کتابخانه روایات شیعه
و جعل [يسير و] 2471 يتلو هذه الآية: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 2472 فقال له ابن عمّه [مسلم بن عقيل بن أبي طالب] 2473 : يا ابن رسول اللّه، لو عدلنا عن الطريق و سلكنا غير الجادّة كما فعل ابن الزبير كان عندي [خير] 2474 الرأي، فإنّا نخاف من الطلب.
فقال: لا يا ابن العمّ، لا فارقت هذا الطريق أو أنظر أبيات مكّة أو يقضي اللّه في ذلك ما يحبّ، فبينا الحسين بين مكّة و المدينة إذ استقبله عبد اللّه بن مطيع العدويّ، فقال: أين تريد يا أبا عبد اللّه، جعلني اللّه فداك؟
فقال: أمّا في وقتي هذا فإنّي اريد مكّة، فإذا صرت إليها استخرت اللّه.
فقال عبد اللّه بن مطيع: خار اللّه لك في ذلك، و إنّي اشير عليك بمشورة فاقبلها منّي.
فقال الحسين عليه السلام: ما هي؟
قال: إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة فإنّ فيها قتل أبوك، و طعن أخوك طعنة كادت [أن] 2475 تأتي على نفسه فيها، فالزم فيها الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك، فو اللّه لئن هلكت ليهلكنّ أهل بيتك بهلاكك، و السلام.
قال: فودّعه الحسين و دعا له بالخير، و سار حتى وافى مكّة، فلمّا نظر إلى جبالها جعل يتلو: وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ 2476 . 2477
فصل فيما جرى للحسين عليه السلام بعد وصوله إلى مكّة
قال 2478 : و لمّا دخل الحسين مكّة جعل أهلها يختلفون إليه، و كان قد نزل بأعلى مكّة، و نزل عبد اللّه بن الزبير داره، ثمّ تحوّل الحسين إلى دار العبّاس، و كان أمير مكّة من قبل يزيد عمر بن سعد، وهاب ابن سعد أن يميل الحجّاج مع الحسين لما 2479 يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق، فانحدر إلى المدينة و كتب بذلك إلى يزيد لعنه اللّه، و كان الحسين أثقل الخلق على ابن الزبير لأنّه كان يطمع أن يبايعه أهل مكّة، فلمّا قدم الحسين صاروا يختلفون إليه و تركوا ابن الزبير، و كان ابن الزبير يختلف بكرة و عشيّة إلى الحسين و يصلّي معه.
و بلغ أهل الكوفة أنّ الحسين قد صار في 2480 مكّة، و أقام الحسين عليه السلام في مكّة باقي شهر شعبان و رمضان و شوّال و ذي القعدة، و كان عبد اللّه بن عبّاس و عبد اللّه بن عمر بمكّة فأقبلا جميعا و قد عزما أن ينصرفا إلى المدينة، فقال ابن عمر: يا أبا عبد اللّه اتّق اللّه، فقد عرفت عداوة أهل هذا البيت لكم، و ظلمهم إيّاكم، و قد ولي الناس هذا الرجل يزيد، و لست آمن أن تميل الناس إليه لمكان الصفراء و البيضاء فيقتلوك فيهلك بقتلك بشر كثير، فإنّي سمعت
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: حسين مقتول، فلئن خذلوه و لم 2481 ينصروه ليخذلنّهم اللّه إلى يوم القيامة، و أنا اشير عليك بالصلح و تدخل فيما دخل فيه الناس، و اصبر كما صبرت لمعاوية حتى يحكم اللّه بينك و بين القوم الظالمين.
فقال الحسين عليه السلام: يا با عبد الرحمن، أنا أدخل في صلحه و قد قال النبيّ فيه و في أبيه ما قال؟!
فقال ابن عبّاس: صدقت، قد قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: مالي و ليزيد؟ لا بارك اللّه في يزيد، فإنّه يقتل ولدي و ولد ابنتي الحسين عليه السلام، و الّذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلّا خالف اللّه بين قلوبهم و ألسنتهم 2482 ، ثمّ بكى ابن عبّاس و بكى الحسين معه، و قال: يا ابن عبّاس، أتعلم أنّي ابن بنت رسول اللّه؟
قال ابن عبّاس: اللّهمّ نعم، ما نعرف أحدا على وجه الأرض ابن بنت رسول اللّه غيرك، و انّ نصرك لفرض على هذه الامّة كفريضة الصيام و الزكاة، لا يقبل اللّه أحدهما دون الآخر.
فقال الحسين: فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من وطنه و داره، و [موضع] 2483 و قراره و مولده، و حرم رسوله، و مجاورة قبر جدّه و مسجده، و موضع مهاجره فتركوه خائفا مرعوبا لا يستقرّ في قرار، و لا يأوي إلى وطن، يريدون بذلك قتله، و سفك دمه، و هو لم يشرك
باللّه شيئا و لم يغيّر ما كان 2484 عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟
فقال ابن عبّاس: فما ذا أقول فيهم؟ أقول فيهم إنّهم كفروا باللّه و رسوله و لا يأتون الصلاة إلّا و هم كسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا 2485 .
و أمّا أنت يا ابن رسول اللّه فإنّك رأس الفخار، ابن رسول اللّه [و ابن وصيّه] 2486 ، و ابن بنته، فلا تظنّ- يا ابن رسول اللّه- أنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظالمون 2487 ، و أنا أشهد أنّ من رغب عنك فماله من خلاق 2488 .
فقال الحسين عليه السلام: اللّهمّ فاشهد.
قال ابن عبّاس: يا ابن رسول اللّه، كأنّك تنعى إليّ نفسك و تريد منّي أن أنصرك، و اللّه لو ضربت بسيفي بين يديك حتى تنخلع يداي لما كنت بالّذي أبلغ من حقّك عشر العشير.
