کتابخانه روایات شیعه
الفساد، و قد آن لكما أن تجتمعا، الحمد للّه الّذي أصلح ذات بينكم.
قال: فلم يجيباه بشيء في هذا، فقال الحسين عليه السلام: هل ورد عليكم خبر من معاوية؟ فإنّه قد كان عليلا و قد طالت علّته، فكيف هو الآن؟
قال: فتأوّه الوليد، ثمّ قال: يا أبا عبد اللّه، آجرك اللّه 2421 في معاوية، فقد كان لك عمّ صدق، و والي عدل، فقد ذاق الموت، و هذا كتاب أمير المؤمنين يزيد.
فقال الحسين عليه السلام: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و عظّم اللّه لكما الأجر، و لكن لما ذا دعوتني؟
فقال: دعوتك للبيعة الّتي قد اجتمع عليها الناس.
قال: فقال الحسين عليه السلام: إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّا، و إنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة، و لكن غدا إذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم، فيكون أمرا واحدا.
فقال له الوليد: لقد قلت فأحسنت القول و كذا كان ظنّي فيك، فانصرف راشدا حتى تأتينا غدا مع الناس.
قال: فقام مروان، و قال: إنّه إن فارقك الساعة و لم يبايع فإنّك لا تقدر عليه بعدها أبدا حتى تكثر القتلى بينك و بينه، فاحتبسه عندك و لا تدعه يخرج أو يبايع و إلّا فاضرب عنقه.
قال: فالتفت الحسين إليه، و قال: ويلي عليك يا ابن الزرقاء، أ تأمره بضرب عنقي؟ كذبت و اللّه و لؤمت، و اللّه لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت
الأرض من دمه، فإن شئت ذلك فقم أنت فاضرب 2422 عنقي إن كنت صادقا.
قال: ثمّ أقبل الحسين على الوليد و قال: أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، و معدن الرسالة، و بنا فتح اللّه و بنا ختم، و يزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله، و لكن نصبح و تصبحون، و ننظر و تنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة و البيعة.
قال: فسمع من بالباب صوت الحسين فهمّوا أن يقتحموا الدار بالسيوف، و خرج إليهم الحسين عليه السلام فأمرهم بالانصراف، و أقبل الحسين إلى منزله، فقال مروان للوليد: عصيتني حتى أفلت الحسين من يدك، أما و اللّه لا تقدر منه على مثلها، و اللّه ليخرجنّ عليك و على يزيد.
فقال الوليد: ويحك يا مروان، أشرت عليّ بقتل الحسين، و في قتله ذهاب ديني و دنياي، و اللّه ما احبّ 2423 أن أملك الدنيا بأسرها و انّي قتلت الحسين، ما أظنّ أحدا يلقى اللّه يوم القيامة بدم الحسين إلّا و هو خفيف الميزان عند اللّه، لا ينظر إليه، و لا يزكّيه، و له عذاب أليم.
[أنّ الحسين عليه السلام عارضه في طريقه مروان بن الحكم و جرت بينهما محادثة]
قال: و خرج الحسين عليه السلام من منزله يسمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه، فقال: يا أبا عبد اللّه، إنّي لك ناصح فأطعني ترشد و تسدّد.
فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟
قال: إنّي آمرك ببيعة يزيد فإنّه خير لك في دينك و دنياك.
قال: فاسترجع الحسين عليه السلام و قال: على الاسلام العفا إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد، ثمّ أقبل الحسين على مروان، و قال: ويحك تأمرني ببيعة يزيد، و يزيد رجل فاسق، لقد قلت شططا، لا ألومك على قولك لأنّك اللعين الّذي لعنك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص، و من لعنه رسول اللّه فإنّه لا ينكر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد، ثمّ قال:
إليك عنّي يا عدوّ اللّه فإنّا أهل بيت رسول اللّه على الحقّ و الحقّ فينا، و قد سمعت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان الطلقاء و أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه 2424 ، فو اللّه لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يفعلوا ما أمرهم به فابتلاهم اللّه بابنه يزيد.
قال: فغضب مروان، ثمّ قال: و اللّه لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغرا، فإنّكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاما و اشربتم بغض آل أبي سفيان، و حقيق عليهم أن يبغضوكم.
فقال الحسين عليه السلام: ويلك إليك عنّي، فإنّك رجس و إنّا أهل بيت
الطهارة الّذي أنزل اللّه فينا: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 2425 فنكس مروان رأسه، فقال له الحسين: أبشر يا ابن الزرقاء بكلّ ما تكره من الرسول صلّى اللّه عليه و آله يوم تقدم على جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيسألك عن حقّي و حقّ يزيد.
