کتابخانه روایات شیعه
علما و فهما و صدقا و ورعا.
[جواب يزيد على كتاب عبيد اللّه بن زياد]
قال: فلمّا ورد الكتاب و الرأسان على يزيد لعنه اللّه أمر بالرأسين فنصبا على باب دمشق، ثمّ كتب إلى ابن زياد:
أمّا بعد:
فإنّك عملت عمل الحازم، و صلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد كفيت و وفيت، و قد سألت رسوليك فوجدتهما كما زعمت، و قد أمرت لكلّ واحد منهما بعشرة آلاف درهم و سرّحتهما إليك، فاستوص بهما خيرا، و قد بلغني انّ الحسين قد عزم على المصير إلى العراق، فضع المراصد و المناظر و المسالح و احترس، و احبس على الظنّ، و اقتل على التهمة، و اكتب إليّ بذلك كلّ يوم بما يحدث من خبر 2592 .
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: يا من بذل نفسه في طاعة ربّه و وليّ أمره، و أجهد جهده في جهاد أعداء اللّه في علانيته و سرّه، و كشف عن ساق في طلب السعادة الباقية، و شمّر عن ساعد لتحصيل الدرجة العالية، حزني عليك أقلقني، و ما اسدي إليك أرّقني، و دمعي لما أصابك أغرقني، و وجدي لمصابك أحرقني، أدّيت الأمانة جاهدا، و بذلت النفس مجاهدا، صابرا على ما أصابك في جنب اللّه، مصابرا بقلبك و قالبك أعداء اللّه، لم تضرع و لم تفشل، و لم تهن و لم تنكل، بل قابلت الأعداء بشريف طلعتك، و قاتلت الأشقياء بشدّة عزمتك.
عاهدوك و غدروا، و أخلفوك و كفروا، و استحبّوا العمى على الهدى، و اختاروا الدنيا على الاخرى، فطوّقهم اللّه بذلك أطواق العار، و أعدلهم بقتالك
أطباق النار، و جعلهم ضرام وقودها، و طعام حديدها، و أفراط جنودها، فلقد حقّت عليهم كلمة العذاب بخذلانهم إيّاك، و نكصوا على الأعقاب إذ استبدلوا بك سواك.
فأبعد بالكوفة و ساكنيها، و أهاليها و قاطنيها، فليست واقعتك بأعظم من واقعة عمّك و قتله في محرابه، و لا خذلك بأعظم من خذل الزكيّ و غدر أصحابه، و لا نقض عهدك بأقبح من نقض عهد المقتول بين خاصّتهم و عامّتهم، و لا خفر ذمّتك بأشنع من خفر ذمّة المصلوب بكناستهم.
فلقد غدروا بعد مواثيقهم و أيمانهم، و كفروا بعد تظاهرهم بإيمانهم، فحرمهم اللّه ريح الجنّة، و طوّقهم أطواق اللعنة، و رمى مصرهم بالذلّ الشامل، و الخزي الكامل، و السيف القاطع، و العذاب الواقع، ليس له من اللّه من دافع 2593 ، حتى صارت حصيدا كأن لم تغن بالأمس 2594 ، و براحا خالية من الإنس، للبوم في أرجائها تغريد، و للوحش في عراصها تطريد، و أهلها عباديد 2595 في الأقطار، و متفرّقون في الأمصار، قد أذاقهم اللّه الخزي في الحياة الدنيا و لهم في الآخرة عذاب النار.
