کتابخانه روایات شیعه
آذاني فقد آذى اللّه، و من آذى اللّه فعليه لعنة اللّه 2388 .
و ممّا يدلّ على كفره و إلحاده فعله بالامام السبط التابع لمرضاة اللّه أبي محمد الحسن عليه السلام من شنّ الغارات عليه، و إفساد قلوب الناس له، و بذل الأموال في حربه، و إفساد جموعه و جنوده، ثمّ دسّ السمّ له حتى ألقى كبده و حشاه، و مضى شهيدا مظلوما مسموما، فهل في فعله هذه الأفعال الشنيعة من حرب أمير المؤمنين و موارطته ثمانية عشر شهرا، ثم قتل سبعة من أكابر الصحابة بعد كحجر بن عدي و أصحابه، ثمّ بسبّه أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر إلّا كما قال اللّه سبحانه: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا 2389 و كقول فرعون لمّا أدركه الغرق: قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ 2390 فردّ اللّه سبحانه عليه بقوله: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 2391 .
فكان حال معاوية لمّا رأى علامات الموت كحال فرعون و الكفّار الّذين ذكرهم سبحانه بقوله: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ، فعليه و على من يعتذر له، و يصوّب آراءه و اجتهاده فيما علم بطلانه من الدين ضرورة لعنة اللّه و لعنة اللاعنين، لأنّ إنكار ولاية أمير المؤمنين و حربه، و استحلال و سفك دمه و دم ذرّيّته و شيعته، كحال منكري الشرائع من الصلاة و الزكاة و الحجّ و النبوّة، فهل يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يصوّب اجتهاده، و يؤوّل مراده، و يمهّد له العذر على فعله؟
و إذا قبّحنا باب تصويب اجتهاده و إنكار ما علم من الدين ضرورة بطلانه من استحلال حرب أمير المؤمنين، و قتل ذرّيّته و شيعته، فاليهود و النصارى و المجوس و عبدة الأصنام أن يعتذروا و يحتجّوا علينا باجتهاده و يقولوا: نحن ساقنا اجتهادنا إلى القول بصحّة ما اعتقدناه من خلافكم ففعله عليه اللعنة و العذر له من أعظم حجّة لهم علينا فلا نمنع من سبّه، و لا نقول بإيمانه إلّا من حاله كحاله في الكفر و البغي، و عداوة الحقّ و أهله.
و أقول: إنّ معاوية عليه اللعنة مع كفره و نفاقه كان يري أهل الشام و الهمج الرعاع الصلاح و اللين و التحلّم و الصفح عن المسيء منهم حتى استمال قلوب الناس، و صاروا يعدّونه من أكابر الصحابة، و يسمّونه «خال المؤمنين»، و «كاتب الوحي»، و يرون القتال معه جهادا، و كان الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما إذا دخلا عليه أراهم من التعظيم و الاجلال ما لا مزيد عليه مع كفره و بغضه لهما في الباطن.
و أمّا يزيد عليه اللعنة فإنّ حاله كانت في الظاهر بخلاف حاله، لأنّه كان متهتّكا متظاهرا بالفجور و شرب الخمر و التماجن و التشبيب بالنساء و اقتناء الكلاب و الفهود و آلات اللهو، و كان قد اتّخذ قردا و كلّف به و أخدمه رجالا، و سمّاه قيسا، كان إذا ركب أركبه معه في موكبه و الخدم مكتنفة به و عليه ثياب الديباج، و كان إذا جلس للشرب أحضره معه في مجلسه و يسقي الحاضرين الخمر.
فمن كانت هذه حاله كيف يليق بأهل الصلاح و الدين أن يقرّوا ببيعته، أو يدخلوا تحت طاعة أولاد الأنبياء و شيعتهم؟ فلو لا جهاد سيّدنا أبي عبد اللّه عليه السلام، و بذله نفسه و ولده في إظهار كفره، و عدم الرضا بفعله، و أمره بالمعروف،
و نهيه عن المنكر في متاجرته، لفسد نظام الاسلام، و ارتدّ أكثر الناس على الأعقاب، و لحصل فتق في الاسلام ليس له راتق، فجزاه اللّه عن الاسلام و أهله أفضل الجزاء.
