کتابخانه روایات شیعه
قال: و إن كرهت.
قال: استعمل عبيد اللّه بن زياد على الكوفة.
قال: إنّه لا خير فيه- و كان يزيد يبغضه- فأشر بغيره، فقال: لو كان معاوية حاضرا أ كنت تقبل منه؟
قال: نعم.
قال: فهذا عهد عبيد اللّه على الكوفة، أمرني معاوية أن أكتبه فكتبته و خاتمه عليه، فمات و بقي العهد عندي.
قال: ويحك قد أمضيته 2524 ، ثمّ كتب:
من عبد اللّه يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد.
سلام عليك.
أمّا بعد:
فإنّ الممدوح مسبوب يوما، و المسبوب ممدوح يوما، و لك مالك، و عليك ما عليك، و قد انتميت و نميت إلى كلّ منصب، كما قال الأوّل:
رفعت فجاوزت السحاب برفعة
فمالك إلّا مقعد الشمس مقعد
و قد ابتلي زمانك بالحسين من بين الأزمان، و ابتلي [به] 2525 بلدك من دون البلدان، و ابتليت به من بين العمّال، و في هذه تعتق أو تكون عبدا تعبد كما تعبد العبيد، و قد أخبرتني شيعتي من أهل الكوفة انّ مسلم بن عقيل في الكوفة يجمع الجموع، و يشقّ عصا المسلمين، و قد اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي
تراب، فإذا أتاك كتابي هذا فسرحين تقرأه حتى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها فقد ضممتها إليك، و جعلتها زيادة في عملك، فاطلب مسلم بن عقيل طلب الخرز، فإذا ظفرت به فخذ بيعته أو اقتله إن لم يبايع، و اعلم أنّه لا عذر لك عندي دون ما أمرتك، فالعجل العجل، الوحاء 2526 الوحاء، و السلام.
[مسير ابن زياد إلى الكوفة]
ثمّ دفع الكتاب إلى مسلم بن عمرو الباهلي و أمره أن يسرع [السير إلى عبيد اللّه] 2527 ، فلمّا ورد الكتاب على ابن زياد و قرأه أمر بالجهاز و تهيّأ للمسير و قد كان الحسين قد كتب إلى أهل البصرة كما أشرنا أوّلا.
فسار و في صحبته مسلم بن عمرو الباهلي، و المنذر بن جارود، و شريك ابن عبد اللّه الهمداني، فلمّا وصل قريب الكوفة نزل، فلمّا أمسى دعا بعمامة سوداء فاعتمّ بها متلثّما، ثمّ تقلّد سيفه، و توشّح قوسه، و أخذ في يده قضيبا، و استوى على بغل له، و ركب معه أصحابه، و أقبل حتى دخل من طريق البادية، و ذلك في ليلة مقمرة و الناس متوقّعون قدوم الحسين عليه السلام، و هم لا يشكّون انّه الحسين فهم يمشون بين يديه و يقولون: مرحبا بك يا ابن رسول اللّه، قدمت خير مقدم.
فرأى عبيد اللّه بن زياد من إرادة 2528 الناس بالحسين ما ساءه، فسكت و لم يكلّمهم، فتكلّم مسلم بن عمرو الباهلي، و قال: إليكم عن الأمير يا ترابيّة، فليس هذا من تظنّون، هذا عبيد اللّه بن زياد.
فتفرّق الناس عنه، و تحصّن النعمان بن بشير و هو يظنّه الحسين، فجعل
يناشده اللّه و الفتنة، و هو ساكت من وراء الحائط، ثمّ قال له: افتح الباب عليك لعنة اللّه، و سمعها جماعة، فصاحوا: ابن مرجانة و اللّه، و فتح الباب، و تفرّق الناس، و نودي بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج ابن زياد و قام خطيبا، و قال: إنّ أمير المؤمنين يزيد ولّاني مصركم و ثغركم، و أمرني بإنصاف المظلوم منكم، و إعطاء محرومكم، و الاحسان إلى سامعكم، و الشدّة على مريبكم، و أنا متّبع أمره، و منفّذ فيكم عهده، فأنا لمحبّكم و مطيعكم كالوالد البارّ، و سيفي و سوطي على من ترك أمري.
و سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد و مقالته، فانتقل عن موضعه حتى أتى دار هانئ بن عروة المذحجي 2529 ، فدخل، ثمّ أرسل إليه: إنّي أتيتك لتجيرني و تؤويني لأنّ ابن زياد قدم الكوفة، فاتّقيته على نفسي، فخرج إليه هانئ و قال: لقد كلّفتني شططا، و لو لا دخولك [داري] 2530 لأحببت أن تنصرف عنّي، غير أنّي أجد ذلك عارا عليّ أن يكون رجلا أتاني مستجيرا فلا اجيره، انزل على بركة اللّه.
و جعل عبيد اللّه يسأل عن مسلم و لا يجد أحدا يرشده إليه، و جعلت الشيعة تختلف إلى مسلم في دار هانئ و يبايعونه للحسين سرّا، و مسلم بن عقيل يكتب أسماءهم عنده و يأخذ عليهم العهود ألّا ينكثوا و لا يغدروا حتى بايعه أكثر من عشرين ألفا، و همّ مسلم أن يثب بعبيد اللّه بن زياد فمنعه هانئ، و قال: جعلت فداك، لا تعجل فإنّ العجلة لا خير فيها.
و دعا عبيد اللّه مولى له يقال له معقل، و قال له: هذه ثلاثة آلاف 2531 درهم خذها إليك و التمس مسلم بن عقيل حيث ما كان من الكوفة، فإذا علمت 2532 موضعه فادخل عليه و أعلمه أنّك من الشيعة و على مذهبه، و ادفع إليه هذه الدراهم، و قل: استعن بها على عدوّك، فإنّك إذا دفعت إليه الدراهم وثق و لم يكتمك من أمره شيئا، ثمّ اغد عليّ بالأخبار.
فأقبل معقل حتى دخل المسجد الأعظم، فنظر إلى رجل من الشيعة يقال له مسلم بن عوسجة، فجلس إليه، ثمّ قال: يا عبد اللّه، أنا رجل من أهل الشام غير أنّي احبّ أهل هذا البيت، و معي ثلاثة آلاف درهم أحببت أن أدفعها إلى رجل بلغني انّه قدم إلى بلدكم هذا ليأخذ البيعة لابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإن رأيت أن تدلّني عليه حتى أدفع إليه المال الّذي معي و ابايعه، و إن شئت فخذ بيعتي قبل أن تدخلني 2533 عليه.
قال: فظنّ مسلم أنّ القول على ما يقوله: فأخذ عليه الأيمان المغلّظة و العهود انّه ناصح و يكون عونا لابن عقيل على ابن زياد، و أعطاه معقل من العهود ما وثق به مسلم بن عوسجة.
و كان شريك بن عبد اللّه الأعور الهمداني قد نزل في دار هانئ 2534 ، و كان يرى رأي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و حكى معجزاته عليه السلام، ثمّ مرض شريك في دار هانئ و عزم ابن زياد أن يصير إليه، و دعا شريك مسلما
بن عقيل، و قال له: غدا يأتيني هذا الفاسق عائدا، و إنّي اشاغله بالكلام فاخرج عليه و اقتله، و اجلس في قصر الامارة، و إن أنا عشت فسأكفيك أمر البصرة، ثمّ جاء ابن زياد حين أصبح عائدا شريك فجعل يسأله، فهمّ مسلم بن عقيل أن يخرج عليه فيقتله، فمنعه هانئ عن الخروج، و قال: في داري نسوة و صبية، و إنّي لا آمن الحدثان، و جعل شريك يقول:
ما الانتظار بسلمى أن تحيّيها
حيّ سليمى و حيّ من يحيّيها
هل شربة عندها اسقى على ظمأ
و إن تلفت و كانت منيتي فيها 2535
فقال ابن زياد: ما يقول الشيخ؟
فقيل: إنّه مبرسم 2536 ، فوقع في قلب ابن زياد أمر، فركب من فوره و رجع إلى القصر، و خرج مسلم بن عقيل إلى شريك من داخل البيت، فقال: ما منعك من الخروج إلى الفاسق و قد أمرتك بقتله؟ فقال: [منعني من ذلك] 2537 حديث سمعته من عمّي عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: لا إيمان لمن قتل بالغدر مسلما 2538 ، فلم احبّ أن أقتله به في منزل هذا الرجل.
