کتابخانه روایات شیعه
بصبري و يجود طرفي بمدمعه، إذا مثّلت شيبه بدمائه مخضوبا، و كريمه على القناة منصوبا، و نساءه على الأقتاب حيارى، و أبناءه في الأصفاد اسارى، و شلوه على الرمضاء طريحا، و طفله بسهام الأعداء ذبيحا، و ثقله نهيبا، و رداءه سليبا، و جبينه تريبا، و يومه عصيبا، و جسده بسهام البغاة صريعا، و ثغره بقضيب الطغاة قريعا، ذكت بثوران الأسى في أضلعي، و أغرقتني بفيضها أدمعي، و نفى ذكره عن عيني رقادي، و أطال حزني ليلي بسهادي.
فها أنا ذا لواقعته حليف الأحزان، أليف الأشجان، قريح الأجفان، جريح الجنان، أقطع ليلي بالتأسّف و الأنين، و نهاري بالتأوّه و الحنين، و أوقاتي بإهداء تحيّاتي و صلواتي إليه، و ساعاتي بلعن من اجترى بكفره عليه، و يروي لساني عن جناني، و بناني عن إيماني، غررا من بدائع نثري و نظمي، و دررا من تواضع حكمي و فهمي، اشنّف بها المسامع، و اشرّف المجامع، و اسيل بتردادها المدامع، و أشجي بإنشادها الطبائع، و أقمع بها هامة الكفور الجاحد، و أقطع دابر الكنود الحاسد، و أبوح بسرّي في شعري، و أنوح و دمعي من طرفي يجري،
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
و أقول و فؤادي بنار حزني يتأجّج، و لساني من شدّة نحيبي يتلجلج:
حزن قلبي و هيامي
و نحولي و سقامي
لا على عيش تقضّى
لم أنل منه مرامي
لا و لا من فقد آلا
ف تناءوا عن مقامي
بل لقوم من بني المخ
تار سادات كرام
من أبوهم صاحب الكو
ثر في يوم القيام
و الّذين امّهم ذو
شرف في المجد سامي
أصبحوا في كربلا ما
بين مقتول و ظامي
في صعيد الطفّ قد جر
رع كاسات الحمام
من نجيع النحر يسقى
صدرا بعد الاوام
و نساء حاسرات
غاب عنهنّ المحامي
عترة المختار خير ال
ناس من خاصّ و عامي
لهف قلبي لشهيد
ضلّ مخفور الذمام
حرّ صدري لإمام
طاهر و ابن إمام
جسمه غودر ضمنا
بسيوف و سهام
طول حزني لتريب ال
خدّ منه النحردامي
رأسه من فوق رمح
مخجل بدر التمام
و بنات المصطفى شب
ه اسارى نجل حامي
فكذا قلبي و طرفي
في احتراق و انسحام
و كذا عن مقلتي حز
ني نفى طيب منامي
فاصطباري في انتقاض
و جوابي في تمامي
و إذا فكّرت فيما
قد جرى زاد هيامي
حاسرات يتستّر
ن بأطراف الكمام
و يساقون بلا رف
ق إلى شرّ الأنام
يا بني المختار ما حل
ل بكم يذكي ضرامي
و بعاشور يزيد ال
حزن لي في كلّ عام
و أسحّ الدمع من طر
ف لفرط الحزن دامي
ثمرات نثرها كال
درّ في سلك النظام
يزدريها الناصب الها
ثم في تيه الظلام
و إليها المؤمن المخ
لص يصغي باحتشام
و احتراق و زفير
من فؤاد مستهام
يا بني طه من صفا
كم من كلّ دامي
حبّكم غذّى به قل
بي و مخّي و عظامي
قد اضيعت حرمة المخ
تار في الشهر الحرام
حين أصبحتم لقا بي
ن الروابي و الآكام
بكت السبع عليكم
بدماء كالغمام
إن يكن فاتكم نص
ري برمحي و حسامي
فلكم أنصر بالحج
جة في كلّ مقام
و لمن ناواكم ارد
ي بكلم من كلامي
اهشم الهامات من آ
ل وليد و هشام
و زياد و ابن سعد
و بني حرب اللئام
و كذا افلق قحف اب
ن قحاف بملامي
و ابن خطّاب و من يت
لوه من بخل اللئام
و كذا من قادت
الفتنة تعبأ بالزمام
و أتت في جحفل ته
وي من البيت الحرام
و على أشياعهم لعن
ي اوالي بدوام
من حجازيّ و بصري
ي و كوفيّ و شامي
و بهذا أرتجي من
خالقي يوم قيامي
محشرا في ضمن قوم
هم معاذي و اعتصامي
أهل أركان و بيت
و حطيم و مقام