[تتمّة وصيّة معاوية لابنه يزيد عليهما اللعنة]
و لنرجع إلى ما كنّا فيه:
ثمّ قال معاوية: و انظر- يا بنيّ- أهل الحجاز فإنّهم أصلك و فرعك، فأكرم من قدم عليك، و من غاب عنك فلا تجفه و لا تعنّفه.
و انظر أهل العراق فإنّهم لا يحبّونك أبدا، و لا ينصحونك، و لكن دارهم ما أمكنك، و إن سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملا فافعل، فإنّ عزل عامل واحد أهون من سلّ مائة ألف سيف.
و انظر أهل الشام فإنّهم بطانتك و ظهارتك، و قد بلوت بهم و عرفت ثباتهم 2392 ، و هم صبّر عند اللقاء، حماة في الوغى، فإن رابك 2393 أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم، فإذا أصبت حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا [بها] 2394 لوقت حاجتك، ثمّ اغمي على معاوية، فلم يفق بقيّة يومه من غشيته، فلمّا أفاق قال: اوه اوه جاء الحقّ و زهق الباطل، ثمّ قال: إنّي كنت بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و هو يقلّم أظفاره، فأخذت القلامة، و أخذت بشقص من شعره على الصفا، فجعلتها في قارورة فهي عندي، فاجعلوا الشعر و الأظفار في فمي و اذني، ثمّ صلّوا عليّ و واروني في حفرتي 2395 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فليت يا شعري كيف لم يستحي من اللّه و رسوله و قد بارز أهل بيته بالعداوة و نصب الغوائل لهم و الوقيعة في أسفارهم و انسارهم 2396 أجسادهم؟! ثمّ عقد الأمر عند موته و ولاية عهده لابنه يزيد الّذي لا يوازيه كافر، و لا يلحقه فاجر، أكفر الخلق باللّه، و أبغضهم للحقّ و أهله، و أشدّ الخلق تهتّكا مع خلعه جلباب الحياء، و تظاهره بشرب الخمور، و تعاطي الزنا و الفجور، و سفك الدماء المحرّمة، و غصب الأموال المحترمة، فعليه و على أبيه أشدّ العذاب و أعظم النكال، و اللّه لو واروه في حفرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يغن عنه ذلك من اللّه شيئا، كما لم يغن عن الأوّلين الّذين دفنا إلى جانبه صلّى اللّه عليه و آله و نزّهه اللّه عنهما و نقلهما عنه، وَ قِيلَ لهما ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ 2397 و هو يرجو مع قبيح فعله الشفاعة من النبيّ، و يتبرّك بشعره و ظفره، و اللّه يقول:
وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى 2398 .
[موت معاوية]
ثمّ انقطع كلام معاوية و لم ينطق بشيء، و خرج يزيد على عادته في التهتّك و اللهو و الصيد في يومه ذلك إلى نواحي حوران للنزهة و الصيد و ترك أباه بحاله، و قال للضحّاك بن قيس: انظر لا تخف عليّ شيئا من أمره، و توفّي معاوية من غد و ليس يزيد حاضر، فكان ملكه عليه اللعنة تسع عشرة سنة و ثلاثة أشهر، و مات بدمشق يوم الأحد لأيّام خلت من شهر رجب سنة ستّين، و هو ابن ثمان و سبعين سنة.
[كتاب الضحّاك بن قيس ليزيد يخبره بموت معاوية، و قدوم يزيد لدمشق]
قال: فخرج الضحّاك من دار معاوية لا يكلّم أحدا و الأكفان معه حتى دخل المسجد الأعظم و نودي له في الناس، فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه،
ثمّ قال: إنّ أمير المؤمنين معاوية قد ذاق الموت، و شرب بكأس الحتف، و هذه أكفانه، و نحن مدرجوه فيها، و مدخلوه قبره، و مخلون بينه و بين عمله، فمن كان منكم يريد أن يشهد فليحضر بين الصلاتين و لا تقعدوا عن الصلاة عليه، ثمّ نزل عن المنبر و كتب إلى يزيد:
[بسم اللّه الرحمن الرحيم] 2399 الحمد للّه الّذي لبس [رداء] 2400 البقاء، و كتب على عباده الفناء، فقال سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ 2401 .
