کتابخانه روایات شیعه
[جواب الحسين عليه السلام لأهل الكوفة]
فقام الحسين عليه السلام و تطهّر 2497 و صلّى ركعتين بين الركن و المقام، ثمّ انفتل من صلاته و سأل ربّه الخيرة، ثمّ كتب إلى أهل الكوفة:
من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين.
سلام عليكم.
أمّا بعد:
فإنّ هانئ بن هانئ و سعيد بن عبد اللّه قد ما عليّ من رسلكم، و قد فهمت ما اقتصصتم، و لست اقصّر عمّا أحببتم، و قد أرسلت إليكم أخي و ابن عمّي مسلم بن عقيل بن أبي طالب، و قد أمرت أن يكتب إليّ بحالكم و رأيكم، و هو متوجّه إلى ما قبلكم إن شاء اللّه، فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم فقوموا مع ابن عمّي و بايعوه و لا تخذلوه، فلعمري ما الامام العامل بالكتاب و العادل 2498 بالقسط كالّذي يحكم بغير الحقّ، جمعنا اللّه و إيّاكم على الهدى، و ألزمنا و إيّاكم كلمة التقوى، و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته 2499 .
فصل في إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة
[خروج مسلم بن عقيل من مكّة قاصدا المدينة و منها إلى الكوفة]
ثمّ دعا الحسين عليه السلام بمسلم بن عقيل رضي اللّه عنه و دفع إليه الكتاب و قال: إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة، و هذه كتبهم إليّ، و سيقضي اللّه من أمرك ما يحبّ و يرضى، و أنا أرجو أن أكون أنا و أنت في درجة الشهداء، فامض على بركة اللّه و عونه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها و ادع الناس إلى طاعتي، فإن رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حسب ذلك إن شاء اللّه تعالى.
قال: ثمّ عانقه الحسين و بكيا جميعا، و كان الحسين عليه السلام ينظر إلى مصرعه، فخرج مسلم من مكّة قاصدا المدينة مستخفيا لئلّا يعلم به بنو اميّة، فلمّا دخل المدينة بدأ بمسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فصلّى عنده، ثمّ أقبل 2500 في جوف الليل، فودّع أهل بيته، ثمّ استأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق، و يمضيان به إلى الكوفة على غير الجادّة، فخرج الدليلان به من المدينة ليلا و سارا فأضلّا الطريق، و اشتدّ بهما العطش فماتا عطشا، و سار 2501 مسلم و من معه إلى الماء و قد كادوا أن يهلكوا عطشا،
[كتاب مسلم إلى الحسين عليه السلام و جوابه]
فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام:
[بسم اللّه الرحمن الرحيم] 2502 أمّا بعد:
فإنّي خرجت من المدينة ليلا مع دليلين استأجرتهما فضلّا عن الطريق و اشتدّ بهما العطش فماتا، ثمّ صرنا إلى الماء بعد ذلك- و قد كدنا نهلك- و أصبنا الماء بموضع يقال له «المضيق» و قد تطيّرت من وجهي، فرأيك في إعفائي.
فعلم الحسين عليه السلام أنّه قد تشأّم و تطيّر، فكتب إليه:
[بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى مسلم بن عقيل] 2503 أمّا بعد:
فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ و الاستعفاء من وجهك إلّا الجبن و الفشل، فامض لما امرت به.
فلمّا وصل الكتاب إليه وجد همّا و حزنا في نفسه، ثمّ قال: لقد نسبني أبو عبد اللّه إلى الجبن، ثمّ سار مسلم حتى دخل الكوفة. 2504
[كتاب الحسين عليه السلام إلى أشراف البصرة]
و كتب الحسين عليه السلام كتابا إلى أشراف البصرة مع مولى له يقال له سليمان و يكنّى أبا رزين يدعوهم فيه إلى نصرته و لزوم طاعته؛ منهم: يزيد بن مسعود النهشلي، و المنذر بن الجارود العبدي، فجمع يزيد بن مسعود بني تميم و بني حنظلة و بني سعد، فلمّا حضروا قال: يا بني تميم، كيف ترون موضعي فيكم، و حسبي منكم؟
قالوا: بخّ بخّ، أنت و اللّه فقرة الظهر، و رأس الفخر، حللت في الشرف وسطا، و تقدّمت فيه فرطا.
قال: فإنّي قد جمعتكم لأمر اريد أن اشاوركم فيه و أستعين بكم عليه.
فقالوا: و اللّه إنّا نمنحك النصيحة، و نجهد لك الرأي، فقل نسمع.
فقال: إنّ معاوية مات فأهون به هالكا مفقودا، و إنّه قد انكسر باب 2505 الجور، و تضعضعت أركان الظلم، و قد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظنّ أنّه قد أحكمه، و هيهات بالّذي أراد، اجتهد إليه ففشل، و شاور فخذل، و قد قام يزيد- شارب الخمر و رأس الفجور- يدّعي الخلافة على المسلمين، و يتأمّر عليهم، مع قصر حلم، و قلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه، فاقسم باللّه قسما مبرورا انّ الجهاد في الدين أفضل من جهاد المشركين.