فقال شريك: أما لو قتلته قتلت فاسقا فاجرا منافقا كافرا.
قال: فلم يلبث 2539 شريك بعدها إلّا ثلاثا حتى مات رحمه اللّه، و كان من خيار الشيعة و عبّادها، و كان يكتم الايمان تقيّة.
و خرج ابن زياد فصلّى على شريك و رجع إلى القصر، فلمّا كان من الغد أقبل معقل على مسلم بن عوسجة و قال: إنّك كنت وعدتني أن تدخلني على هذا الرجل لأدفع إليه هذا المال فما الّذي بدا لك؟
فقال: إنّا اشتغلنا بموت هذا الرجل و كان من خيار الشيعة.
فقال معقل: أو مسلم بن عقيل في دار هانئ؟
قال: نعم.
قال: قم بنا إليه حتى أدفع إليه هذا المال، فأخذ بيده و أدخله على مسلم، فرحّب به و أدناه، و أخذ بيعته و أمر بقبض ما معه من المال، و أقام معقل في دار هانئ بقيّة يومه حتى أمسى، ثمّ أتى ابن زياد فخبّره الخبر، فبقي ابن زياد متعجّبا لذلك، ثمّ قال لمعقل: اختلف كلّ يوم إلى مسلم و لا تنقطع عنه فإنّك إن قطعته استراب و خرج من منزل هانئ فالقى في طلبه عناء.
ثمّ دعا ابن زياد محمد بن الأشعث لعنه اللّه و أسماء بن خارجة الفزاري و عمرو بن الحجّاج، و كانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ، فقال ابن زياد:
خبّروني ما الّذي يمنع هانئ من المصير إلينا؟
فقالوا: أصلح اللّه الأمير، إنّه مريض.
فقال ابن زياد: إنّه كان مريضا غير أنّه برأ، و جلس على باب داره، فلا عليكم أن تصيروا إليه و تأمروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقّنا.
فقالوا: نفعل ذلك، فبينا عبيد اللّه بن زياد مع هؤلاء القوم في المحاورة إذ دخل عليه رجل من أصحابه يقال له مالك بن يربوع التميمي، فقال: أصلح اللّه الأمير، إنّي كنت خارج الكوفة أجول على فرسي إذ نظرت إلى رجل خرج من الكوفة مسرعا يريد البادية فأنكرته، ثمّ إنّي لحقته و سألته عن حاله، فذكر انّه من أهل المدينة، ثمّ نزلت عن فرسي ففتّشته، فأصبت معه هذا الكتاب، فأخذه ابن زياد ففضّه فإذا فيه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى الحسين بن علي.
أمّا بعد:
فإنّي اخبرك انّه بايعك من أهل الكوفة نيّفا على عشرين ألف رجل، فإذا أتاك كتابي فالعجل العجل، فإنّ الناس كلّهم معك، و ليس لهم في يزيد هوى.
فقال ابن زياد: أين هذا الرجل الّذي أصبت 2540 معه الكتاب؟
قال: هو بالباب.
فقال: ائتوني به، فلمّا وقف بين يديه، قال: ما اسمك؟
قال: عبد اللّه بن يقطين 2541 .
قال: من دفع إليك هذا الكتاب؟