کتابخانه روایات شیعه
و نهيه عن المنكر في متاجرته، لفسد نظام الاسلام، و ارتدّ أكثر الناس على الأعقاب، و لحصل فتق في الاسلام ليس له راتق، فجزاه اللّه عن الاسلام و أهله أفضل الجزاء.
[تتمّة وصيّة معاوية لابنه يزيد عليهما اللعنة]
و لنرجع إلى ما كنّا فيه:
ثمّ قال معاوية: و انظر- يا بنيّ- أهل الحجاز فإنّهم أصلك و فرعك، فأكرم من قدم عليك، و من غاب عنك فلا تجفه و لا تعنّفه.
و انظر أهل العراق فإنّهم لا يحبّونك أبدا، و لا ينصحونك، و لكن دارهم ما أمكنك، و إن سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملا فافعل، فإنّ عزل عامل واحد أهون من سلّ مائة ألف سيف.
و انظر أهل الشام فإنّهم بطانتك و ظهارتك، و قد بلوت بهم و عرفت ثباتهم 2392 ، و هم صبّر عند اللقاء، حماة في الوغى، فإن رابك 2393 أمر من عدوّ يخرج عليك فانتصر بهم، فإذا أصبت حاجتك فارددهم إلى بلادهم يكونوا [بها] 2394 لوقت حاجتك، ثمّ اغمي على معاوية، فلم يفق بقيّة يومه من غشيته، فلمّا أفاق قال: اوه اوه جاء الحقّ و زهق الباطل، ثمّ قال: إنّي كنت بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و هو يقلّم أظفاره، فأخذت القلامة، و أخذت بشقص من شعره على الصفا، فجعلتها في قارورة فهي عندي، فاجعلوا الشعر و الأظفار في فمي و اذني، ثمّ صلّوا عليّ و واروني في حفرتي 2395 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فليت يا شعري كيف لم يستحي من اللّه و رسوله و قد بارز أهل بيته بالعداوة و نصب الغوائل لهم و الوقيعة في أسفارهم و انسارهم 2396 أجسادهم؟! ثمّ عقد الأمر عند موته و ولاية عهده لابنه يزيد الّذي لا يوازيه كافر، و لا يلحقه فاجر، أكفر الخلق باللّه، و أبغضهم للحقّ و أهله، و أشدّ الخلق تهتّكا مع خلعه جلباب الحياء، و تظاهره بشرب الخمور، و تعاطي الزنا و الفجور، و سفك الدماء المحرّمة، و غصب الأموال المحترمة، فعليه و على أبيه أشدّ العذاب و أعظم النكال، و اللّه لو واروه في حفرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يغن عنه ذلك من اللّه شيئا، كما لم يغن عن الأوّلين الّذين دفنا إلى جانبه صلّى اللّه عليه و آله و نزّهه اللّه عنهما و نقلهما عنه، وَ قِيلَ لهما ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ 2397 و هو يرجو مع قبيح فعله الشفاعة من النبيّ، و يتبرّك بشعره و ظفره، و اللّه يقول:
وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى 2398 .
[موت معاوية]
ثمّ انقطع كلام معاوية و لم ينطق بشيء، و خرج يزيد على عادته في التهتّك و اللهو و الصيد في يومه ذلك إلى نواحي حوران للنزهة و الصيد و ترك أباه بحاله، و قال للضحّاك بن قيس: انظر لا تخف عليّ شيئا من أمره، و توفّي معاوية من غد و ليس يزيد حاضر، فكان ملكه عليه اللعنة تسع عشرة سنة و ثلاثة أشهر، و مات بدمشق يوم الأحد لأيّام خلت من شهر رجب سنة ستّين، و هو ابن ثمان و سبعين سنة.
