کتابخانه روایات شیعه
حزني لما ناله لا ينقضي فإذا
ذكرته هاج بي للوجد حسرات
و ينثني الطرف منّي و الحشا لهما
في الخدّ و القلب عبرات و حرقات
لم أنسه في صعيد الطفّ منعفرا
قد أثخنته من القوم الجراحات
يشكو الاوام و يستسقي و ليس لعص
بة به أحدقت في اللّه رغبات
لهفي عليه تريب الخدّ قد قطعت
أوصاله من أكفّ القوم شفرات
أردوه في الترب تعفوه الرياح له
من الدماء سرابيل و خلعات
و صيّروا رأسه من فوق ذابلهم
كبدر تمّ به تجلى الدجنات
و سيّدات نساء العالمين لها
فوق الرحال لفرط الحزن أنّات
تساق و الصدر فيه من تألّمها
عقود دمع لها في الخدّ حبّات
يسترن منهنّ بالأيدي الوجوه و في
قلوبهنّ من التبريح جمرات
يندبن من كان كهف العائذين و من
في كفّه لذوي الحاجات نعمات
أو في الأنام فتى و فى ببيعته
و خير من ربحت منه التجارات
من عرّقت فيه أصلاب مطهّرة
من كلّ رجس و أرحام زكيّات
و امّهات و آباء علت شرفا
على السماك و أجداد و جدّات
إن عدّ علم و حكم كان فيه لهم
بالخطب و الحرب آراء و رايات
في حبّهم قدمي ما ان لثابتها
حتى اضطجاعي في لحدي مزلّات
أبكي لخطبهم بدل الدموع دما
كأنّني لعظيم الحزن مقلاة
إذا ذكرت ابن بنت المصطفى و به
قد أحدقت من جنود البغي ثلّات
و صار فيهم وحيدا لا نصير له
منهم و لا من له في الخير عادات
قوم بغاة شروا دين الضلالة بال
هدى فخابت لهم للخسر صفقات
فيا عيوني أذر في حزنا عليه لكي
تطفي سعيرا لها في القلب لدغات
إذا خبت زادها منّي رسيس جوى
يذيب ناحل جسمي منه نفحات
يا للرجال أ ما للحقّ من عصب
لها وفاء و آناف حميّات
تذبّ عن أهل بيت للأنام هم
نور به تنجلي عنهم مغمّات
قوم لهم نسب كالشمس في شرف
تزيّنه أوجه منهم نقيّات
البذل شيمتهم و المجد همّتهم
و الذكر فيه لهم فضل و مدحات
البيت يزهو إذا طافوا به و لهم
مجد به شرّفت منهم بيوتات
أخنى الزمان عليهم فانثنى و هم
في كربلا لسيوف البغي طعمات
اولي رءوس و أطراف مقطّعة
تقرأ عليها من اللّه التحيّات
نفسي الفدا لهم صرعى جسومهم
تسفي عليها من الأعصاب قترات
أرواحها فارقت أجسادها فلها
بذاك في دار عفو اللّه غرفات
حزني لنسوته حسرى مهتّكة
إلى يزيد بها تسري الحمولات
اولي وجوه لحرّ الشمس ضاحية
ما آن لها من هجير القيظ سترات
حتى إذا دخلوا شرّ البلاد على
شرّ العباد بدت منه المسرّات
و عاده عيد أفراح بمقدمهم
عليه أسرى و وافته البشارات
فأظهر الكفر و الإلحاد حينئذ
بقوله ليت أشياخي الاولى فاتوا
في يوم بدر رأوا فعلي و ما كسبت
يدي لطابت لهم بالصفو أوقات
و لا استهلّوا و قالوا يا يزيد لقد
بك انجلت من غموم الحزن كربات 2382
[إصابة معاوية باللقوة في وجهه]
و ذكر الامام أحمد بن أعثم الكوفي انّ معاوية لمّا حجّ حجّته الأخيرة ارتحل من مكّة، فلمّا صار بالأبواء و نزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته، فاطّلع في بئر الأبواء، فلمّا اطّلع فيها اقشعرّ جلده و أصابته اللقوة في وجهه، فأصبح و هو لما به مغموم، فدخل عليه الناس يعودونه، فدعوا له و خرجوا من عنده، و جعل معاوية يبكي لما قد نزل به.
فقال له مروان بن الحكم: أ جزعت يا أمير المؤمنين؟
فقال: لا يا مروان، و لكنّي ذكرت ما كنت عنه عزوفا، ثمّ إنّي بكيت في إحني، و ما يظهر للناس منّي، فأخاف أن يكون عقوبة عجّلت لي لما كان من دفعي حقّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و ما فعلت بحجر بن عديّ و أصحابه، و لو لا هواي من يزيد لأبصرت رشدي، و عرفت قصدي.
[أنّ معاوية يأخذ البيعة لابنه يزيد و يوصيه]
قال: و لمّا أخذ البيعة ليزيد أقبل عليه فقال: يا بنيّ، اخبرني الآن ما أنت صانع في هذه الامّة، أ تسير فيهم بسيرة أبي بكر الصدّيق الّذي قاتل أهل الردّة، و قاتل في سبيل اللّه حتى مضى و الناس عنه راضون؟
فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي لا اطيق أن أسير بسيرة أبي بكر، و لكن آخذهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله.
فقال: يا بنيّ، أ تسير فيهم بسيرة عمر بن الخطّاب الّذي مصرّ الأمصار، و فتح الديار، و جنّد الأجناد، و فرض الفروض، و دوّن الدواوين، و جبا الفيء، و جاهد في سبيل اللّه حتى مضى و الناس عنه راضون؟
فقال يزيد: لا أدري ما صنع عمر، و لكن آخذ الناس بكتاب اللّه و السنّة.