بولاهم يقبل الل
ه صلاتي و صيامي
و عليهم صلوات
ناميات بسلامي
ما شدت في الايك ورق
ساجعات بغرام
المجلس السادس في ذكر مقامات أذكر فيها ما تمّ على الحسين عليه السلام بعد موت معاوية عليه اللعنة و العذاب، و ذكر ولاية يزيد
عليه من اللّه ما يستحقّ من العذاب المهين أبد الآبدين إلى يوم الدين، و غير ذلك من رسائل صدرت إليه عليه السلام من مواليه و مخالفيه، و ما أجاب عنها، صلوات اللّه و سلامه عليه، و على آبائه الطاهرين، و أبنائه المنتجبين
الخطبة
الحمد للّه الّذي جعل البلاء موكّلا بأنبيائه و أوليائه، و الابتلاء وسيلة لهم إلى اجتبائه و اصطفائه، و كلّفهم ببذل الأرواح في جهاد أعدائه، و شرى منهم الأنفس و الأموال بنعيمه الباقي ببقائه، و ربحت تجارتهم لمّا أوقعوا عقد بيعة ربّهم، و فازت صفقتهم لمّا حازوا من الزلفى بقربهم، و شمّروا عن ساق في سوق عباده إلى طاعته، و كشفوا عن ساعد الاستنقاذ أنامه من ورطة معصيته، و تلقّوا حرّ الصفاح بوجوههم و أجسادهم، و صبروا على مضّ الجراح لاستخلاص الهلكى و إرشادهم، فأغرى الشيطان سفهاءهم، و حمل أولياءه على حربهم،
فركبوا الصعب و الذلول في قتالهم، و خالفوا نصّ الرسول بكفرهم و ضلالهم، و قصدوهم في أنفسهم و أموالهم، و حاربوهم بخيلهم و رجالهم، فاستشعروا لباس الصبر الجميل طلبا للثواب الجزيل، و باعوا النزر القليل بالباقي الجليل، و جاهدوا الفجرة بجدّهم و جهدهم، و حاربوا الكفرة بذاتهم و ولدهم، و تبرّموا بالحياة في دولة الظالمين، و استطابوا الممات لغلبة الضالّين، و امتثلوا أمر اللّه بعزائم أبيّة، و انوف حميّة، و اصول نبويّة، و فروع علويّة، و أرواح روحانيّة، و أنفس قدسيّة، و قلوب على تقوى اللّه جبلت، و بالحقّ قضت و عدلت.
عرجت أرواحها إلى المحلّ الأسنى، و رقت نفوسها إلى الملكوت الأعلى، فشاهدت بأبصار بصائرها منازل الشهداء في جنّة المأوى، و لاحظت بأفكار ضمائرها ما اعدّ للمجاهدين في سبيله في دار الجزاء، فآثرت الآخرة على الاولى، و ما يبقى على ما يفنى.
فيا من يخطّئ صوابهم، و يستحبّ عتابهم، و يستعذب ملامهم، و يسفّه أحلامهم، و يتلو بنيّة فاسدة مشتركة: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 2381 ، جهلا منه بمواقع التنزيل، و غيّا عن مواضع التأويل، تبّت يدك، و فلّ جدّك، لقد نافقت بإسلامك، و أخطأت عن مرامك، و عشى عن ضوء شمس الحقّ إنسان عينك، و استولى الشكّ على مشوب يقينك، أتعلم من أنزل في بيوتهم، و ورد الذكر في صفاتهم و نعوتهم، و فخر جبريل يوم العبا بصحبتهم، و انزلت سورة «هل أتى» في مدحتهم؟
يا ويلك أ تورد حجّتك، و تورّك شبهتك، على قوم الدنيا في أعينهم أقلّ من كلّ قليل، و عزيزها لديهم أذلّ من كلّ ذليل؟ علمهم لدنيّ، و كشفهم
رحمانيّ، أطلعهم سبحانه على مصون سرّه، و قلّدهم ولاية أمره في برّه و بحره، و سهله و وعره، فهم الوسائل إليه، و الأدلّاء عليه، قصرت الأفهام عن إدراك جلالهم، و حصرت الأوهام عن تصوّر كمالهم، فاقوا الخضر في علم الباطن و الظاهر، و فاتوا الحصر بالدليل القاطع و المعجز الباهر، فالخليل يفخر بابوّتهم، و الكليم يقصر عن رتبتهم، و المسيح بأسمائهم يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيي الموتى بإذن اللّه، و الروح الأمين يتنزّل عليهم في منازلهم بأمر اللّه.
لمّا علموا أنّ الحياة الفانية مبالغة لهم عن حصول مطلوبهم، قاطعة عن الوصول إلى محبوبهم، حاجبة عن منازل قربهم، حاجزة عن جوار ربّهم، قطعوا العلائق للاتّصال بالمحلّ الأسنى، و خلعوا لباس العيش الدنيّ الاولى، و تلقّوا بوجههم الصفاح و الرماح، و صبروا بشدّة عزمهم على مضّ الجراح، تشوّفا إلى الاتّصال بمنازل القبول و الرضوان، و تشوّقا إلى الاستظلال بأظلّة تلك العواطف و الامتنان، و بذلوا أنفسهم فنالوا فضلها، و كانوا أحقّ بها و أهلها، و كان أعظم من أطاع اللّه منهم بجدّه و جهده، و أخلص للّه ببذل نفسه و ولده، و أراد أن تكون كلمة اللّه العليا، و كلمة الّذين كفروا السفلى، و سبب اللّه الأقوى، و دينه الأعلى، إمام الامّة، و أب الأئمّة، و منبع الحكمة، و مجمع العصمة، صاحب الأصل السامي، و الفرع النامي، و المجاهد المحامي، معاذي و ملاذي يوم حشري و قيامي، و حياتي و مماتي و ارتحالي و مقامي، و الأوّاه الحليم، الجواد الكريم، صاحب المصيبة العامّة، و الرزيّة الطامّة، و الواقعة الكبرى، و المحنة العظمى، قتيل العبرة، و صريح الفجرة، و سليل البررة، و سراج العترة، و طاهر الاسرة.
النبوّة أصله، و الامامة نسله، خاتم أصحاب الكساء، ابن خير الرجال و خير النساء، جدّه النبيّ، و أبوه الوصيّ، و امّه الزهراء، و مغرسه البطحاء، طار
بقوادم الشرف و خوافيه، و تعالى في سماء الكرم بمعاليه، أشرف خلق اللّه، و أفضل شهيد في اللّه، الباذل ذاته في اللّه، البائع نفسه من اللّه، القائم بأمر اللّه، الصادع بحكم اللّه، المخلص بجهاده في اللّه، الموفي بما عاهد عليه اللّه.
كتف الرسول مركبه، و ثدي البتول مشربه، كلّ شرف لشرفه يخضع، و كلّ مجد لمجده يصرع، و كلّ مؤمن له و لأبيه و جدّه يتبع، و كلّ منافق عن سبيله و سبيل آله يتكعكع، لا يقبل اللّه إيمان امرئ إلّا بولائه، و لا يزكّي عمل عامل إلّا باتّباعه، و لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بحبله، و لا يصلى النار إلّا منكرا لفضله، أطول خلق في المجد باعا و ذراعا، و أشرف رهط في الفخر ذرّيّة و أشياعا، جدّه عليّ، و جدّه نبيّ، و أبوه وليّ، و ولده أطهار، و نجله أبرار.
المجاهد الصبور، الحامد الشكور، منبع الأئمّة، و سراج الامّة، أطهر الأنام أصلا، و أظهرهم فضلا، و أزكاهم فعلا، و أتقاهم نجلا، و أنداهم كفّا، و أعلاهم وصفا، و أشرفهم رهطا، و أقومهم قسطا، سؤدده فاخر، و معدنه طاهر، لا يقذع صفاته، و لا تغمز قناته، و لا يدرك ثناؤه، و لا يحصى نعماؤه، كم أغنى ببرّه عائلا؟ و كم آثر بقوته سائلا؟ أفخر أسباط الأنبياء، و أفضل أولاد الأولياء، محيي الليل بركوعه و سجوده، و مجاري السيل بنائله وجوده، و أقوى من بذل في اللّه غاية مجهوده، و أسمى من استأثر من العلى بطارفه و تليده.