لعبد اللّه أمير المؤمنين يزيد من الضحّاك بن قيس.
أمّا بعد:
فكتابي 2402 إلى أمير المؤمنين كتاب تهنئة و مصيبة، فأمّا التهنئة فبالخلافة الّتي جاءتك عفوا، و أمّا المصيبة فبموت أمير المؤمنين معاوية، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فإذا قرأت كتابي هذا فالعجل العجل لتأخذ الناس بالبيعة، بيعة اخرى مجدّدة.
قال: فلمّا ورد الكتاب على يزيد و قرأه وثب من ساعته صائحا باكيا، و أمر بإسراج دوابّه، و سار يريد دمشق، فصار إليها بعد ثلاث من موت معاوية، و خرج [الناس] 2403 إلى استقباله، فلم يبق أحد يطيق حمل السلاح إلّا ركب
[و خرج] 2404 ، حتى إذا وافى اللعين قريبا من دمشق و جعل الناس يتلقّونه فيبكون و يبكي معهم.
[تهنئة الناس ليزيد بالخلافة و تعزيتهم له بموت أبيه]
ثمّ نزل في قبّة خضراء لابنه و هو معتمّ بعمامة خزّ سوداء متقلّدا سيف أبيه، فلمّا دخلها نظر فإذا قد فرش له فرش كثيرة بعضها على بعض، ما يمكن لأحد أن يرقى عليها إلّا بالكراسي، فصعد حتى جلس و الناس يدخلون عليه يهنّئونه بالخلافة و يعزّونه بأبيه، و يزيد يقول: نحن أهل الحقّ و أنصار الدين، فأبشروا يا أهل الشام فإنّ الخير لم يزل فيكم و سيكون بيني 2405 و بين أهل العراق ملحمة، و ذلك انّي رأيت في المنام منذ ثلاث ليال كأنّ بيني و بين أهل العراق نهرا يطرد بالدم العبيط [و يجري] 2406 جريا شديدا، و جعلت أجتهد في منامي أن أجوزه فلم أقدر حتى جاء عبيد اللّه بن زياد فجازه بين يدي و أنا أنظر إليه.
قال: فأجابه أهل الشام و قالوا: يا أمير المؤمنين، امض بنا حيث شئت فنحن بين يديك، و سيوفنا هي الّتي عرفها أهل العراق في صفّين.
فقال يزيد: أنتم لعمري كذلك، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أنعم اللّه عليه، ثمّ قبضه إليه، و هو خير ممّن بعده، و دون من كان قبله، و لا ازكّيه على اللّه، فهو أعلم به منّي، فإن عفا عنه فبرحمته، و إن عاقبه فبذنوبه، و لقد ولّيت هذا الأمر من بعده و لست اقصّر عن طلب حقّ، و لا أعتذر من تفريط في باطل، و إذا أراد اللّه شيئا كان، فصاح الناس من كلّ جانب: سمعنا و أطعنا، يا أمير المؤمنين.
قال: فبايع الناس بأجمعهم يزيد و ابنه معاوية بن يزيد من بعده، و فتح
بيوت الأموال و أخرج أموالا جليلة 2407 ففرّقها عليهم، ثمّ عزم على إنفاذ الكتب إلى [جميع] 2408 البلاد بأخذ البيعة له،
[كتاب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة يولّيه على المدينة]
و كان مروان بن الحكم واليا على المدينة فعزله و ولّى مكانه ابن عمّه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و كتب إليه يقول:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.
أمّا بعد:
فإنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أكرمه فاستخلفه و مكّن له، ثمّ قبضه إلى روحه و ريحانه أو عقابه 2409 ، عاش بقدر، و مات بأجل، و قد كان عهد إليّ و أوصاني أن أحذر آل أبي تراب و جرأتهم على سفك الدماء، و قد آن- يا وليد- أن ينتقم اللّه للمظلوم 2410 عثمان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة [لي] 2411 على جميع الخلق في المدينة.
قال: ثمّ كتب في رقعة صغيرة:
أمّا بعد: