصيحة للأنام و الغدر حشو صدورهم، و أضمروا هدم الاسلام بزخرفهم و غرورهم.
فكان أوّل تدبيرهم في تغيير قواعده، و أعظم تزويرهم في إبطال مقاصده، صرف الأمر عن ذرّيّة نبيّهم، و العدول بالحقّ عن عترة وليّهم، فنقضوا عهد الرسول إليهم فيهم، و خالفوا نصّه في الغدير و غيره عليهم، و راموا بوارهم عن جديد الغبراء، و إعدامهم من أقطار الدنيا، و لو يجدوا موافقا على جاهليّتهم، مدافعا عن معتقدهم و نحلتهم، لعبدوا الأصنام، و لاقتسموا بالأزلام، و لعظّموا الرجس من الأوثان، و لاشتغلوا بعبادة الشيطان عن عبادة
الرحمن، و هم و إن لم ينصبوا الأنصاب جهرة و لم يتّخذوا الأصنام آلهة فقد أحدثوا من الفساد في البلاد، و العدوان على العباد، و الظلم لآل الرسول، و الهضم لذرّيّة البتول، ما نقضوا عبادة الأوثان عن عشر عشيره، و يختفر بعظيم الأنداد في جنب حقيره، من ظلم سادتهم و امرائهم، و من قرن اللّه ذكره بذكرهم، فقتلوهم في محاريب صلواتهم، و خذلوهم في حروبهم و غزواتهم، و أرهفوهم برحى سمومهم، و لم يراقبوا اللّه في هديهم و فديتهم، و شنّوا عليهم غاراتهم، و نصبوا العداوة لأحفادهم و ذرّيّاتهم.
فانظر إلى صاحب المحنة العظيمة، و الواقعة الجسيمة، و المصيبة الّتي أنفدت بتراكمها ماء الشؤون، و قرحت بتفاقمها الآماق و الجفون، مصيبة أشرف الثقلين، و سبط سيّد الكونين، و ابن صاحب بدر و احد و حنين، أبي عبد اللّه الحسين، كاتبوه و راسلوه، و وعدوه و عاهدوه، حتى إذا انقطعت معذرته بظنة وجود الناصر، و لزمه القيام بأمر اللّه في الظاهر، خذلوه و أسلموه، و جحدوه و قتلوه، و سقوه من غروب سيوفهم كئوس الحمام، و سوّدوا بقتله و قتل ولده وجه الاسلام.
فيا عيوني لمصيبته بعبرتي لا تبخلي، و يا كربتي لرزيّته عن حشاشتي لا تتجلى، و يا حرقتي لما ناله لا تخمدي، و يا زفرتي لمصرعه من التراقي تصاعدي، أ لغيره أذخر حزني و بكائي؟ أم على سواه أصف وجدي و بلوائي؟
أم على هالك بعده أنثر جواهر نثري؟ أم على قانت غيره أسمط بالمراثي شعري؟
يهيج في وجدي إذا ذكرت غربته، و تضطرب أحشائي و قلبي إذا تصوّرت محبّته، و تذكو آثار الأسى في جوانحي بفضيع مصرعه، و ينحلّ قلبي
بصبري و يجود طرفي بمدمعه، إذا مثّلت شيبه بدمائه مخضوبا، و كريمه على القناة منصوبا، و نساءه على الأقتاب حيارى، و أبناءه في الأصفاد اسارى، و شلوه على الرمضاء طريحا، و طفله بسهام الأعداء ذبيحا، و ثقله نهيبا، و رداءه سليبا، و جبينه تريبا، و يومه عصيبا، و جسده بسهام البغاة صريعا، و ثغره بقضيب الطغاة قريعا، ذكت بثوران الأسى في أضلعي، و أغرقتني بفيضها أدمعي، و نفى ذكره عن عيني رقادي، و أطال حزني ليلي بسهادي.
فها أنا ذا لواقعته حليف الأحزان، أليف الأشجان، قريح الأجفان، جريح الجنان، أقطع ليلي بالتأسّف و الأنين، و نهاري بالتأوّه و الحنين، و أوقاتي بإهداء تحيّاتي و صلواتي إليه، و ساعاتي بلعن من اجترى بكفره عليه، و يروي لساني عن جناني، و بناني عن إيماني، غررا من بدائع نثري و نظمي، و دررا من تواضع حكمي و فهمي، اشنّف بها المسامع، و اشرّف المجامع، و اسيل بتردادها المدامع، و أشجي بإنشادها الطبائع، و أقمع بها هامة الكفور الجاحد، و أقطع دابر الكنود الحاسد، و أبوح بسرّي في شعري، و أنوح و دمعي من طرفي يجري،
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
و أقول و فؤادي بنار حزني يتأجّج، و لساني من شدّة نحيبي يتلجلج:
حزن قلبي و هيامي
و نحولي و سقامي
لا على عيش تقضّى
لم أنل منه مرامي
لا و لا من فقد آلا
ف تناءوا عن مقامي
بل لقوم من بني المخ
تار سادات كرام
من أبوهم صاحب الكو
ثر في يوم القيام
و الّذين امّهم ذو
شرف في المجد سامي
أصبحوا في كربلا ما
بين مقتول و ظامي
في صعيد الطفّ قد جر
رع كاسات الحمام
من نجيع النحر يسقى
صدرا بعد الاوام
و نساء حاسرات
غاب عنهنّ المحامي
عترة المختار خير ال
ناس من خاصّ و عامي
لهف قلبي لشهيد
ضلّ مخفور الذمام
حرّ صدري لإمام
طاهر و ابن إمام
جسمه غودر ضمنا
بسيوف و سهام
طول حزني لتريب ال