لمّا خذلوا الحقّ و أهله، و استرهبوا الجهاد و فضله، و آثروا الدعة و الراحة، و استشعروا السفاهة و الوقاحة، سلّط اللّه عليهم شرّ خليقته، و أدنى بريّته، نجل سميّة الزانية، و زعيم العصابة الباغية، ثمّ قفّاه بالخصيم الألدّ، و الكفور الأشدّ، الغيّ يظلّه عن التعريف، ألأم نغل من ثقيف، الذّيال الميّال،
المغتال القتّال، السفّاك الفتّاك، الهتّاك الأفّاك، فداسهم دوس السنبل و ذراهم ذرى الحبّ كما قال فيه بعض عارفيه: جاءنا أعمش اختفش ارحميمة برجلها و أخرج إلينا ثيابا قصارا، و اللّه ما عرق فيها عنان في سبيل اللّه، فقال: بايعوني فبايعناه، و في هذه الأعواد ينظر إلينا بالتصغير، و ننظر إليه بالتعظيم، يأمرنا بالمعروف و نجيبه، و ينهانا عن المنكر و نرتكبه، فاستعبد أحرارهم، و أباد خيارهم، و أذلّ بالتسخير رجالهم، و أيتم بفتكه أطفالهم، فتفرّقوا أيادي سبأ، و اتّخذوا سبيلهم في الأرض سربا.
فانظر إلى فروع اصولها في زمانك، و نتائج مقدّماتها في أوانك، هل ترهم إلّا بين شرطيّ ذميم، أو عتلّ زنيم، أو ممسك لئيم، أو معتد أثيم؟
بغض ذرّيّة الرسول في جبلتهم مركوز، و التغامز عليهم بالحواجب في طبيعتهم مرموز، يقصدونهم في أنفسهم و أموالهم، و يهضمونهم بأقوالهم و أفعالهم، و يتجسّسون على عوراتهم، و يتّبعون عثراتهم، و بالأعين عليهم يتلامزون، و إذا مرّوا بهم يتغامزون، إن رأوا فضيلة من فضائلهم كتموها، و إن بدرت منهم صغيرة أكبروها، يغرون بهم سفاءهم، و ينصرون عليهم أعداءهم، أتباع كلّ ناعق، و أشياع كلّ مارق، لا يستضيؤون بنور العلم، و لا يترتّبون برتبة الحلم، يدّعون حبّ ذرّيّة نبيّهم، و صفحات وجوههم تنطق بتكذيبهم، و يظهرون النصيحة لعترة وليّهم، و يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤذون الجار، و يهضمون الأخيار، و يعظّمون الأشرار، و يحسدون على ربع دينار.
و لقد أقمت فيهم مدّة، و صحبت منهم عدّة، و عمّرت المساكن المونقة، و غرست الحدائق المغدقة، أكثر. 2596 . سوادهم، و لا آكل زادهم، اكافي على الحسنة بعشر أمثالها، و اجازي بالهديّة أضعاف أثقالها، و أتعفّف عن ولائمهم،
و أتصلّف عن مطاعمهم، حذرا من مننهم، و تقصّيا عن نعمتهم، كما قال الأوّل:
فلا ذا يراني واقفا في طريقه
و لا ذا يراني جالسا عند بابه
فنصبوا حبائل حسدهم قصدا لوقوعي، و أوفوا قواتل سمومهم ليجتاحوا أصلي و فروعي، و أطلعني ربّي على فساد ضمائرهم، و خبث سرائرهم، فاتّخذت الليل سترا، و فصلت عن قراري سرّا، قد أذهل الخوف لبّي، و أرجف الوجل قلبي، ملتفتا إلى ما خلفي، قد أحال الفرق لوني و غيّر وضعي، قائلا:
رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 2597 ، و لا تجعلني فتنة للقوم الكافرين 2598 ، عامدا أفضل مشهد، و أكرم مرقد، و خير صعيد، و أفخر شهيد، سيّد الشهداء، و أشرف أولاد الأنبياء، صاحب كربلاء، حتى إذا استقرّت فيّ الدار، و أمنت البوار، خمدت مسراي عند الصباح، و جعلت مثواي حضرة خامس الأشباح، و اتّخذت بلدته موطنا و مستقرّا، و نزلا مستمرّا، و هلمّ جرّا، و تلوت: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى 2599 .
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في الحسين عليه السلام]
و لمّا سئمت صحبتهم، و قلوت جبلتهم، جعلت أشرح ما صدر لي عنهم، و اوضح ما تمّ عليّ منهم، بسحر حلال من شعري، و راتق زلال من نثري.