[كتاب الضحّاك بن قيس ليزيد يخبره بموت معاوية، و قدوم يزيد لدمشق]
قال: فخرج الضحّاك من دار معاوية لا يكلّم أحدا و الأكفان معه حتى دخل المسجد الأعظم و نودي له في الناس، فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه،
ثمّ قال: إنّ أمير المؤمنين معاوية قد ذاق الموت، و شرب بكأس الحتف، و هذه أكفانه، و نحن مدرجوه فيها، و مدخلوه قبره، و مخلون بينه و بين عمله، فمن كان منكم يريد أن يشهد فليحضر بين الصلاتين و لا تقعدوا عن الصلاة عليه، ثمّ نزل عن المنبر و كتب إلى يزيد:
[بسم اللّه الرحمن الرحيم] 2399 الحمد للّه الّذي لبس [رداء] 2400 البقاء، و كتب على عباده الفناء، فقال سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ 2401 .
لعبد اللّه أمير المؤمنين يزيد من الضحّاك بن قيس.
أمّا بعد:
فكتابي 2402 إلى أمير المؤمنين كتاب تهنئة و مصيبة، فأمّا التهنئة فبالخلافة الّتي جاءتك عفوا، و أمّا المصيبة فبموت أمير المؤمنين معاوية، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فإذا قرأت كتابي هذا فالعجل العجل لتأخذ الناس بالبيعة، بيعة اخرى مجدّدة.
قال: فلمّا ورد الكتاب على يزيد و قرأه وثب من ساعته صائحا باكيا، و أمر بإسراج دوابّه، و سار يريد دمشق، فصار إليها بعد ثلاث من موت معاوية، و خرج [الناس] 2403 إلى استقباله، فلم يبق أحد يطيق حمل السلاح إلّا ركب
[و خرج] 2404 ، حتى إذا وافى اللعين قريبا من دمشق و جعل الناس يتلقّونه فيبكون و يبكي معهم.
[تهنئة الناس ليزيد بالخلافة و تعزيتهم له بموت أبيه]
ثمّ نزل في قبّة خضراء لابنه و هو معتمّ بعمامة خزّ سوداء متقلّدا سيف أبيه، فلمّا دخلها نظر فإذا قد فرش له فرش كثيرة بعضها على بعض، ما يمكن لأحد أن يرقى عليها إلّا بالكراسي، فصعد حتى جلس و الناس يدخلون عليه يهنّئونه بالخلافة و يعزّونه بأبيه، و يزيد يقول: نحن أهل الحقّ و أنصار الدين، فأبشروا يا أهل الشام فإنّ الخير لم يزل فيكم و سيكون بيني 2405 و بين أهل العراق ملحمة، و ذلك انّي رأيت في المنام منذ ثلاث ليال كأنّ بيني و بين أهل العراق نهرا يطرد بالدم العبيط [و يجري] 2406 جريا شديدا، و جعلت أجتهد في منامي أن أجوزه فلم أقدر حتى جاء عبيد اللّه بن زياد فجازه بين يدي و أنا أنظر إليه.
قال: فأجابه أهل الشام و قالوا: يا أمير المؤمنين، امض بنا حيث شئت فنحن بين يديك، و سيوفنا هي الّتي عرفها أهل العراق في صفّين.
فقال يزيد: أنتم لعمري كذلك، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أنعم اللّه عليه، ثمّ قبضه إليه، و هو خير ممّن بعده، و دون من كان قبله، و لا ازكّيه على اللّه، فهو أعلم به منّي، فإن عفا عنه فبرحمته، و إن عاقبه فبذنوبه، و لقد ولّيت هذا الأمر من بعده و لست اقصّر عن طلب حقّ، و لا أعتذر من تفريط في باطل، و إذا أراد اللّه شيئا كان، فصاح الناس من كلّ جانب: سمعنا و أطعنا، يا أمير المؤمنين.
قال: فبايع الناس بأجمعهم يزيد و ابنه معاوية بن يزيد من بعده، و فتح
بيوت الأموال و أخرج أموالا جليلة 2407 ففرّقها عليهم، ثمّ عزم على إنفاذ الكتب إلى [جميع] 2408 البلاد بأخذ البيعة له،
[كتاب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة يولّيه على المدينة]
و كان مروان بن الحكم واليا على المدينة فعزله و ولّى مكانه ابن عمّه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و كتب إليه يقول:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.
