کتابخانه روایات شیعه
و القلّة في عشيرته، و ها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، و أدرعت لها بدرعها، من لم يقتل يمت، و من يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم اللّه في ردّ الجواب.
فتكلّمت بنو حنظلة، فقالوا: يا أبا خالد، نحن نبل كنانتك، و فرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، و إن غزوت بنا فتحت، لا تخوض و اللّه غمرة إلّا خضناها، و لا تلقى و اللّه شدّة إلّا لقيناها، نصول 2509 بأسيافنا، و نقيك بأبداننا.
و تكلّمت بنو سعد بن زيد، فقالوا: يا أبا خالد، إنّ أبغض الأشياء إلينا مخالفتك و الخروج من رأيك 2510 ، و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا و بقي عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة و يأتيك رأينا.
و تكلّمت بنو عامر بن تميم، فقالوا: يا أبا خالد، نحن بنو أبيك و خلفاؤك 2511 ، و لا نرضى إن غضبت، و لا نقطن إن ضعنت، و الأمر إليك، فادعنا نجبك، و أمرنا نطعك، و الأمر لك إذا شئت.
[جواب يزيد بن مسعود النهشلي للحسين عليه السلام]
فقال: و اللّه يا بني سعد، لئن فعلتموها لا رفع اللّه السيف عنكم أبدا، و لا زال سيفكم فيكم. ثمّ كتب إلى الحسين عليه السلام:
بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد:
فقد وصل إليّ كتابك، و فهمت ما ندبتني إليه و دعوتني له بالأخذ بحظّي من طاعتك، و الفوز بنصيبي من نصرتك، و أنّ اللّه لم يخل الأرض قطّ من عامل
عليها بخير، أو دليل على سبيل نجاة، و أنتم حجّة اللّه على الخلق و وديعته في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة، هو أصلها، و أنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم و تركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها، و قد ذلّلت لك بني سعد و غسلت درك صدورها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها يلمع 2512 .
فلمّا قرأ الحسين عليه السلام الكتاب، قال: مالك آمنك اللّه يوم الخوف، و أعزّك و أرواك يوم العطش، فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير، فجزع 2513 من انقطاعه عنه.
و أمّا المنذر بن الجارود خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد اللّه بن زياد، و كانت بحرية ابنة المنذر بن الجارود تحت عبيد اللّه بن زياد فأخذ المنذر الرسول و الكتاب و أتى به إلى عبيد اللّه بن زياد فقتله، ثمّ صعد المنبر فخطب و توعّد الناس من أهل البصرة على الخلاف و إثارة الإرجاف.
[دخول مسلم الكوفة و اختلاف الناس إليه]
ثمّ بات تلك الليلة، فلمّا أصبح استناب أخاه عثمان بن زياد على البصرة، و أسرع هو إلى الكوفة 2514 . و لمّا دخل مسلم الكوفة- و كان قبل وصول ابن زياد إليها- نزل في دار مسلم 2515 بن المسيّب، و هي دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي.
قال: و جعلت الشيعة تختلف إليه و هو يقرأ عليهم كتاب الحسين عليه
السلام، و القوم يبكون شوقا منهم إلى مقدم الحسين عليه السلام، ثم تقدّم إلى مسلم رجل من همذان يقال له عابس الشاكري، فقال:
أمّا بعد، فإنّي لا اخبرك عن الناس بشيء، فإنّي لا أعلم ما في أنفسهم، و لكنّي اخبرك عمّا أنا موطّن عليه نفسي، و اللّه لأجيبنّكم إذا دعوتم، و لاقاتلنّ معكم عدوّكم، و لأضربنّ بسيفي دونكم حتى ألقى اللّه، لا اريد بذلك إلّا ما عنده.
ثمّ قام حبيب بن مظاهر الأسدي الفقعسي، فقال: أنا و اللّه الّذي لا إله إلّا هو على مثل ما أنت عليه.
قال: و تتابعت الشيعة على كلام هذين الرجلين، ثمّ بذلوا لمسلم الأموال، فلم يقبل منها 2516 شيئا.
[خطبة النعمان بن بشير في الناس بعد سماعه بقدوم مسلم]
قال: و بلغ النعمان بن بشير قدوم مسلم و اجتماع الشيعة إليه و هو يومئذ أمير الكوفة، فخرج من قصر الامارة مغضبا حتى دخل المسجد الأعظم، فنادى في الناس و صعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال:
أمّا بعد، يا أهل الكوفة، اتّقوا اللّه ربّكم و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة، فإنّ فيها سفك الدماء، و قتل الرجال، و ذهاب الأموال، و اعلموا أنّي لست اقاتل إلّا من قاتلني، و لا أثب إلّا من وثب عليّ، و لا انبّه نائمكم، فإن أنتم انتهيتم عن ذلك و رجعتم و إلّا فو اللّه الّذي لا إله إلّا هو لأضربنّكم بسيفي ما بقي قائمه في يدي 2517 ، و لو لم يكن منكم ناصر، إنّي أرجو أن يكون من يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يريد الباطل.
[كتاب عبد اللّه بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم إلى الكوفة و حثّه على استبدال عامله على الكوفة]
فقام إليه عبد اللّه بن مسلم 2518 بن سعيد الحضرمي فقال: أيّها الأمير، إنّ هذا الّذي 2519 أنت عليه من رأيك إنّما هو رأي المستضعفين.
فقال له النعمان بن بشير: يا هذا، و اللّه لأن أكون مستضعفا 2520 في طاعة اللّه تعالى أحبّ إليّ من أن أكون من الغاوين في معصية اللّه، ثمّ نزل عن المنبر، و دخل القصر، فكتب عبد اللّه بن مسلم 2521 إلى يزيد لعنه اللّه:
[بسم اللّه الرحمن الرحيم] 2522 لعبد اللّه يزيد أمير المؤمنين من شيعته من أهل الكوفة.
