کتابخانه روایات شیعه
[و خرج] 2404 ، حتى إذا وافى اللعين قريبا من دمشق و جعل الناس يتلقّونه فيبكون و يبكي معهم.
[تهنئة الناس ليزيد بالخلافة و تعزيتهم له بموت أبيه]
ثمّ نزل في قبّة خضراء لابنه و هو معتمّ بعمامة خزّ سوداء متقلّدا سيف أبيه، فلمّا دخلها نظر فإذا قد فرش له فرش كثيرة بعضها على بعض، ما يمكن لأحد أن يرقى عليها إلّا بالكراسي، فصعد حتى جلس و الناس يدخلون عليه يهنّئونه بالخلافة و يعزّونه بأبيه، و يزيد يقول: نحن أهل الحقّ و أنصار الدين، فأبشروا يا أهل الشام فإنّ الخير لم يزل فيكم و سيكون بيني 2405 و بين أهل العراق ملحمة، و ذلك انّي رأيت في المنام منذ ثلاث ليال كأنّ بيني و بين أهل العراق نهرا يطرد بالدم العبيط [و يجري] 2406 جريا شديدا، و جعلت أجتهد في منامي أن أجوزه فلم أقدر حتى جاء عبيد اللّه بن زياد فجازه بين يدي و أنا أنظر إليه.
قال: فأجابه أهل الشام و قالوا: يا أمير المؤمنين، امض بنا حيث شئت فنحن بين يديك، و سيوفنا هي الّتي عرفها أهل العراق في صفّين.
فقال يزيد: أنتم لعمري كذلك، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أنعم اللّه عليه، ثمّ قبضه إليه، و هو خير ممّن بعده، و دون من كان قبله، و لا ازكّيه على اللّه، فهو أعلم به منّي، فإن عفا عنه فبرحمته، و إن عاقبه فبذنوبه، و لقد ولّيت هذا الأمر من بعده و لست اقصّر عن طلب حقّ، و لا أعتذر من تفريط في باطل، و إذا أراد اللّه شيئا كان، فصاح الناس من كلّ جانب: سمعنا و أطعنا، يا أمير المؤمنين.
قال: فبايع الناس بأجمعهم يزيد و ابنه معاوية بن يزيد من بعده، و فتح
بيوت الأموال و أخرج أموالا جليلة 2407 ففرّقها عليهم، ثمّ عزم على إنفاذ الكتب إلى [جميع] 2408 البلاد بأخذ البيعة له،
[كتاب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة يولّيه على المدينة]
و كان مروان بن الحكم واليا على المدينة فعزله و ولّى مكانه ابن عمّه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و كتب إليه يقول:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من عبد اللّه يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.
أمّا بعد:
فإنّ معاوية كان عبدا من عباد اللّه أكرمه فاستخلفه و مكّن له، ثمّ قبضه إلى روحه و ريحانه أو عقابه 2409 ، عاش بقدر، و مات بأجل، و قد كان عهد إليّ و أوصاني أن أحذر آل أبي تراب و جرأتهم على سفك الدماء، و قد آن- يا وليد- أن ينتقم اللّه للمظلوم 2410 عثمان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة [لي] 2411 على جميع الخلق في المدينة.
قال: ثمّ كتب في رقعة صغيرة:
أمّا بعد:
فخذ الحسين و عبد اللّه بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن الزبير بالبيعة أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك فاضرب عنقه، و ابعث إليّ برأسه، و السلام. 2412
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بخلافة يزيد، و استشارة الوليد بن عتبة لمروان بن الحكم]
و روي عن مكحول، عن أبي عبيدة الجرّاح، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يزال أمر أمّتي قائما بالقسط حتى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني اميّة [يقال له يزيد] 2413 .
و بإسناد متّصل بأبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: أوّل من يبدّل ديني رجل من بني اميّة.
قال ابن أعثم: فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة قرأه و استرجع، ثمّ قال: يا ويح الوليد بن عتبة من دخوله في هذه الامارة، مالي و للحسين؟ ثمّ بعث إلى مروان فدعاه و قرأ الكتاب عليه، فاسترجع مروان، ثمّ قال: رحم اللّه معاوية.
