کتابخانه روایات شیعه
المغتال القتّال، السفّاك الفتّاك، الهتّاك الأفّاك، فداسهم دوس السنبل و ذراهم ذرى الحبّ كما قال فيه بعض عارفيه: جاءنا أعمش اختفش ارحميمة برجلها و أخرج إلينا ثيابا قصارا، و اللّه ما عرق فيها عنان في سبيل اللّه، فقال: بايعوني فبايعناه، و في هذه الأعواد ينظر إلينا بالتصغير، و ننظر إليه بالتعظيم، يأمرنا بالمعروف و نجيبه، و ينهانا عن المنكر و نرتكبه، فاستعبد أحرارهم، و أباد خيارهم، و أذلّ بالتسخير رجالهم، و أيتم بفتكه أطفالهم، فتفرّقوا أيادي سبأ، و اتّخذوا سبيلهم في الأرض سربا.
فانظر إلى فروع اصولها في زمانك، و نتائج مقدّماتها في أوانك، هل ترهم إلّا بين شرطيّ ذميم، أو عتلّ زنيم، أو ممسك لئيم، أو معتد أثيم؟
بغض ذرّيّة الرسول في جبلتهم مركوز، و التغامز عليهم بالحواجب في طبيعتهم مرموز، يقصدونهم في أنفسهم و أموالهم، و يهضمونهم بأقوالهم و أفعالهم، و يتجسّسون على عوراتهم، و يتّبعون عثراتهم، و بالأعين عليهم يتلامزون، و إذا مرّوا بهم يتغامزون، إن رأوا فضيلة من فضائلهم كتموها، و إن بدرت منهم صغيرة أكبروها، يغرون بهم سفاءهم، و ينصرون عليهم أعداءهم، أتباع كلّ ناعق، و أشياع كلّ مارق، لا يستضيؤون بنور العلم، و لا يترتّبون برتبة الحلم، يدّعون حبّ ذرّيّة نبيّهم، و صفحات وجوههم تنطق بتكذيبهم، و يظهرون النصيحة لعترة وليّهم، و يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤذون الجار، و يهضمون الأخيار، و يعظّمون الأشرار، و يحسدون على ربع دينار.
و لقد أقمت فيهم مدّة، و صحبت منهم عدّة، و عمّرت المساكن المونقة، و غرست الحدائق المغدقة، أكثر. 2596 . سوادهم، و لا آكل زادهم، اكافي على الحسنة بعشر أمثالها، و اجازي بالهديّة أضعاف أثقالها، و أتعفّف عن ولائمهم،
و أتصلّف عن مطاعمهم، حذرا من مننهم، و تقصّيا عن نعمتهم، كما قال الأوّل:
فلا ذا يراني واقفا في طريقه
و لا ذا يراني جالسا عند بابه
فنصبوا حبائل حسدهم قصدا لوقوعي، و أوفوا قواتل سمومهم ليجتاحوا أصلي و فروعي، و أطلعني ربّي على فساد ضمائرهم، و خبث سرائرهم، فاتّخذت الليل سترا، و فصلت عن قراري سرّا، قد أذهل الخوف لبّي، و أرجف الوجل قلبي، ملتفتا إلى ما خلفي، قد أحال الفرق لوني و غيّر وضعي، قائلا:
رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 2597 ، و لا تجعلني فتنة للقوم الكافرين 2598 ، عامدا أفضل مشهد، و أكرم مرقد، و خير صعيد، و أفخر شهيد، سيّد الشهداء، و أشرف أولاد الأنبياء، صاحب كربلاء، حتى إذا استقرّت فيّ الدار، و أمنت البوار، خمدت مسراي عند الصباح، و جعلت مثواي حضرة خامس الأشباح، و اتّخذت بلدته موطنا و مستقرّا، و نزلا مستمرّا، و هلمّ جرّا، و تلوت: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى 2599 .
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في الحسين عليه السلام]
و لمّا سئمت صحبتهم، و قلوت جبلتهم، جعلت أشرح ما صدر لي عنهم، و اوضح ما تمّ عليّ منهم، بسحر حلال من شعري، و راتق زلال من نثري.
