کتابخانه روایات شیعه

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)


صفحه قبل

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 133

أو في الأنام فتى و فى ببيعته‏

و خير من ربحت منه التجارات‏

من عرّقت فيه أصلاب مطهّرة

من كلّ رجس و أرحام زكيّات‏

و امّهات و آباء علت شرفا

على السماك و أجداد و جدّات‏

إن عدّ علم و حكم كان فيه لهم‏

بالخطب و الحرب آراء و رايات‏

في حبّهم قدمي ما ان لثابتها

حتى اضطجاعي في لحدي مزلّات‏

أبكي لخطبهم بدل الدموع دما

كأنّني لعظيم الحزن مقلاة

إذا ذكرت ابن بنت المصطفى و به‏

قد أحدقت من جنود البغي ثلّات‏

و صار فيهم وحيدا لا نصير له‏

منهم و لا من له في الخير عادات‏

قوم بغاة شروا دين الضلالة بال

هدى فخابت لهم للخسر صفقات‏

فيا عيوني أذر في حزنا عليه لكي‏

تطفي سعيرا لها في القلب لدغات‏

إذا خبت زادها منّي رسيس جوى‏

يذيب ناحل جسمي منه نفحات‏

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 134

يا للرجال أ ما للحقّ من عصب‏

لها وفاء و آناف حميّات‏

تذبّ عن أهل بيت للأنام هم‏

نور به تنجلي عنهم مغمّات‏

قوم لهم نسب كالشمس في شرف‏

تزيّنه أوجه منهم نقيّات‏

البذل شيمتهم و المجد همّتهم‏

و الذكر فيه لهم فضل و مدحات‏

البيت يزهو إذا طافوا به و لهم‏

مجد به شرّفت منهم بيوتات‏

أخنى الزمان عليهم فانثنى و هم‏

في كربلا لسيوف البغي طعمات‏

اولي رءوس و أطراف مقطّعة

تقرأ عليها من اللّه التحيّات‏

نفسي الفدا لهم صرعى جسومهم‏

تسفي عليها من الأعصاب قترات‏

أرواحها فارقت أجسادها فلها

بذاك في دار عفو اللّه غرفات‏

حزني لنسوته حسرى مهتّكة

إلى يزيد بها تسري الحمولات‏

اولي وجوه لحرّ الشمس ضاحية

ما آن لها من هجير القيظ سترات‏

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 135

حتى إذا دخلوا شرّ البلاد على‏

شرّ العباد بدت منه المسرّات‏

و عاده عيد أفراح بمقدمهم‏

عليه أسرى و وافته البشارات‏

فأظهر الكفر و الإلحاد حينئذ

بقوله ليت أشياخي الاولى فاتوا

في يوم بدر رأوا فعلي و ما كسبت‏

يدي لطابت لهم بالصفو أوقات‏

و لا استهلّوا و قالوا يا يزيد لقد

بك انجلت من غموم الحزن كربات‏ 2382

[إصابة معاوية باللقوة في وجهه‏]

و ذكر الامام أحمد بن أعثم الكوفي انّ معاوية لمّا حجّ حجّته الأخيرة ارتحل من مكّة، فلمّا صار بالأبواء و نزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته، فاطّلع في بئر الأبواء، فلمّا اطّلع فيها اقشعرّ جلده و أصابته اللقوة في وجهه، فأصبح و هو لما به مغموم، فدخل عليه الناس يعودونه، فدعوا له و خرجوا من عنده، و جعل معاوية يبكي لما قد نزل به.

فقال له مروان بن الحكم: أ جزعت يا أمير المؤمنين؟

فقال: لا يا مروان، و لكنّي ذكرت ما كنت عنه عزوفا، ثمّ إنّي بكيت في إحني، و ما يظهر للناس منّي، فأخاف أن يكون عقوبة عجّلت لي لما كان من دفعي حقّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و ما فعلت بحجر بن عديّ و أصحابه، و لو لا هواي من يزيد لأبصرت رشدي، و عرفت قصدي.