خدّ منه النحردامي
رأسه من فوق رمح
مخجل بدر التمام
و بنات المصطفى شب
ه اسارى نجل حامي
فكذا قلبي و طرفي
في احتراق و انسحام
و كذا عن مقلتي حز
ني نفى طيب منامي
فاصطباري في انتقاض
و جوابي في تمامي
و إذا فكّرت فيما
قد جرى زاد هيامي
حاسرات يتستّر
ن بأطراف الكمام
و يساقون بلا رف
ق إلى شرّ الأنام
يا بني المختار ما حل
ل بكم يذكي ضرامي
و بعاشور يزيد ال
حزن لي في كلّ عام
و أسحّ الدمع من طر
ف لفرط الحزن دامي
ثمرات نثرها كال
درّ في سلك النظام
يزدريها الناصب الها
ثم في تيه الظلام
و إليها المؤمن المخ
لص يصغي باحتشام
و احتراق و زفير
من فؤاد مستهام
يا بني طه من صفا
كم من كلّ دامي
حبّكم غذّى به قل
بي و مخّي و عظامي
قد اضيعت حرمة المخ
تار في الشهر الحرام
حين أصبحتم لقا بي
ن الروابي و الآكام
بكت السبع عليكم
بدماء كالغمام
إن يكن فاتكم نص
ري برمحي و حسامي
فلكم أنصر بالحج
جة في كلّ مقام
و لمن ناواكم ارد
ي بكلم من كلامي
اهشم الهامات من آ
ل وليد و هشام
و زياد و ابن سعد
و بني حرب اللئام
و كذا افلق قحف اب
ن قحاف بملامي
و ابن خطّاب و من يت
لوه من بخل اللئام
و كذا من قادت
الفتنة تعبأ بالزمام
و أتت في جحفل ته
وي من البيت الحرام
و على أشياعهم لعن
ي اوالي بدوام
من حجازيّ و بصري
ي و كوفيّ و شامي
و بهذا أرتجي من
خالقي يوم قيامي
محشرا في ضمن قوم
هم معاذي و اعتصامي
أهل أركان و بيت
و حطيم و مقام
بولاهم يقبل الل
ه صلاتي و صيامي
و عليهم صلوات
ناميات بسلامي
ما شدت في الايك ورق
ساجعات بغرام
المجلس السادس في ذكر مقامات أذكر فيها ما تمّ على الحسين عليه السلام بعد موت معاوية عليه اللعنة و العذاب، و ذكر ولاية يزيد
عليه من اللّه ما يستحقّ من العذاب المهين أبد الآبدين إلى يوم الدين، و غير ذلك من رسائل صدرت إليه عليه السلام من مواليه و مخالفيه، و ما أجاب عنها، صلوات اللّه و سلامه عليه، و على آبائه الطاهرين، و أبنائه المنتجبين
الخطبة
الحمد للّه الّذي جعل البلاء موكّلا بأنبيائه و أوليائه، و الابتلاء وسيلة لهم إلى اجتبائه و اصطفائه، و كلّفهم ببذل الأرواح في جهاد أعدائه، و شرى منهم الأنفس و الأموال بنعيمه الباقي ببقائه، و ربحت تجارتهم لمّا أوقعوا عقد بيعة ربّهم، و فازت صفقتهم لمّا حازوا من الزلفى بقربهم، و شمّروا عن ساق في سوق عباده إلى طاعته، و كشفوا عن ساعد الاستنقاذ أنامه من ورطة معصيته، و تلقّوا حرّ الصفاح بوجوههم و أجسادهم، و صبروا على مضّ الجراح لاستخلاص الهلكى و إرشادهم، فأغرى الشيطان سفهاءهم، و حمل أولياءه على حربهم،
فركبوا الصعب و الذلول في قتالهم، و خالفوا نصّ الرسول بكفرهم و ضلالهم، و قصدوهم في أنفسهم و أموالهم، و حاربوهم بخيلهم و رجالهم، فاستشعروا لباس الصبر الجميل طلبا للثواب الجزيل، و باعوا النزر القليل بالباقي الجليل، و جاهدوا الفجرة بجدّهم و جهدهم، و حاربوا الكفرة بذاتهم و ولدهم، و تبرّموا بالحياة في دولة الظالمين، و استطابوا الممات لغلبة الضالّين، و امتثلوا أمر اللّه بعزائم أبيّة، و انوف حميّة، و اصول نبويّة، و فروع علويّة، و أرواح روحانيّة، و أنفس قدسيّة، و قلوب على تقوى اللّه جبلت، و بالحقّ قضت و عدلت.
عرجت أرواحها إلى المحلّ الأسنى، و رقت نفوسها إلى الملكوت الأعلى، فشاهدت بأبصار بصائرها منازل الشهداء في جنّة المأوى، و لاحظت بأفكار ضمائرها ما اعدّ للمجاهدين في سبيله في دار الجزاء، فآثرت الآخرة على الاولى، و ما يبقى على ما يفنى.
فيا من يخطّئ صوابهم، و يستحبّ عتابهم، و يستعذب ملامهم، و يسفّه أحلامهم، و يتلو بنيّة فاسدة مشتركة: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 2381 ، جهلا منه بمواقع التنزيل، و غيّا عن مواضع التأويل، تبّت يدك، و فلّ جدّك، لقد نافقت بإسلامك، و أخطأت عن مرامك، و عشى عن ضوء شمس الحقّ إنسان عينك، و استولى الشكّ على مشوب يقينك، أتعلم من أنزل في بيوتهم، و ورد الذكر في صفاتهم و نعوتهم، و فخر جبريل يوم العبا بصحبتهم، و انزلت سورة «هل أتى» في مدحتهم؟