کتابخانه روایات شیعه
على بريّتي، و أوليائي في خليقتي، و لأقرننّ طاعتكم بطاعتي، و مودّتكم بمودّتي، و ولاءكم بولائي، و رضاكم برضائي، إن تنصروني أنصركم و اثبّت أقدامكم، و إن تقرضوني اجازكم و اضاعف أعمالكم.
فرجعت أجسادهم إلى الحضيض السفليّ، و استقرّت أرواحهم العالم العلويّ، تطالع جمال حضرة معبودها في جميع حالاتها، و تستضيء بأنوار جلال مبدعها بأبصار كمالاتها حين توجّهاتها، ترى كلّ ما سواه مضمحلّا باطلا، و كلّ ما عداه للعدم قابلا، فوصلوا أسبابهم بأسبابه، و قطعوا العلائق عمّا سوى الاتّصال بعزيز جنابه، و وقفوا على قدم الخدمة في جنح الظلام، و نادوا محبوبهم بلسان الاجلال و الابتهال.
فاستخلصهم لنفسه لما أخلصوا بطاعته، و اصطفاهم على خلقه لما صدقوا في محبّته، و توّجهم بتيجان كرامته، و أفرغ عليهم حلل عصمته، و أطلعهم على مكنون سرّه، و قلّدهم ولاية أمره، فساقوا الخلق إلى طاعة ربّهم، و نصروا الحقّ بقالبهم و قلبهم، قد صدقت منهم العقائد و العزائم، يجاهدون في سبيل اللّه و لا يخافون لومة لائم، حتى إذا أدّوا النصيحة حقّها في جنب اللّه، و بذلوا أرواحا و أجسادا قد أخلصت صدقها في طاعة اللّه، و رقوا في معارج السعادة إلى منازل الشهادة، و سلكوا سبيل المجد بقدم الجدّ، و اتّبعوا دليل النجاة إلى عين الحياة، و ركبوا سفينة الهدى، و تنكّبوا سبيل الردى، و جاهدوا في اللّه بأنفسهم و أموالهم، و أنكروا المنكر بأفعالهم و أقوالهم.
اوذوا فصبروا، و ابتلوا فشكروا، يعدّون البأساء نعمة، و الضرّاء رحمة، و الجهاد في اللّه منحة، و القتل في سبيل اللّه حياة باقية، و البلاء في اللّه عيشة راضية، فحسدوا على ما اختصّهم اللّه به من قربه، و بذلوا الأجساد و الأولاد في
حبّه، و نفوا عن عقر دارهم، و اخرجوا من منازلهم و قرارهم.
ضاقت بهم الأرض بعد رحبها، و قصدتهم الأعداء بفتكها و حربها، و كانت واقعة السبط الشهيد أبي عبد اللّه أفضع محنة، و أشنع فتنة، لم يحدث منذ وجود العالم مثلها، و لم يقع في الزمن المتقادم عديلها، اخرج ابن الرسول من حرم جدّه خائفا، و للحياة في دولة الظالمين عائفا، و للدنيا و أهلها قاليا، و للشهادة في اللّه راجيا، قد تبرّم بالبقاء في دولة الأشرار، و سئم الحياة في سلطان الفجّار.