فقال الوليد: أشر عليّ برأيك.
فقال مروان: أرى أن ترسل إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى الطاعة و الدخول في بيعة يزيد، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، و إن أبوا قدّمتهم و ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنّهم إن علموا بموته و ثب كلّ واحد منهم و أظهر الخلاف و دعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك منهم ما لا قبل لك به، إلّا عبد اللّه بن عمر فإنّي لا أراه ينازع، فذره عنك، و ابعث إلى الحسين و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن الزبير فادعهم إلى البيعة، مع أنّي أعلم أنّ الحسين خاصّة لا يجيبك إلى بيعة يزيد أبدا، و لا يرى له عليه طاعة، و اللّه إنّي لو كنت موضعك لم اراجع الحسين في كلمة واحدة حتى أضرب عنقه، فأطرق الوليد بن عتبة، ثمّ رفع رأسه و قال: ليت الوليد بن عتبة لم يولد.
قال: ثمّ دمعت عيناه، فقال له عدوّ اللّه مروان: أيّها الأمير، لا تجزع بما ذكرت لك، فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر و لم يزالوا، و هم الّذين قتلوا عثمان، ثمّ ساروا إلى معاوية فحاربوه، فإنّي لست آمن- أيّها الأمير- إن أنت لم تعاجل الحسين خاصّة أن تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد.
فقال الوليد: مهلا- يا مروان- اقصر من كلامك و أحسن القول في ابن فاطمة، فإنّه بقيّة ولد النبيّين.
[دعوة الوليد بن عتبة للحسين عليه السلام و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير لمبايعة يزيد]
قال: ثمّ بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير فدعاهم، و أقبل الرسول و هو عمرو بن عثمان، فلم يصب القوم في منازلهم، فمضى نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فسلّم، ثمّ قال: إنّ الأمير يدعوكم، فصيروا إليه.
فقال الحسين: نفعل إن شاء اللّه إذا نحن فرغنا من مجلسنا، فانصرف الرسول و أخبر الوليد بذلك، و أقبل عبد اللّه بن الزبير على الحسين، فقال: يا أبا عبد اللّه، إنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس، و إنّي قد أنكرت بعثته إلينا في مثل هذا الوقت، فترى لما بعث إلينا 2414 ؟
فقال الحسين عليه السلام: اخبرك إنّي أظنّ أنّ معاوية هلك، و ذلك انّي رأيت البارحة في منامي كأنّ منبر معاوية منكوس، و رأيت النار تشتعل في داره، فتأوّلت ذلك في نفسي بأنّه قد مات.
قال ابن الزبير: فاعمل على ذلك بأنّه كذلك، فما ترى أن تصنع إذا دعيت إلى بيعة يزيد؟
فقال الحسين عليه السلام: لا ابايع أبدا، لأنّ الأمر إنّما كان لي بعد أخي الحسن فصنع معاوية ما صنع، و حلف لأخي الحسن انّه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده، و أن يردّها عليّ إن كنت حيّا، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه و لم يف لي و لا لأخي فو اللّه لقد جاءنا مالا قوام 2415 لنا به، أ تظنّ أنّي ابايع يزيد، و يزيد رجل فاسق معلن بالفسق، و شرب الخمر، و اللعب بالكلاب و الفهود، و نحن بقيّة آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ و اللّه لا يكون ذلك أبدا، فبينما هما في المحاورة إذ رجع الرسول و قال للحسين: أبا عبد اللّه، إنّ الأمير قاعد لكما خاصّة فقوما إليه، فزبره الحسين و قال: انطلق إلى أميرك لا أمّ لك أنا صائر إليه الساعة إن شاء اللّه و لا قوّة إلّا باللّه.
قال: فرجع الرسول إلى الوليد فأخبره بذلك، و قال: إنّ الحسين قد أجاب و هو صائر إليك هذه الساعة في أثري.
فقال مروان: غدر و اللّه الحسين.