و هذا الحسين بن عليّ ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ذو الشرف الأصيل و الرأي الأثيل، [له] 2506 فضل لا يوصف، و علم لا ينزف، و هو أولى بهذا الأمر لسابقته و سنّه و قدمه و قرابته، يعطف على الصغير، و يحنو على الكبير، فأكرم به راعي رعيّة، و إمام قوم وجبت للّه به الحجّة، و بلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحقّ، و لا تسكّعوا 2507 في وهدة الباطل، فقد كان صخر بن قيس قد انخذل 2508 بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نصرته، و اللّه لا يقصّر أحد عن نصرته إلّا أورثه اللّه الذلّ في ولده،
و القلّة في عشيرته، و ها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، و أدرعت لها بدرعها، من لم يقتل يمت، و من يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم اللّه في ردّ الجواب.
فتكلّمت بنو حنظلة، فقالوا: يا أبا خالد، نحن نبل كنانتك، و فرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، و إن غزوت بنا فتحت، لا تخوض و اللّه غمرة إلّا خضناها، و لا تلقى و اللّه شدّة إلّا لقيناها، نصول 2509 بأسيافنا، و نقيك بأبداننا.
و تكلّمت بنو سعد بن زيد، فقالوا: يا أبا خالد، إنّ أبغض الأشياء إلينا مخالفتك و الخروج من رأيك 2510 ، و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا و بقي عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة و يأتيك رأينا.
و تكلّمت بنو عامر بن تميم، فقالوا: يا أبا خالد، نحن بنو أبيك و خلفاؤك 2511 ، و لا نرضى إن غضبت، و لا نقطن إن ضعنت، و الأمر إليك، فادعنا نجبك، و أمرنا نطعك، و الأمر لك إذا شئت.
[جواب يزيد بن مسعود النهشلي للحسين عليه السلام]
فقال: و اللّه يا بني سعد، لئن فعلتموها لا رفع اللّه السيف عنكم أبدا، و لا زال سيفكم فيكم. ثمّ كتب إلى الحسين عليه السلام:
بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد:
فقد وصل إليّ كتابك، و فهمت ما ندبتني إليه و دعوتني له بالأخذ بحظّي من طاعتك، و الفوز بنصيبي من نصرتك، و أنّ اللّه لم يخل الأرض قطّ من عامل
عليها بخير، أو دليل على سبيل نجاة، و أنتم حجّة اللّه على الخلق و وديعته في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة، هو أصلها، و أنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم و تركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها، و قد ذلّلت لك بني سعد و غسلت درك صدورها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها يلمع 2512 .
فلمّا قرأ الحسين عليه السلام الكتاب، قال: مالك آمنك اللّه يوم الخوف، و أعزّك و أرواك يوم العطش، فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير، فجزع 2513 من انقطاعه عنه.
و أمّا المنذر بن الجارود خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد اللّه بن زياد، و كانت بحرية ابنة المنذر بن الجارود تحت عبيد اللّه بن زياد فأخذ المنذر الرسول و الكتاب و أتى به إلى عبيد اللّه بن زياد فقتله، ثمّ صعد المنبر فخطب و توعّد الناس من أهل البصرة على الخلاف و إثارة الإرجاف.
[دخول مسلم الكوفة و اختلاف الناس إليه]
ثمّ بات تلك الليلة، فلمّا أصبح استناب أخاه عثمان بن زياد على البصرة، و أسرع هو إلى الكوفة 2514 . و لمّا دخل مسلم الكوفة- و كان قبل وصول ابن زياد إليها- نزل في دار مسلم 2515 بن المسيّب، و هي دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي.
قال: و جعلت الشيعة تختلف إليه و هو يقرأ عليهم كتاب الحسين عليه
السلام، و القوم يبكون شوقا منهم إلى مقدم الحسين عليه السلام، ثم تقدّم إلى مسلم رجل من همذان يقال له عابس الشاكري، فقال:
أمّا بعد، فإنّي لا اخبرك عن الناس بشيء، فإنّي لا أعلم ما في أنفسهم، و لكنّي اخبرك عمّا أنا موطّن عليه نفسي، و اللّه لأجيبنّكم إذا دعوتم، و لاقاتلنّ معكم عدوّكم، و لأضربنّ بسيفي دونكم حتى ألقى اللّه، لا اريد بذلك إلّا ما عنده.
ثمّ قام حبيب بن مظاهر الأسدي الفقعسي، فقال: أنا و اللّه الّذي لا إله إلّا هو على مثل ما أنت عليه.
قال: و تتابعت الشيعة على كلام هذين الرجلين، ثمّ بذلوا لمسلم الأموال، فلم يقبل منها 2516 شيئا.
[خطبة النعمان بن بشير في الناس بعد سماعه بقدوم مسلم]
قال: و بلغ النعمان بن بشير قدوم مسلم و اجتماع الشيعة إليه و هو يومئذ أمير الكوفة، فخرج من قصر الامارة مغضبا حتى دخل المسجد الأعظم، فنادى في الناس و صعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: