کتابخانه روایات شیعه
فركبوا الصعب و الذلول في قتالهم، و خالفوا نصّ الرسول بكفرهم و ضلالهم، و قصدوهم في أنفسهم و أموالهم، و حاربوهم بخيلهم و رجالهم، فاستشعروا لباس الصبر الجميل طلبا للثواب الجزيل، و باعوا النزر القليل بالباقي الجليل، و جاهدوا الفجرة بجدّهم و جهدهم، و حاربوا الكفرة بذاتهم و ولدهم، و تبرّموا بالحياة في دولة الظالمين، و استطابوا الممات لغلبة الضالّين، و امتثلوا أمر اللّه بعزائم أبيّة، و انوف حميّة، و اصول نبويّة، و فروع علويّة، و أرواح روحانيّة، و أنفس قدسيّة، و قلوب على تقوى اللّه جبلت، و بالحقّ قضت و عدلت.
عرجت أرواحها إلى المحلّ الأسنى، و رقت نفوسها إلى الملكوت الأعلى، فشاهدت بأبصار بصائرها منازل الشهداء في جنّة المأوى، و لاحظت بأفكار ضمائرها ما اعدّ للمجاهدين في سبيله في دار الجزاء، فآثرت الآخرة على الاولى، و ما يبقى على ما يفنى.
فيا من يخطّئ صوابهم، و يستحبّ عتابهم، و يستعذب ملامهم، و يسفّه أحلامهم، و يتلو بنيّة فاسدة مشتركة: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 2381 ، جهلا منه بمواقع التنزيل، و غيّا عن مواضع التأويل، تبّت يدك، و فلّ جدّك، لقد نافقت بإسلامك، و أخطأت عن مرامك، و عشى عن ضوء شمس الحقّ إنسان عينك، و استولى الشكّ على مشوب يقينك، أتعلم من أنزل في بيوتهم، و ورد الذكر في صفاتهم و نعوتهم، و فخر جبريل يوم العبا بصحبتهم، و انزلت سورة «هل أتى» في مدحتهم؟
يا ويلك أ تورد حجّتك، و تورّك شبهتك، على قوم الدنيا في أعينهم أقلّ من كلّ قليل، و عزيزها لديهم أذلّ من كلّ ذليل؟ علمهم لدنيّ، و كشفهم
رحمانيّ، أطلعهم سبحانه على مصون سرّه، و قلّدهم ولاية أمره في برّه و بحره، و سهله و وعره، فهم الوسائل إليه، و الأدلّاء عليه، قصرت الأفهام عن إدراك جلالهم، و حصرت الأوهام عن تصوّر كمالهم، فاقوا الخضر في علم الباطن و الظاهر، و فاتوا الحصر بالدليل القاطع و المعجز الباهر، فالخليل يفخر بابوّتهم، و الكليم يقصر عن رتبتهم، و المسيح بأسمائهم يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيي الموتى بإذن اللّه، و الروح الأمين يتنزّل عليهم في منازلهم بأمر اللّه.
لمّا علموا أنّ الحياة الفانية مبالغة لهم عن حصول مطلوبهم، قاطعة عن الوصول إلى محبوبهم، حاجبة عن منازل قربهم، حاجزة عن جوار ربّهم، قطعوا العلائق للاتّصال بالمحلّ الأسنى، و خلعوا لباس العيش الدنيّ الاولى، و تلقّوا بوجههم الصفاح و الرماح، و صبروا بشدّة عزمهم على مضّ الجراح، تشوّفا إلى الاتّصال بمنازل القبول و الرضوان، و تشوّقا إلى الاستظلال بأظلّة تلك العواطف و الامتنان، و بذلوا أنفسهم فنالوا فضلها، و كانوا أحقّ بها و أهلها، و كان أعظم من أطاع اللّه منهم بجدّه و جهده، و أخلص للّه ببذل نفسه و ولده، و أراد أن تكون كلمة اللّه العليا، و كلمة الّذين كفروا السفلى، و سبب اللّه الأقوى، و دينه الأعلى، إمام الامّة، و أب الأئمّة، و منبع الحكمة، و مجمع العصمة، صاحب الأصل السامي، و الفرع النامي، و المجاهد المحامي، معاذي و ملاذي يوم حشري و قيامي، و حياتي و مماتي و ارتحالي و مقامي، و الأوّاه الحليم، الجواد الكريم، صاحب المصيبة العامّة، و الرزيّة الطامّة، و الواقعة الكبرى، و المحنة العظمى، قتيل العبرة، و صريح الفجرة، و سليل البررة، و سراج العترة، و طاهر الاسرة.