فنصبوا له المهالك، و سدّوا عليه المسالك، لم يأمن في حرم يأمن فيه الطير الطائر، و الوحش الجائر، و لم يطمئنّ في بلد يسكنه البرّ و الفاجر، فوعده النصر على أعدائه قوم ذووا أحلام عازبة، و أيمان كاذبة، لم يثلج في قلوبهم برد الايمان، و لم يزالوا بنكثهم أحزاب الشيطان، حتى إذا لزمته الحجّة بوجود الناصر، و القيام بجهاد الظالمين في الظاهر، و أمّ مصرهم ببنيه و بناته، و سار نحوهم بإخوانه و أخواته، و بلغ ضعفهم، و توسّط جمعهم، خانوا عهده، و أخلفوا وعده، فليتهم إذ نكثوا أيمانهم، و نقضوا أمانهم، تركوه يذهب حيث شاء، أو يرجع من حيث أتى، بل سدّوا عليه الموارد، و قعدوا له المراصد، و جنّدوا لمنعه جموعهم و جنودهم، و أرهفوا لقتله حدّهم و حديدهم، و حرموا عليه ورد الماء المباح، و رفعوا عليه حدود الصفاح، فصار في أيديهم رهينا، و بسيوفهم ضمينا، ثمّ ساقوا بناته و حلائله اسارى، تحسبهم من هول ما أصابهم سكارى و ما هم بسكارى، يسار بهم بين الأعداء على الأقتاب، و يساقون عنفا بغير نقاب و لا جلباب، قد قشر حرّ الشمس وجوههم، و غيّر هجير القيض جسومهم.
فوا أسفا على تلك الأبدان المصرّعة، و الأجساد المبضّعة، و الأطراف المقطّعة، و الرءوس المرفعة.
وا لهفاه لتلك الوجوه الّتي هتكت بعد صونها و حجابها، و برّزت بين طواغيتها و كذّابها، فدمعي عليهم مهتون، و قلبي لمصابهم محزون.
فيا للّه و للاسلام أ يقتل نجل الرسول بين ظهرانيكم، و تسبى نساؤه و ذراريه بين أيديكم، و يراق دمه و أنتم تنظرون، و للحقّ تخذلون، و للباطل تنصرون؟ لا منكر ينكر بقلبه و لسانه، و لا دافع يدفع بحسامه و سنانه، و لا ذو أنف حميّ يغضب للّه، و لا صاحب دين قويم يجاهد في سبيل اللّه، فأنتم أكفر أمّة كفرت بعد إيمانها، و أفجر فرقة تظاهرت ببغيها و بهتانها، لم ترض بقائد النجاة دليلا، اولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا 2602 ، بأنعم عدل بها هاديها عن الحقّ السويّ، و اسامها راعيها في المرعى الوبي.
فيا سبط نبيّي، و رهط وليّي، و يا سبيل نجاتي، و يا سليل هداتي، مصيبتك أرخصت في سوق أحزاني عبراتي، و أسعرت بلهيبها في جناني حسراتي، و حرمت على جفوني طيب منامي، و أفرغت على جسدي أثواب سقامي، ضاقت بك الدنيا يا ابن الرسول و من أجلك خلقت، و شدّوا عليك القضايا نجل البتول و أبوابه دونك غلقت، أخرجوك من حرم جدّك خائفا تترقّب، و نفوك عن مسقط رأسك و ذهبوا بك كلّ مذهب، حتّى إذا وجّهت وجهة آمالك، و ظعنت بعيالك و أطفالك، نحو اناس لم ينصروا الحقّ مذ كانوا، و لم يؤثروا الصدق مذ خانوا، و لم يغضبوا للّه، و لا انقادوا لأولياء اللّه، بل الغدر شيمتهم، و الكذب سجيّتهم، إن خلفوا خبثوا، و إن عاهدوا نكثوا، اضر من ضافر إذا جرّدت السيوف، و ألأم من مادر إذا طرقت الصنوف، أنباط أسقاط، أنذال أرذال، أنكاد أوغاد، للوصيّ و ابنه خذلوا، و للسبط الشهيد و ولده قتلوا، تساق بنات نبيّهم
على الأقتاب في أسواقهم و شوارعهم، و تشهر رءوس أبناء وليّهم على الرماح في رحابهم و مجامعهم.