فمن جملة ذلك أبيات من جملة قصيدة مطوّلة قلتها حين فررت، و نظمت فيها ما ذكرت، و أوردت ما تمّ على السيّد المجيد، و السبط الشهيد، عليه أفضل الصلوات، و أكمل التحيّات:
كربلا كم فيك من شيب خضي
بدم النحر و كم هام نقيف
و سعيد بصعيد الطفّ ثاو
رأسه يعلى على رمح ثقيف
لبني الزهراء أرباب المساعي
و المعالي و العوالي و السيوف
زلفت نحوهم عصبة سوء
ليس فيهم غير زنديق و كوفي
لعن اللّه بني الكوفة لم
يك فيهم من بعهد اللّه يوفي
سل يزيدا قائما بالقسط من
حاز المعالي من تليد و طريف
صلبوه بعد خذل ثمّ قتل
آه ممّا حلّ بالبدن الشريف
فلذا صارت براحا و خلت
أرجاؤها من قاطن فيها و ريف
و غدت أبناؤها في كلّ فجّ
بين شرطيّ زنيم و عريف
و لئيم و ذميم و رجيم
و شقيّ و غويّ و طفيف
و جبان يوم زحف و قراع
و على الجارات بالليل زحوف
هم فروع لاصول لم يرقّوا
لبني الزهراء في يوم الطفوف
أسفوا إن لم يكونوا ذا اجتها
د مثل آبائهم بين الصفوف
فاستحلّوا من بينهم كلّ سوء
و أحلّوا بهم كلّ مخوف
فلذا نحوهم وجّهت دمي
و عليهم أنا داع بالحتوف
و لما أسدوه من بغي و ظل
- م تسرّه بالسوء داني و أليف
و من اللّه عليهم لعنات
دائما تترى بلا كمّ و كيف
ما شكا ذو حرفة ما ناله
من فاجر بالبغي و الظلم عسوف
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فيا من يعنّفني بسبّهم، و يؤفّفني بثلبهم، و يعيبني بعيبتهم، و يخطئني بتخطئتهم، و يعيّرني و يتجسّس على عوراتي، و يسلك مسلكهم في التفحّص عن زلّاتي، لا تلمني على ما صدر منّي، و لا تفنّدني و تصدعني، فلا بدّ للملآن أن يطفح، و للصوفي عند غلبة الحال أن يشطح، فمهد لقاعدة نظمي و نثري عذرا، و لا ترهقني من أمري عسرا.
أ ما سمعت أخبار آبائهم الأوّلين؟ أ ما رأيت آثار أسلافهم الأقدمين؟
جدّل الوصيّ في جامعهم، و طعن الزكيّ بين مجامعهم، و قتل ابن عقيل لدى منازلهم، و الاجلاب على السبط الشهيد بقبائلهم و قنابلهم، و سبي ذراريه على أقتاب رواحلهم، هو الّذي أطلق لساني بما وصفت، و أجرى بناني بما صغت
و رصفت، فلا تعذلني على نحيبي و عويلي، و لا تصدّني لبكائي عن سبيلي، إلّا من اتّخذ في الأرض لنفاقه نفقا، و جرى في تيه ضلاله حيفا و عنفا،
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في مسلم بن عقيل]
و سأختم هذا المجلس الجليل، بمرثية السيّد النبيل، مسلم بن عقيل:
لهف قلبي و حرقتي و عويلي
و بكائي حزنا لخير قتيل
نجل عمّ النبيّ خير وفيّ
عاهد اللّه مسلم بن عقيل
خذلوه و أسلموه إلى الحي
ن فوفى بعهد آل الرسول
و تلقّى السيوف منه بوجه
لم تهن في رضا المليك الجليل
نصر الحقّ باللسان و بالقل
ب و حاز الثنا بباع طويل
و من اللّه باع نفسا رقت في
المجد أعلا العلى بصبر جميل
بذل النفس في رضا ابن
وليّ اللّه صنو الرسول زوج البتول
لست أنسى الأوغاد إذ خذلوه
و العدا يطلبونه بذحول
و هو يسطو كليث غاب فكم جدّل
رجسا بالصارم المصقول
ثمّ صبّت عليه منهم شآبيب
سهام كصوب مزن هطول
و هو لا يخشى السهام و لا يضرع
للقاسطين أهل الغلول
و يصدّ الكماة عنه بغضب
كم جريح منه و كم من قتيل
كم هزيم من بأسه و قتيل
فرّ منه يقفو سبيل قبيل
ثمّ لمّا أبلى بلاء عظيما
صار يشكو الضما بقلب غليل
غادرته السهام من وقعها
ذا جسد من ضنى الجراح كليل
و غدا في يد البغاة أسيرا
لهف قلبي على الأسير الذليل
ثمّ من بعد أسره جرّعوه
كأس حتف بأمر شرّ سليل
من أبوه إلى سميّة يسمو
فرعه لا يسمو بأصل أصيل
يا بني المصطفى لما نالكم صبري
فيصبر لكن طويل عويل
و إذا رمت أن اكفكف دمعي
قال قلبي للطرف جدّ بهمول
فعلى من سواهم آثر الدمع
و أرثي بالنظم من حسن قيل
و هم قادتي و أسباب إيماني
و قربي من خالقي و وصول
كشف اللّه لي بهم كلّ منشور
من الحقّ عن كفور جهول
فغدا حبّهم و بغض أعاديهم
بقلبي ما آن له من مزيل
و بإكفار من تقدّمهم اوضح
عن حجّتي بصدق دليل
من كتاب و سنّة و قياس
ركبته ذوي الحجى و العقول
نصّ خير الأنام يوم غدير
ليس في الذكر فيه من تبديل
و كذا إنّما وليّكم فاتل إن
شئت إذا ما تلوت بالترتيل
تجد اللّه بالزعامة اصطفاهم
ففي الخلق ما لهم من مثيل
فلهم أرتجي لبرد اوامي
من رحيق من حوضهم سلسبيل
و مديحي في فضلهم ليس يحصى