فقال ابن عمر: يا ابن عبّاس، ذرنا من هذا.
ثمّ أقبل ابن عمر على الحسين فقال: مهلا- يا أبا عبد اللّه- عمّا قد أزمعت عليه، و ارجع معنا إلى المدينة و ادخل في صلح القوم، و لا تجعل لهؤلاء الّذين لا خلاق لهم عليك حجّة، و إن أحببت ألّا تبايع فأنت متروك، فعسى يزيد لا يعيش إلّا قليلا فيكفيك اللّه أمره.
فقال الحسين عليه السلام: افّ لهذا الكلام.
فقال ابن عمر: إنّي أعلم أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يكن ليجعل ابن بنت نبيّه على خطأ، و لكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن بالسيوف و نرى من هذا الأمر ما لا نحبّ 2489 فارجع معنا إلى المدينة و لا تبايع أبدا، و اقعد في منزلك.
فقال الحسين عليه السلام: هيهات، إنّ القوم لا يتركوني إن أصابوني، فإن لم يصيبوني فإنّهم يطلبونني أبدا حتى ابايع أو يقتلونني، أ ما تعلم أنّ من هوان الدنيا على اللّه انّه اتي برأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل و الرأس ينطق بالحجّة عليهم فلم يضرّ ذلك يحيى بل ساد الشهداء؟ أو لا تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّا ثمّ يجلسون في أسواقهم كأنّهم لم يصنعوا شيئا فلم يعجّل اللّه 2490 عليهم، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام؟ اتّق اللّه- يا با عبد الرحمن- و لا تدعنّ نصرتي.
يا ابن عمر، إن كان الخروج يثقل عليك فأنت في أوسع عذر و اجلس عن القوم و لا تعجل بالبيعة لهم حتى تعلم ما يؤول الأمر إليه.
قال: ثمّ أقبل الحسين عليه السلام على ابن عبّاس، فقال: يا ابن عبّاس، إنّك ابن عمّ والدي، و لم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك، و كان أبي يستشيرك، فامض إلى المدينة في حفظ اللّه 2491 ، و لا تخف عليّ شيئا من أخبارك، فإنّي مستوطن هذا الحرم و مقيم فيه أبدا ما رأيت أهله يحبّوني 2492 و ينصرونني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم.
قال: فبكى ابن عبّاس و ابن عمر، ثمّ ودّعهما فسارا إلى المدينة، و أقام
الحسين بمكّة قد لزم الصوم و الصلاة.
[اجتماع الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، و خطبة سليمان فيهم، و كتابهم إلى الحسين عليه السلام يدعونه بالمسير إليهم]
قال: و اجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فلمّا تكاملوا في منزله قام فيهم خطيبا، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ و آله، ثمّ ذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام فترحّم عليه و ذكر مناقبه الشريفة، ثمّ قال:
يا معشر الشيعة، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك و صار إلى ربّه، و قدم على عمله، و سيجزيه اللّه بما قدّم، و قد قعد في موضعه ابنه يزيد اللعين، و هذا الحسين بن عليّ قد خالفه و صار إلى مكّة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان، و أنتم شيعته و شيعة أبيه، و قد احتاج إلى نصرتكم، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه و مجاهد و عدوّه فاكتبوا إليه، و إن خفتم الوهن و الفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.
فقال القوم: بل نؤويه و ننصره و نقاتل عدوّه و نقتل أنفسنا بين يديه، فأخذ سليمان بذلك عليهم عهدا و ميثاقا انّهم لا يغدرون و لا ينكثون، ثمّ قال: اكتبوا إليه الآن كتابا من جماعتكم انّكم له كما ذكرتم، و سلوه القدوم عليكم.
فقالوا: أ فلا تكفينا أنت الكتاب إليه؟
فقال سليمان: لا، بل تكتب إليه جماعتكم.
قال: فكتب القوم إليه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم للحسين بن عليّ أمير المؤمنين من سليمان بن صرد و المسيّب بن نجبة و حبيب بن مظاهر و رفاعة بن شدّاد و عبد اللّه بن وأل و جماعة شيعته من
المؤمنين.
سلام عليك.
أمّا بعد:
فالحمد للّه الّذي قصم عدوّك و عدوّ أبيك من قبل الجبّار العنيد، الغشوم الظلوم، الّذي ابتزّ 2493 هذه الامّة أمرها، و غصبها فيئها، و تأمّر عليها بغير رضا منها، ثمّ قتل خيارها، و استبقى شرارها، و جعل مال اللّه دولة بين جبابرتها و عتاتها، فبعدا لهم كما بعدت ثمود، ثم إنّه قد بلغنا انّ ولده اللعين قد تأمّر على هذه الامّة بلا مشورة و لا إجماع، و بعد، فإنّا مقاتلون معك و باذلون أنفسنا من دونك، فأقبل إلينا فرحا مسرورا، أميرا مطاعا، إماما، خليفة مهديّا، فإنّه ليس علينا إمام و لا أمير إلّا النعمان بن بشير، و هو في قصر الامارة وحيد طريد، لا نجتمع معه في جمعة و لا جماعة، و لا نخرج معه إلى عيد، و لا نؤدّي إليه الخراج، يدعو فلا يجاب، و يأمر فلا يطاع، و لو بلغنا أنّك أقبلت إلينا لأخرجناه عنّا حتى يلحق بالشام، فأقبل إلينا فلعلّ اللّه تعالى يجمعنا بك على الحقّ، و السلام عليك يا ابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته.
ثمّ طووا الكتاب و ختموه و دفعوه إلى عبد اللّه بن سبيع الهمداني و عبد اللّه ابن مسمع بن بكري 2494 .