أمّا بعد:
فإنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أكرمه فاستخلفه و مكّن له، ثمّ قبضه إلى روحه و ريحانه أو عقابه 2409 ، عاش بقدر، و مات بأجل، و قد كان عهد إليّ و أوصاني أن أحذر آل أبي تراب و جرأتهم على سفك الدماء، و قد آن- يا وليد- أن ينتقم اللّه للمظلوم 2410 عثمان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة [لي] 2411 على جميع الخلق في المدينة.
قال: ثمّ كتب في رقعة صغيرة:
أمّا بعد:
فخذ الحسين و عبد اللّه بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن الزبير بالبيعة أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك فاضرب عنقه، و ابعث إليّ برأسه، و السلام. 2412
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بخلافة يزيد، و استشارة الوليد بن عتبة لمروان بن الحكم]
و روي عن مكحول، عن أبي عبيدة الجرّاح، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يزال أمر أمّتي قائما بالقسط حتى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني اميّة [يقال له يزيد] 2413 .
و بإسناد متّصل بأبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: أوّل من يبدّل ديني رجل من بني اميّة.
قال ابن أعثم: فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة قرأه و استرجع، ثمّ قال: يا ويح الوليد بن عتبة من دخوله في هذه الامارة، مالي و للحسين؟ ثمّ بعث إلى مروان فدعاه و قرأ الكتاب عليه، فاسترجع مروان، ثمّ قال: رحم اللّه معاوية.
فقال الوليد: أشر عليّ برأيك.
فقال مروان: أرى أن ترسل إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى الطاعة و الدخول في بيعة يزيد، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، و إن أبوا قدّمتهم و ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنّهم إن علموا بموته و ثب كلّ واحد منهم و أظهر الخلاف و دعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك منهم ما لا قبل لك به، إلّا عبد اللّه بن عمر فإنّي لا أراه ينازع، فذره عنك، و ابعث إلى الحسين و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن الزبير فادعهم إلى البيعة، مع أنّي أعلم أنّ الحسين خاصّة لا يجيبك إلى بيعة يزيد أبدا، و لا يرى له عليه طاعة، و اللّه إنّي لو كنت موضعك لم اراجع الحسين في كلمة واحدة حتى أضرب عنقه، فأطرق الوليد بن عتبة، ثمّ رفع رأسه و قال: ليت الوليد بن عتبة لم يولد.
قال: ثمّ دمعت عيناه، فقال له عدوّ اللّه مروان: أيّها الأمير، لا تجزع بما ذكرت لك، فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر و لم يزالوا، و هم الّذين قتلوا عثمان، ثمّ ساروا إلى معاوية فحاربوه، فإنّي لست آمن- أيّها الأمير- إن أنت لم تعاجل الحسين خاصّة أن تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد.
فقال الوليد: مهلا- يا مروان- اقصر من كلامك و أحسن القول في ابن فاطمة، فإنّه بقيّة ولد النبيّين.
[دعوة الوليد بن عتبة للحسين عليه السلام و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير لمبايعة يزيد]
قال: ثمّ بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير فدعاهم، و أقبل الرسول و هو عمرو بن عثمان، فلم يصب القوم في منازلهم، فمضى نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فسلّم، ثمّ قال: إنّ الأمير يدعوكم، فصيروا إليه.
فقال الحسين: نفعل إن شاء اللّه إذا نحن فرغنا من مجلسنا، فانصرف الرسول و أخبر الوليد بذلك، و أقبل عبد اللّه بن الزبير على الحسين، فقال: يا أبا عبد اللّه، إنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس، و إنّي قد أنكرت بعثته إلينا في مثل هذا الوقت، فترى لما بعث إلينا 2414 ؟
فقال الحسين عليه السلام: اخبرك إنّي أظنّ أنّ معاوية هلك، و ذلك انّي رأيت البارحة في منامي كأنّ منبر معاوية منكوس، و رأيت النار تشتعل في داره، فتأوّلت ذلك في نفسي بأنّه قد مات.