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 136

[أنّ معاوية يأخذ البيعة لابنه يزيد و يوصيه‏]

قال: و لمّا أخذ البيعة ليزيد أقبل عليه فقال: يا بنيّ، اخبرني الآن ما أنت صانع في هذه الامّة، أ تسير فيهم بسيرة أبي بكر الصدّيق الّذي قاتل أهل الردّة، و قاتل في سبيل اللّه حتى مضى و الناس عنه راضون؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي لا اطيق أن أسير بسيرة أبي بكر، و لكن آخذهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله.

فقال: يا بنيّ، أ تسير فيهم بسيرة عمر بن الخطّاب الّذي مصرّ الأمصار، و فتح الديار، و جنّد الأجناد، و فرض الفروض، و دوّن الدواوين، و جبا الفي‏ء، و جاهد في سبيل اللّه حتى مضى و الناس عنه راضون؟

فقال يزيد: لا أدري ما صنع عمر، و لكن آخذ الناس بكتاب اللّه و السنّة.

فقال معاوية: يا بنيّ، أ فتسير فيهم بسيرة ابن عمّك عثمان بن عفّان الّذي أكلها في حياته، و ورثها بعد مماته، و استعمل أقاربه؟

فقال يزيد: قد أخبرتك يا أمير المؤمنين، إنّ الكتاب بيني و بين هذه الامّة به آخذهم و عليه أقتلهم.

قال: فتنفّس معاوية الصعداء و قال: إنّي من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة، و دفعت حقّ عليّ بن أبي طالب، و حملت الوزر على ظهري، و إنّي لخائف انّك لا تقبل وصيّتي فتقتل خيار قومك، ثمّ تغزو حرم ربّك فتقتلهم بغير حقّ، ثمّ يأتي الموت بغتة، فلا دنيا أصبت، و لا آخرة أدركت.

يا بنيّ، إنّي جعلت هذا الملك مطعما لك و لولدك من بعدك، و إنّي موصيك بوصيّة فاقبلها فإنّك تحمد عاقبتها، و إنّك بحمد اللّه صارم حازم؛ انظر ان تثب‏

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 137

على أعدائك كوثوب الهزبر البطل، و لا تجبن كجبن الضعيف النكل، فإنّي قد كفيتك الحلّ و الترحال، و جوامع الكلم و المنطق، و نهاية البلاغة، و رفع المؤنة، و سهولة الحفظ، و لقد وطأت لك يا بنيّ البلاد، و ذللت لك رقاب العرب الصعاب، و أقمت لك المنار، و سهلت لك السبل، و جمعت لك اللجين و العقيان، فعليك يا بنيّ من الامور بما قرب مأخذه، و سهل مطلبه، و ذر عنك ما اعتاص عليك.

و اعلم- يا بنيّ- أن سياسة الخلافة لا تتمّ إلّا بثلاث: بقلب واسع، و كفّ بسيط، و خلق رحيب، و ثلاث أخر: علم ظاهر، و خلق طاهر، و وجه طلق، ثم تردف ذلك بعشر آخر: بالصبر، و الأناة و التودّد، و الوقار، و السكينة، و الرزانة، و المروءة الظاهرة، و الشجاعة، و السخاء، و الاحتمال للرعيّة بما تحبّ و تكره.

و لقد علمت- يا بنيّ- أنّي قد كنت في أمر الخلافة جائعا شبعان، بشما شهوان، اصبح عليها جزعا، و امسي هلعا، حتى أعطاني الناس ثمرة قلوبهم، و بادروا إلى طاعتي، فادخل- يا بنيّ- من هذه الدنيا في حلالها، و اخرج من حرامها، و انصف الرعيّة، و اقسم فيهم بالسويّة.

و اعلم- يا بنيّ- أنّي أخاف عليك من هذه الامّة أربعة نفر من قريش:

عبد الرحمن بن أبي بكر، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير، و شبيه أبيه الحسين بن عليّ.

فأمّا عبد الرحمن بن أبي بكر فإنّه إذا صنع أصحابه صنع مثلهم و هو رجل همّته النساء و لذّة الدنيا فذره- يا بنيّ- و ما يريد، و لا تأخذ عليه شيئا من أمره فقد علمت ما لأبيه من الفضل على هذه الامّة، و قد يحفظ الولد في أبيه.