فقال الوليد: مهلا ليس مثل الحسين يغدر، و لا يقول ما لا يفعل، ثمّ أقبل الحسين على الجماعة و قال: قوموا 2416 إلى منازلكم فإنّي صائر إليه فأنظر ما عنده.
فقال له ابن الزبير: إنّي أخشى 2417 عليك أن يحبسوك عندهم و لا يفارقونك أبدا حتى تبايع أو تقتل.
فقال: لست أدخل عليه وحدي، و لكن أجمع أصحابي و خدمي
و أنصاري و أهل الحقّ من شيعتي، و آمر كلّ واحد منهم أن يأخذ سيفه مسلولا تحت ثيابه، ثمّ يصيروا بإزائي، فإذا أنا أومأت إليهم و قلت: «يا آل الرسول، ادخلوا» دخلوا و فعلوا ما أمرتهم به، و لا اعطي القياد من نفسي، فقد علمت و اللّه أنّه قد أتى من الأمر ما لا قوام له، و لكن قدر اللّه ماض، و هو الّذي يفعل في أهل البيت ما يشاء و يرضى.
ثمّ وثب الحسين فصار إلى منزله، ثمّ دعا بماء فاغتسل، و لبس ثيابه، و صلّى ركعتين، فلمّا انفتل من صلاته أرسل إلى فتيانه و مواليه و أهل بيته فأعلمهم شأنه، ثمّ قال: كونوا بباب هذا الرجل، فإذا سمعتم صوتي و كلامي و صحت: «يا آل الرسول» فاقتحموا بغير إذن، ثمّ أشهروا السيف 2418 و لا تعجلوا، فإن رأيتم ما لا تحبّون فضعوا سيوفكم فيهم و اقتلوا من يريد قتلي.
[مجيء الحسين عليه السلام إلى الوليد بن عتبة]
قال: ثمّ خرج الحسين من منزله، و في يده قضيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هو في ثلاثين رجلا من مواليه و شيعته حتى أوقفهم على باب الوليد، ثمّ قال: انظروا ما اوصيكم 2419 به فلا تعدوه و أنا أرجو أن أخرج إليكم سالما، ثمّ دخل الحسين عليه السلام على الوليد و سلّم، و قال: كيف أصبح الأمير؟
قال: فردّ عليه الوليد ردّا حسنا، ثمّ أدناه و قرّبه، و كان مروان حاضرا في مجلس الوليد، و كان بين الوليد و مروان قبل ذلك منازعة، فلمّا نظر الحسين إلى مروان جالسا في مجلس الوليد، قال: أصلح اللّه الأمير الصلح 2420 خير من
الفساد، و قد آن لكما أن تجتمعا، الحمد للّه الّذي أصلح ذات بينكم.
قال: فلم يجيباه بشيء في هذا، فقال الحسين عليه السلام: هل ورد عليكم خبر من معاوية؟ فإنّه قد كان عليلا و قد طالت علّته، فكيف هو الآن؟
قال: فتأوّه الوليد، ثمّ قال: يا أبا عبد اللّه، آجرك اللّه 2421 في معاوية، فقد كان لك عمّ صدق، و والي عدل، فقد ذاق الموت، و هذا كتاب أمير المؤمنين يزيد.
فقال الحسين عليه السلام: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و عظّم اللّه لكما الأجر، و لكن لما ذا دعوتني؟
فقال: دعوتك للبيعة الّتي قد اجتمع عليها الناس.
قال: فقال الحسين عليه السلام: إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّا، و إنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة، و لكن غدا إذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم، فيكون أمرا واحدا.
فقال له الوليد: لقد قلت فأحسنت القول و كذا كان ظنّي فيك، فانصرف راشدا حتى تأتينا غدا مع الناس.
قال: فقام مروان، و قال: إنّه إن فارقك الساعة و لم يبايع فإنّك لا تقدر عليه بعدها أبدا حتى تكثر القتلى بينك و بينه، فاحتبسه عندك و لا تدعه يخرج أو يبايع و إلّا فاضرب عنقه.