النبوّة أصله، و الامامة نسله، خاتم أصحاب الكساء، ابن خير الرجال و خير النساء، جدّه النبيّ، و أبوه الوصيّ، و امّه الزهراء، و مغرسه البطحاء، طار
بقوادم الشرف و خوافيه، و تعالى في سماء الكرم بمعاليه، أشرف خلق اللّه، و أفضل شهيد في اللّه، الباذل ذاته في اللّه، البائع نفسه من اللّه، القائم بأمر اللّه، الصادع بحكم اللّه، المخلص بجهاده في اللّه، الموفي بما عاهد عليه اللّه.
كتف الرسول مركبه، و ثدي البتول مشربه، كلّ شرف لشرفه يخضع، و كلّ مجد لمجده يصرع، و كلّ مؤمن له و لأبيه و جدّه يتبع، و كلّ منافق عن سبيله و سبيل آله يتكعكع، لا يقبل اللّه إيمان امرئ إلّا بولائه، و لا يزكّي عمل عامل إلّا باتّباعه، و لا يدخل الجنّة إلّا مستمسكا بحبله، و لا يصلى النار إلّا منكرا لفضله، أطول خلق في المجد باعا و ذراعا، و أشرف رهط في الفخر ذرّيّة و أشياعا، جدّه عليّ، و جدّه نبيّ، و أبوه وليّ، و ولده أطهار، و نجله أبرار.
المجاهد الصبور، الحامد الشكور، منبع الأئمّة، و سراج الامّة، أطهر الأنام أصلا، و أظهرهم فضلا، و أزكاهم فعلا، و أتقاهم نجلا، و أنداهم كفّا، و أعلاهم وصفا، و أشرفهم رهطا، و أقومهم قسطا، سؤدده فاخر، و معدنه طاهر، لا يقذع صفاته، و لا تغمز قناته، و لا يدرك ثناؤه، و لا يحصى نعماؤه، كم أغنى ببرّه عائلا؟ و كم آثر بقوته سائلا؟ أفخر أسباط الأنبياء، و أفضل أولاد الأولياء، محيي الليل بركوعه و سجوده، و مجاري السيل بنائله وجوده، و أقوى من بذل في اللّه غاية مجهوده، و أسمى من استأثر من العلى بطارفه و تليده.