و أمّا عبد اللّه بن عمر فإنّه رجل صدق وحش من الناس، قد أنس بالعبادة، و خلا بالوحدة فترك الدنيا و تخلّى منها، فهو لا يأخذ منها شيئا، و إنّما

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 138

تجارته من الدنيا كتجارة أبيه عمر بن الخطّاب، فاقرأ عليه- يا بنيّ- منك السلام و ابعث إليه بعطاياه موفّرة مهنّأة.

و أمّا عبد اللّه بن الزبير فما أخوفني منه عنتا فإنّه صاحب خلل في القول، و زلل في الرأي، و ضعف في النظر، مفرّط في الامور، مقصّر عن الحقّ، و إنّه ليجثو لك كما يجثو الأسد في عرينه، و يراوغك روغان الثعلب، فإذا أمكنته منك فرصة لعب بك كيف شاء، فكن له- يا بنيّ- كذلك، و احذه كحذو النعل بالنعل، إلّا أن يدخل لك في الصلح و البيعة فأمسك عنه و احقن دمه، و أقمه على ما يريد.

و أمّا الحسين بن عليّ، فأوه أوه يا يزيد، ما ذا أقول لك فيه؟ فاحذر أن تتعرّض له إلّا بسبيل خير، و امدد له حبلا طويلا، و ذره يذهب في الأرض كيف يشاء، و لا تؤذه و لكن أرعد له و أبرق، و إيّاك و المكاشفة له في محاربة بسيف أو منازعة بطعن رمح، بل أعطه و قرّبه و بجّله، فإن جاء إليك أحد من أهل بيته فوسّع عليهم و أرضهم، فإنّهم أهل بيت لا يسعهم إلّا الرضا و المنزلة الرفيعة.

و إيّاك- يا بنيّ- أن تلقى اللّه بدمه فتكون من الهالكين، فقد حدّثني ابن عبّاس، فقال: حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند وفاته و هو يجود بنفسه و قد ضمّ الحسين إلى صدره و هو يقول: هذا من أطائب أرومتي، و أبرار عترتي، و خيار ذرّيّتي، لا بارك اللّه فيمن لم يحفظه من بعدي.

قال ابن عبّاس: ثمّ اغمي على رسول اللّه ساعة ثمّ أفاق فقال: يا حسين، إنّ لي و لقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربّي و خصومة، و قد طابت نفسي إذ جعلني اللّه خصما لمن قاتلك يوم القيامة.

يا بنيّ، فهذا حديث ابن عبّاس و أنا احدّثك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه‏

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص: 139

و آله انّه قال: أتاني يوما حبيبي جبرئيل فقال: يا محمد، إنّ أمّتك تقتل ابنك حسينا، و قاتله لعين هذه الامّة، و لقد لعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قاتل حسين مرارا. 2383

نظر- يا بنيّ-، ثمّ انظر أن تتعرّض له بأذى، فإنّه مزاج ماء رسول اللّه، و حقّه و اللّه- يا بنيّ- عظيم، و قد رأيتني كيف كنت أحتمله في‏ 2384 حياتي، واضع له رقبتي و هو يجبهني بالكلام القبيح الّذي يوجع قلبي فلا اجيبه، و لا أقدر له على حيلة، لأنّه بقيّة أهل الأرض في يومه هذا 2385 .

[كلام للمؤلّف رحمه اللّه‏]

قلت: لعن اللّه معاوية ما أشدّ نفاقه، و أعظم شقاقه؟ فإنّه كان يعرف الحقّ لكن الشقاق و حبّ الدنيا غلب على قلبه، حتى كفر بأنعم ربّه، و ارتدّ عن الدين الّذي كان قد تديّن به ظاهرا، و أبوه من قبله لا باطنا، وهب إنّه كان في الظاهر و الباطن مسلما و ليس كذلك، أ ليس قد كفر بحرب أمير المؤمنين، و قتل جماعة من المهاجرين الأوّلين، كخزيمة بن ثابت و عمّار و غيرهما من أكابر الصحابة و التابعين لهم بإحسان؟ فهو إمّا كافر أصلي أو مرتدّ عن الاسلام، فعلى كلا الأمرين لا تقبل توبته لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، حربك حربي‏ 2386 .

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: محاربوا عليّ كفرة 2387 .

صفحه بعد