قال: فمضى مروان مغضبا حتى دخل على الوليد فخبّره بما كان من مقالة الحسين عليه السلام، و كان ابن الزبير قد خرج ليلا قاصدا مكّة حين اشتغلوا بالحسين، فبعث الوليد بن عتبة في طلبه فلم يقدروا عليه وفاتهم، فكتب الوليد إلى يزيد يخبره الخبر بما كان من ابن الزبير، ثمّ ذكر له بعد ذلك أمر الحسين، فلمّا ورد الكتاب على يزيد و قرأه غضب غضبا شديدا، و كان إذا غضب انقلبت عيناه فصار أحول،
[كتاب يزيد إلى الوليد بن عتبة يأمره بأخذ البيعة ثانية على أهل المدينة و بقتل الحسين عليه السلام]
فكتب إلى الوليد بن عتبة:
من عبد اللّه أمير المؤمنين يزيد إلى الوليد بن عتبة.
أمّا بعد:
فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانيا على أهل المدينة و ذر عبد اللّه ابن الزبير فإنّه لا يفوتنا، و ليكن مع جواب كتابي رأس الحسين، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل، و لك عندي الجائزة العظمى و الحظّ الأوفر، و السلام.
فلمّا ورد الكتاب على الوليد و قرأه عظم ذلك عليه، ثمّ قال: لا و اللّه لا يراني اللّه بقتل ابن نبيّه 2426 و لو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.
[مجيء الحسين عليه السلام عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله]
قال: و خرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة و أقبل إلى قبر جدّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: السلام عليك يا رسول اللّه، أنا الحسين بن فاطمة،
فرخك و ابن فرختك، و سبطك الّذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ اللّه أنّهم قد خذلوني، و ضيّعوني، و لم يحفظوني، و هذه شكواي إليك حتى ألقاك.
قال: ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعا ساجدا.
قال: و أرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا، فلم يصبه في منزله، فقال: الحمد للّه الّذي 2427 خرج و لم يبتلني اللّه 2428 بدمه.
قال: و رجح الحسين إلى منزله عند الصبح.
قال: فلمّا كانت الليلة الثانية 2429 خرج إلى القبر أيضا و صلّى ركعات، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمد، و أنا ابن بنت نبيّك، و قد حضرني من الأمر ما قد علمت.
اللّهمّ إنّي احبّ المعروف، و انكر المنكر، و أنا أسألك يا ذا الجلال و الاكرام بحقّ [هذا] 2430 القبر و من فيه إلّا اخترت لي ما هو لك رضى، و لرسولك رضى.
قال: ثمّ جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و عن شماله و بين يديه حتى ضمّ الحسين إلى صدره و قبّل بين عينيه و قال: حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرمّلا بدمائك، مذبوحا
بأرض كربلاء، بين 2431 عصابة من أمّتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقى، و ظمآن لا تروى، و هم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة.
حبيبي يا حسين، إنّ أباك و امّك و أخاك قدموا عليّ و هم مشتاقون إليك، و إنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة.
قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جدّه و يقول: يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك و أدخلني معك في قبرك.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة، و ما قد كتب اللّه لك فيها من الثواب العظيم، فإنّك و أباك و أخاك و عمّك و عمّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنّة.
قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا فقصّ رؤياه على أهل بيته و بني عبد المطّلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق و لا مغرب قوم أشدّ غمّا من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا أكثر باك و لا باكية منهم.
[مجيء الحسين عليه السلام عند قبر امّه فاطمة و أخيه الحسن عليهما السلام]
قال: و تهيّأ الحسين صلوات اللّه عليه للخروج من المدينة و مضى في جوف الليل إلى قبر امّه عليها السلام فودّعها، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح،
[مجيء محمد بن الحنفيّة عند الحسين عليه السلام للنصيحة]
فأقبل إليه أخوه محمد ابن الحنفيّة و قال: يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ و أعزّهم عليّ، و لست و اللّه أدّخر النصيحة لأحد من الخلق، و ليس أحد أحقّ بها منك لأنّك مزاج مائي
و نفسي و روحي و بصري، و كبير أهل بيتي، و من وجبت طاعته في عنقي، لأنّ اللّه تبارك و تعالى قد شرّفك عليّ و جعلك من سادات أهل الجنّة، و اريد أن اشير عليك فاقبل منّي.
فقال الحسين عليه السلام: يا أخي، قل ما بدا لك.
فقال: اشير عليك أن تتنحّى عن يزيد و عن الأمصار ما استطعت، و تبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك، فإن بايعك الناس حمدت اللّه على ذلك و قمت فيهم بما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقوم به فيهم حتى يتوفّاك اللّه 2432 و هو عنك راض، و المؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك و أخيك، و إن اجتمع الناس على غيرك حمدت اللّه على ذلك و سكتّ و لزمت منزلك 2433 فإنّي خائف عليك أن تدخل مصرا من الأمصار، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك و طائفة عليك فتقتل بينهم.
فقال الحسين عليه السلام: فإلى أين أذهب؟