إمام المشرقين و المغربين، و نتيجة القمرين، بل الشمسين، و ابن مجلي الكربين، عن وجه سيّد الكونين، في بدر و حنين، و مصلّي القبلتين، و صاحب الهجرتين، سيّدنا و مولانا أبا عبد اللّه الحسين، عليه تحيّاتي بتوالي صلواتي تتلى، و في فضله تروى قصائدي، و بذكره تنجح مقاصدي، و بسببه تتّصل أسبابي، و في حضرته محطّ ركابي، و لرزيّته تتصاعد زفراتي، و لمصيبته تتقاطر
عبراتي، و لواقعته تستهلّ شئوني، و لقتله لا تبخل بدمعها عيوني.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
فها أنا ذا أنشد من قلب جريح، و أروي عن طرف قريح:
ولّى الشباب فقلبي فيه حسرات
و في حشاي لفرط الحزن حرقات
و حين ولّى شبابي و انقضى عمري
حلّت بجسمي لفرط الضعف آفات
في كلّ يوم يزيد الوهن في جسدي
و تعتريني من الأسقام فترات
و ابيضّ فودّي و لكن سوّدت صحفي
كبائر صدرت عنّي و زلّات
إذا تذكّرتها أذكت رسيس جوى
في مهجتي و جرت في الخدّ عبرات
كم ليلة بتّ أحسبها بموبقة
تذكو لتذكارها في القلب جمرات
كأنّ ما كان من شرح الشباب و من
لذّات عيش مضت إلّا منامات
أعملت فكري في قوم صحبتهم
لم يبق من أثرهم إلّا الروايات
سألت ربعهم عنّي فجاوبني
من الصدى كلّ من ناديتهم ماتوا
يذيب تذكارهم قلبي و يجعله
دمعا يصاعده وجد و زفرات
سبعون عاما تقضّت صرت أحصرها
في عدّها لفناء عمري علامات
لم أستفد صالحا فيها و لا علقت
يدي بما فيه لي في الحشر منجات
سوى اعتصامي بمن في مدحهم نزلت
من المهيمن في التنزيل آيات
في سورة الدهر و الأحزاب فضلهم
مقامهم قصرت عنه المقامات
و في العقود من المجد الرفيع لهم
عقود مدح لها فيهم إشارات
ليوث حرب إذا نيرانها اضطرمت
غيوث جدب إذا ما عمّ أزمات
مطهّرون من الأرجاس إن وصفوا
منزّهون عن الأدناس سادات
هم المصابيح في جنح الدجا فلهم
فيه من اللّه بالاخلاص حالات
هم البحار إذا وازنت فضلهم
بها فعلمهم فيه زيادات
باعوا من اللّه أرواحا مطهّرة
أثمانها من جوار اللّه جنّات
يطاف منها عليهم في منازلهم
من الرحيق بأيدي الحور كاسات
ناداهم اللّه بالتعظيم إذ لهم
أرواح صدق سميعات مطيعات
أن ابذلوا أنفسا في طاعتي فلكم
ببذلها في جنان الخلد روضات
أجاب منهم لسان الحال انّ لنا
رضاك روح و ريحان و راحات
الخلد و الجنّة العليا و لذّتها
في جنب حبّك إيّانا حقيرات
أنت المراد و أنت السؤل قد صدقت
منّا لأمرك في الدنيا العزيمات
هذا الحسين الّذي وفّى ببيعته
للّه صدقا فوافته السعادات
نال المعالي ببذل النفس مجتهدا
لم تثنه من بني الدنيا خيالات
إن قيل في الناس من أعلى الورى نسبا
أومت إليه اصول هاشميّات
أعلى الورى حسبا أقواهم سببا
أزكاهم نسبا ما فيه شبهات
الجدّ أكرم مبعوث و والده
في اللّه كم كشفت منه ملمّات
حزني لما ناله لا ينقضي فإذا
ذكرته هاج بي للوجد حسرات
و ينثني الطرف منّي و الحشا لهما
في الخدّ و القلب عبرات و حرقات
لم أنسه في صعيد الطفّ منعفرا
قد أثخنته من القوم الجراحات
يشكو الاوام و يستسقي و ليس لعص
بة به أحدقت في اللّه رغبات
لهفي عليه تريب الخدّ قد قطعت
أوصاله من أكفّ القوم شفرات
أردوه في الترب تعفوه الرياح له
من الدماء سرابيل و خلعات
و صيّروا رأسه من فوق ذابلهم
كبدر تمّ به تجلى الدجنات
و سيّدات نساء العالمين لها
فوق الرحال لفرط الحزن أنّات
تساق و الصدر فيه من تألّمها
عقود دمع لها في الخدّ حبّات
يسترن منهنّ بالأيدي الوجوه و في
قلوبهنّ من التبريح جمرات
يندبن من كان كهف العائذين و من