فيا دموعي لمصابهم حدّي بالدموع خدّي، و يا زفراتي تصاعدي بسعير حسراتي و وجدي، و يا كبدي لرزئهم تقطّعي، و يا أحشائي حزنا عليهم تضعضعي، و عمى لطرفي إن لم يسحّ دما بقرينهم، و سحقا لقلبي إن لم ينقطع أسفا لمحنتهم، لمّا كست السماء حمرة نجيع شهدائهم شفقا، أروت في فؤادي بانعكاس أشعّة لهيبها حرقا، فقلبي حريق بسعير حزني، و طرفي غريق بمعين جفني، امثل ثفنات وجوههم من أثر السجود على الرماح، كالكواكب الدرّيّة بضيائها أو كشمكاة فيها مصباح.
[قصيدة للمؤلف]
فلهذا وقفت بكائي و جزعي عليهم، و صرفت المراثي من نظمي و نثري إليهم، أنثر في ثرى ضرائحهم عبراتي، و اصاعد في صعيد مراقدهم زفراتي، و أهدي إلى أرواحهم سلامي و تحيّاتي، و اصلّي على أشباحهم عقيب صلواتي، و في جميع آناتي، و انشد لعظيم مصيبتي في خلواتي، و لجسيم رزيّتي نحيبي و أنّاتي:
يا مصاب السبط أورثت البكا
أعينا و القلب وجدا و عنا
و على عينيّ حرّمت الكرى
و مزجت الدمع منّي بالدما
لا تلمني أيّها العاذل إن
نحت بالترجيع من فرط الجوا
و جرى دمعي دما ممّا على
سبط خير الرسل في الطفّ جرى
و على الأبرار من اسرته
أهل بيت و مقام و صفا
صرّعوا فيه ظماة قد سقوا
بكؤوس الموت من بعد الظما
صاعدت نيران أحشائي الحشا
مدمعا قان على خدّي جرى
خير أهل الأرض أضحوا صرّعا
بشبا البيض و أطراف القنا
سادة الخلق اولي الأمر الّذي
مدحهم حقّا أتى في هل أتى
بكت الأرض دما مذ صرّعوا
فرقها حزنا و أطباق العلا
كربلا منك فؤادي ملؤه
من عظيم الوجد كرب و بلا
كم شموس غربت فيك و كم
من بدور أفلت بعد الضياء؟
و وجوه لبنات المصطفى
هتكت من بعد صون و حيا
و جسوم غيّرت أوصافها
منهم البوغاء 2603 من بعد السنا
و قلوب ظاميات لم تر
غير ورد الموت من كفّ الردى
كم علت فوق العوالي منهم
طلعت أنوارها تجلو الدجى
و أبينت عضد مع ساعد
و أكفّ كبحور في الندى
و يرى الناظر من أوجههم
ثفنات كنجوم في السرا
يا عيوني إن تضنّي بالبكا
لهم لا نلت في الدنيا المنى
و كذا يا حرقتي إن سكنت
منك أحشائي أو طرفي غفا
أيّها الراكب وجناء لها
أثر في الخدّ من جذب البرا
تقطع الآل كرال نافل 2604
ليس يثنيها كلال و وجا
لا تهاب السير في جنح الدجى
و كذا لا تخشي حرّ الضحى
عجّ بأرض حلّ فيها سيّد
مجده أرفع قدرا من ذكا
خير من جاهد في اللّه و من
في سبيل اللّه بالنفس سخا
تركوه في العرا منجدلا
ذا فؤاد يشتكي حرّ الصدا
بدر تم صار من بعد الثرا
و علوّ المجد ضمنا في الثرى
كربلا مذ أشرقت من دمه
أظلمت في الخلق أعلام الهدى
يا شريك الذكر من ذكرك في
مهجتي من حرّ أشجاني لظى
و بخدّي لحمة من أدمعي
فيضها أربى على بحر ظما
ما دروا كم فريت من بغيهم
كبد للمصطفى و المرتضى
يا مصابا أهله فاطمة
و أبوها و عليّ ذو العلا
أيّها القاصد بيت اللّه بال
عجّ و الثجّ إذا نلت المنى
من تمام الحجّ و العمرة عجّ