فمن جملة ذلك أبيات من جملة قصيدة مطوّلة قلتها حين فررت، و نظمت فيها ما ذكرت، و أوردت ما تمّ على السيّد المجيد، و السبط الشهيد، عليه أفضل الصلوات، و أكمل التحيّات:
كربلا كم فيك من شيب خضي
بدم النحر و كم هام نقيف
و سعيد بصعيد الطفّ ثاو
رأسه يعلى على رمح ثقيف
لبني الزهراء أرباب المساعي
و المعالي و العوالي و السيوف
زلفت نحوهم عصبة سوء
ليس فيهم غير زنديق و كوفي
لعن اللّه بني الكوفة لم
يك فيهم من بعهد اللّه يوفي
سل يزيدا قائما بالقسط من
حاز المعالي من تليد و طريف
صلبوه بعد خذل ثمّ قتل
آه ممّا حلّ بالبدن الشريف
فلذا صارت براحا و خلت
أرجاؤها من قاطن فيها و ريف
و غدت أبناؤها في كلّ فجّ
بين شرطيّ زنيم و عريف
و لئيم و ذميم و رجيم
و شقيّ و غويّ و طفيف
و جبان يوم زحف و قراع
و على الجارات بالليل زحوف
هم فروع لاصول لم يرقّوا
لبني الزهراء في يوم الطفوف
أسفوا إن لم يكونوا ذا اجتها
د مثل آبائهم بين الصفوف
فاستحلّوا من بينهم كلّ سوء
و أحلّوا بهم كلّ مخوف
فلذا نحوهم وجّهت دمي
و عليهم أنا داع بالحتوف
و لما أسدوه من بغي و ظل
- م تسرّه بالسوء داني و أليف
و من اللّه عليهم لعنات
دائما تترى بلا كمّ و كيف
ما شكا ذو حرفة ما ناله
من فاجر بالبغي و الظلم عسوف
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فيا من يعنّفني بسبّهم، و يؤفّفني بثلبهم، و يعيبني بعيبتهم، و يخطئني بتخطئتهم، و يعيّرني و يتجسّس على عوراتي، و يسلك مسلكهم في التفحّص عن زلّاتي، لا تلمني على ما صدر منّي، و لا تفنّدني و تصدعني، فلا بدّ للملآن أن يطفح، و للصوفي عند غلبة الحال أن يشطح، فمهد لقاعدة نظمي و نثري عذرا، و لا ترهقني من أمري عسرا.
أ ما سمعت أخبار آبائهم الأوّلين؟ أ ما رأيت آثار أسلافهم الأقدمين؟
جدّل الوصيّ في جامعهم، و طعن الزكيّ بين مجامعهم، و قتل ابن عقيل لدى منازلهم، و الاجلاب على السبط الشهيد بقبائلهم و قنابلهم، و سبي ذراريه على أقتاب رواحلهم، هو الّذي أطلق لساني بما وصفت، و أجرى بناني بما صغت
و رصفت، فلا تعذلني على نحيبي و عويلي، و لا تصدّني لبكائي عن سبيلي، إلّا من اتّخذ في الأرض لنفاقه نفقا، و جرى في تيه ضلاله حيفا و عنفا،
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في مسلم بن عقيل]
و سأختم هذا المجلس الجليل، بمرثية السيّد النبيل، مسلم بن عقيل:
لهف قلبي و حرقتي و عويلي
و بكائي حزنا لخير قتيل
نجل عمّ النبيّ خير وفيّ
عاهد اللّه مسلم بن عقيل
خذلوه و أسلموه إلى الحي
ن فوفى بعهد آل الرسول
و تلقّى السيوف منه بوجه
لم تهن في رضا المليك الجليل
نصر الحقّ باللسان و بالقل
ب و حاز الثنا بباع طويل
و من اللّه باع نفسا رقت في
المجد أعلا العلى بصبر جميل
بذل النفس في رضا ابن
وليّ اللّه صنو الرسول زوج البتول
لست أنسى الأوغاد إذ خذلوه
و العدا يطلبونه بذحول
و هو يسطو كليث غاب فكم جدّل