أمّا بعد:
إنّ مسلم بن عقيل قدم الكوفة، و قد بايعته الشيعة للحسين عليه السلام و هم خلق كثير، فإن كانت لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ينفّذ فيها أمرك، و يعمل فيها كعملك في عدوّك، فإنّ النعمان بن بشير ضعيف أو هو مستضعف 2523 ، و السلام.
[كتاب يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد يولّيه فيه على الكوفة]
و كتب إليه عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط و عمر بن سعد بن أبي وقّاص بمثل ذلك، فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد لعنه اللّه دعا بغلام كان لأبيه يقال له سرجون فأعلمه بما ورد عليه، فقال له: اشير عليك بما تكره.
قال: و إن كرهت.
قال: استعمل عبيد اللّه بن زياد على الكوفة.
قال: إنّه لا خير فيه- و كان يزيد يبغضه- فأشر بغيره، فقال: لو كان معاوية حاضرا أ كنت تقبل منه؟
قال: نعم.
قال: فهذا عهد عبيد اللّه على الكوفة، أمرني معاوية أن أكتبه فكتبته و خاتمه عليه، فمات و بقي العهد عندي.
قال: ويحك قد أمضيته 2524 ، ثمّ كتب:
من عبد اللّه يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد.
سلام عليك.
أمّا بعد:
فإنّ الممدوح مسبوب يوما، و المسبوب ممدوح يوما، و لك مالك، و عليك ما عليك، و قد انتميت و نميت إلى كلّ منصب، كما قال الأوّل:
رفعت فجاوزت السحاب برفعة
فمالك إلّا مقعد الشمس مقعد
و قد ابتلي زمانك بالحسين من بين الأزمان، و ابتلي [به] 2525 بلدك من دون البلدان، و ابتليت به من بين العمّال، و في هذه تعتق أو تكون عبدا تعبد كما تعبد العبيد، و قد أخبرتني شيعتي من أهل الكوفة انّ مسلم بن عقيل في الكوفة يجمع الجموع، و يشقّ عصا المسلمين، و قد اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي
تراب، فإذا أتاك كتابي هذا فسرحين تقرأه حتى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها فقد ضممتها إليك، و جعلتها زيادة في عملك، فاطلب مسلم بن عقيل طلب الخرز، فإذا ظفرت به فخذ بيعته أو اقتله إن لم يبايع، و اعلم أنّه لا عذر لك عندي دون ما أمرتك، فالعجل العجل، الوحاء 2526 الوحاء، و السلام.
[مسير ابن زياد إلى الكوفة]
ثمّ دفع الكتاب إلى مسلم بن عمرو الباهلي و أمره أن يسرع [السير إلى عبيد اللّه] 2527 ، فلمّا ورد الكتاب على ابن زياد و قرأه أمر بالجهاز و تهيّأ للمسير و قد كان الحسين قد كتب إلى أهل البصرة كما أشرنا أوّلا.
فسار و في صحبته مسلم بن عمرو الباهلي، و المنذر بن جارود، و شريك ابن عبد اللّه الهمداني، فلمّا وصل قريب الكوفة نزل، فلمّا أمسى دعا بعمامة سوداء فاعتمّ بها متلثّما، ثمّ تقلّد سيفه، و توشّح قوسه، و أخذ في يده قضيبا، و استوى على بغل له، و ركب معه أصحابه، و أقبل حتى دخل من طريق البادية، و ذلك في ليلة مقمرة و الناس متوقّعون قدوم الحسين عليه السلام، و هم لا يشكّون انّه الحسين فهم يمشون بين يديه و يقولون: مرحبا بك يا ابن رسول اللّه، قدمت خير مقدم.
فرأى عبيد اللّه بن زياد من إرادة 2528 الناس بالحسين ما ساءه، فسكت و لم يكلّمهم، فتكلّم مسلم بن عمرو الباهلي، و قال: إليكم عن الأمير يا ترابيّة، فليس هذا من تظنّون، هذا عبيد اللّه بن زياد.
فتفرّق الناس عنه، و تحصّن النعمان بن بشير و هو يظنّه الحسين، فجعل
يناشده اللّه و الفتنة، و هو ساكت من وراء الحائط، ثمّ قال له: افتح الباب عليك لعنة اللّه، و سمعها جماعة، فصاحوا: ابن مرجانة و اللّه، و فتح الباب، و تفرّق الناس، و نودي بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج ابن زياد و قام خطيبا، و قال: إنّ أمير المؤمنين يزيد ولّاني مصركم و ثغركم، و أمرني بإنصاف المظلوم منكم، و إعطاء محرومكم، و الاحسان إلى سامعكم، و الشدّة على مريبكم، و أنا متّبع أمره، و منفّذ فيكم عهده، فأنا لمحبّكم و مطيعكم كالوالد البارّ، و سيفي و سوطي على من ترك أمري.
و سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد و مقالته، فانتقل عن موضعه حتى أتى دار هانئ بن عروة المذحجي 2529 ، فدخل، ثمّ أرسل إليه: إنّي أتيتك لتجيرني و تؤويني لأنّ ابن زياد قدم الكوفة، فاتّقيته على نفسي، فخرج إليه هانئ و قال: لقد كلّفتني شططا، و لو لا دخولك [داري] 2530 لأحببت أن تنصرف عنّي، غير أنّي أجد ذلك عارا عليّ أن يكون رجلا أتاني مستجيرا فلا اجيره، انزل على بركة اللّه.