فقال معاوية: يا بنيّ، أ فتسير فيهم بسيرة ابن عمّك عثمان بن عفّان الّذي أكلها في حياته، و ورثها بعد مماته، و استعمل أقاربه؟
فقال يزيد: قد أخبرتك يا أمير المؤمنين، إنّ الكتاب بيني و بين هذه الامّة به آخذهم و عليه أقتلهم.
قال: فتنفّس معاوية الصعداء و قال: إنّي من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة، و دفعت حقّ عليّ بن أبي طالب، و حملت الوزر على ظهري، و إنّي لخائف انّك لا تقبل وصيّتي فتقتل خيار قومك، ثمّ تغزو حرم ربّك فتقتلهم بغير حقّ، ثمّ يأتي الموت بغتة، فلا دنيا أصبت، و لا آخرة أدركت.
يا بنيّ، إنّي جعلت هذا الملك مطعما لك و لولدك من بعدك، و إنّي موصيك بوصيّة فاقبلها فإنّك تحمد عاقبتها، و إنّك بحمد اللّه صارم حازم؛ انظر ان تثب
على أعدائك كوثوب الهزبر البطل، و لا تجبن كجبن الضعيف النكل، فإنّي قد كفيتك الحلّ و الترحال، و جوامع الكلم و المنطق، و نهاية البلاغة، و رفع المؤنة، و سهولة الحفظ، و لقد وطأت لك يا بنيّ البلاد، و ذللت لك رقاب العرب الصعاب، و أقمت لك المنار، و سهلت لك السبل، و جمعت لك اللجين و العقيان، فعليك يا بنيّ من الامور بما قرب مأخذه، و سهل مطلبه، و ذر عنك ما اعتاص عليك.
و اعلم- يا بنيّ- أن سياسة الخلافة لا تتمّ إلّا بثلاث: بقلب واسع، و كفّ بسيط، و خلق رحيب، و ثلاث أخر: علم ظاهر، و خلق طاهر، و وجه طلق، ثم تردف ذلك بعشر آخر: بالصبر، و الأناة و التودّد، و الوقار، و السكينة، و الرزانة، و المروءة الظاهرة، و الشجاعة، و السخاء، و الاحتمال للرعيّة بما تحبّ و تكره.
و لقد علمت- يا بنيّ- أنّي قد كنت في أمر الخلافة جائعا شبعان، بشما شهوان، اصبح عليها جزعا، و امسي هلعا، حتى أعطاني الناس ثمرة قلوبهم، و بادروا إلى طاعتي، فادخل- يا بنيّ- من هذه الدنيا في حلالها، و اخرج من حرامها، و انصف الرعيّة، و اقسم فيهم بالسويّة.
و اعلم- يا بنيّ- أنّي أخاف عليك من هذه الامّة أربعة نفر من قريش:
عبد الرحمن بن أبي بكر، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير، و شبيه أبيه الحسين بن عليّ.
فأمّا عبد الرحمن بن أبي بكر فإنّه إذا صنع أصحابه صنع مثلهم و هو رجل همّته النساء و لذّة الدنيا فذره- يا بنيّ- و ما يريد، و لا تأخذ عليه شيئا من أمره فقد علمت ما لأبيه من الفضل على هذه الامّة، و قد يحفظ الولد في أبيه.
و أمّا عبد اللّه بن عمر فإنّه رجل صدق وحش من الناس، قد أنس بالعبادة، و خلا بالوحدة فترك الدنيا و تخلّى منها، فهو لا يأخذ منها شيئا، و إنّما
تجارته من الدنيا كتجارة أبيه عمر بن الخطّاب، فاقرأ عليه- يا بنيّ- منك السلام و ابعث إليه بعطاياه موفّرة مهنّأة.
و أمّا عبد اللّه بن الزبير فما أخوفني منه عنتا فإنّه صاحب خلل في القول، و زلل في الرأي، و ضعف في النظر، مفرّط في الامور، مقصّر عن الحقّ، و إنّه ليجثو لك كما يجثو الأسد في عرينه، و يراوغك روغان الثعلب، فإذا أمكنته منك فرصة لعب بك كيف شاء، فكن له- يا بنيّ- كذلك، و احذه كحذو النعل بالنعل، إلّا أن يدخل لك في الصلح و البيعة فأمسك عنه و احقن دمه، و أقمه على ما يريد.
و أمّا الحسين بن عليّ، فأوه أوه يا يزيد، ما ذا أقول لك فيه؟ فاحذر أن تتعرّض له إلّا بسبيل خير، و امدد له حبلا طويلا، و ذره يذهب في الأرض كيف يشاء، و لا تؤذه و لكن أرعد له و أبرق، و إيّاك و المكاشفة له في محاربة بسيف أو منازعة بطعن رمح، بل أعطه و قرّبه و بجّله، فإن جاء إليك أحد من أهل بيته فوسّع عليهم و أرضهم، فإنّهم أهل بيت لا يسعهم إلّا الرضا و المنزلة الرفيعة.
و إيّاك- يا بنيّ- أن تلقى اللّه بدمه فتكون من الهالكين، فقد حدّثني ابن عبّاس، فقال: حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند وفاته و هو يجود بنفسه و قد ضمّ الحسين إلى صدره و هو يقول: هذا من أطائب أرومتي، و أبرار عترتي، و خيار ذرّيّتي، لا بارك اللّه فيمن لم يحفظه من بعدي.
قال ابن عبّاس: ثمّ اغمي على رسول اللّه ساعة ثمّ أفاق فقال: يا حسين، إنّ لي و لقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربّي و خصومة، و قد طابت نفسي إذ جعلني اللّه خصما لمن قاتلك يوم القيامة.