کتابخانه روایات شیعه
حبّه، و نفوا عن عقر دارهم، و اخرجوا من منازلهم و قرارهم.
ضاقت بهم الأرض بعد رحبها، و قصدتهم الأعداء بفتكها و حربها، و كانت واقعة السبط الشهيد أبي عبد اللّه أفضع محنة، و أشنع فتنة، لم يحدث منذ وجود العالم مثلها، و لم يقع في الزمن المتقادم عديلها، اخرج ابن الرسول من حرم جدّه خائفا، و للحياة في دولة الظالمين عائفا، و للدنيا و أهلها قاليا، و للشهادة في اللّه راجيا، قد تبرّم بالبقاء في دولة الأشرار، و سئم الحياة في سلطان الفجّار.
فنصبوا له المهالك، و سدّوا عليه المسالك، لم يأمن في حرم يأمن فيه الطير الطائر، و الوحش الجائر، و لم يطمئنّ في بلد يسكنه البرّ و الفاجر، فوعده النصر على أعدائه قوم ذووا أحلام عازبة، و أيمان كاذبة، لم يثلج في قلوبهم برد الايمان، و لم يزالوا بنكثهم أحزاب الشيطان، حتى إذا لزمته الحجّة بوجود الناصر، و القيام بجهاد الظالمين في الظاهر، و أمّ مصرهم ببنيه و بناته، و سار نحوهم بإخوانه و أخواته، و بلغ ضعفهم، و توسّط جمعهم، خانوا عهده، و أخلفوا وعده، فليتهم إذ نكثوا أيمانهم، و نقضوا أمانهم، تركوه يذهب حيث شاء، أو يرجع من حيث أتى، بل سدّوا عليه الموارد، و قعدوا له المراصد، و جنّدوا لمنعه جموعهم و جنودهم، و أرهفوا لقتله حدّهم و حديدهم، و حرموا عليه ورد الماء المباح، و رفعوا عليه حدود الصفاح، فصار في أيديهم رهينا، و بسيوفهم ضمينا، ثمّ ساقوا بناته و حلائله اسارى، تحسبهم من هول ما أصابهم سكارى و ما هم بسكارى، يسار بهم بين الأعداء على الأقتاب، و يساقون عنفا بغير نقاب و لا جلباب، قد قشر حرّ الشمس وجوههم، و غيّر هجير القيض جسومهم.
فوا أسفا على تلك الأبدان المصرّعة، و الأجساد المبضّعة، و الأطراف المقطّعة، و الرءوس المرفعة.
وا لهفاه لتلك الوجوه الّتي هتكت بعد صونها و حجابها، و برّزت بين طواغيتها و كذّابها، فدمعي عليهم مهتون، و قلبي لمصابهم محزون.
فيا للّه و للاسلام أ يقتل نجل الرسول بين ظهرانيكم، و تسبى نساؤه و ذراريه بين أيديكم، و يراق دمه و أنتم تنظرون، و للحقّ تخذلون، و للباطل تنصرون؟ لا منكر ينكر بقلبه و لسانه، و لا دافع يدفع بحسامه و سنانه، و لا ذو أنف حميّ يغضب للّه، و لا صاحب دين قويم يجاهد في سبيل اللّه، فأنتم أكفر أمّة كفرت بعد إيمانها، و أفجر فرقة تظاهرت ببغيها و بهتانها، لم ترض بقائد النجاة دليلا، اولئك كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا 2602 ، بأنعم عدل بها هاديها عن الحقّ السويّ، و اسامها راعيها في المرعى الوبي.
فيا سبط نبيّي، و رهط وليّي، و يا سبيل نجاتي، و يا سليل هداتي، مصيبتك أرخصت في سوق أحزاني عبراتي، و أسعرت بلهيبها في جناني حسراتي، و حرمت على جفوني طيب منامي، و أفرغت على جسدي أثواب سقامي، ضاقت بك الدنيا يا ابن الرسول و من أجلك خلقت، و شدّوا عليك القضايا نجل البتول و أبوابه دونك غلقت، أخرجوك من حرم جدّك خائفا تترقّب، و نفوك عن مسقط رأسك و ذهبوا بك كلّ مذهب، حتّى إذا وجّهت وجهة آمالك، و ظعنت بعيالك و أطفالك، نحو اناس لم ينصروا الحقّ مذ كانوا، و لم يؤثروا الصدق مذ خانوا، و لم يغضبوا للّه، و لا انقادوا لأولياء اللّه، بل الغدر شيمتهم، و الكذب سجيّتهم، إن خلفوا خبثوا، و إن عاهدوا نكثوا، اضر من ضافر إذا جرّدت السيوف، و ألأم من مادر إذا طرقت الصنوف، أنباط أسقاط، أنذال أرذال، أنكاد أوغاد، للوصيّ و ابنه خذلوا، و للسبط الشهيد و ولده قتلوا، تساق بنات نبيّهم
على الأقتاب في أسواقهم و شوارعهم، و تشهر رءوس أبناء وليّهم على الرماح في رحابهم و مجامعهم.
فيا دموعي لمصابهم حدّي بالدموع خدّي، و يا زفراتي تصاعدي بسعير حسراتي و وجدي، و يا كبدي لرزئهم تقطّعي، و يا أحشائي حزنا عليهم تضعضعي، و عمى لطرفي إن لم يسحّ دما بقرينهم، و سحقا لقلبي إن لم ينقطع أسفا لمحنتهم، لمّا كست السماء حمرة نجيع شهدائهم شفقا، أروت في فؤادي بانعكاس أشعّة لهيبها حرقا، فقلبي حريق بسعير حزني، و طرفي غريق بمعين جفني، امثل ثفنات وجوههم من أثر السجود على الرماح، كالكواكب الدرّيّة بضيائها أو كشمكاة فيها مصباح.
[قصيدة للمؤلف]
فلهذا وقفت بكائي و جزعي عليهم، و صرفت المراثي من نظمي و نثري إليهم، أنثر في ثرى ضرائحهم عبراتي، و اصاعد في صعيد مراقدهم زفراتي، و أهدي إلى أرواحهم سلامي و تحيّاتي، و اصلّي على أشباحهم عقيب صلواتي، و في جميع آناتي، و انشد لعظيم مصيبتي في خلواتي، و لجسيم رزيّتي نحيبي و أنّاتي:
يا مصاب السبط أورثت البكا
أعينا و القلب وجدا و عنا
و على عينيّ حرّمت الكرى
و مزجت الدمع منّي بالدما
لا تلمني أيّها العاذل إن
نحت بالترجيع من فرط الجوا
و جرى دمعي دما ممّا على
سبط خير الرسل في الطفّ جرى
و على الأبرار من اسرته
أهل بيت و مقام و صفا
صرّعوا فيه ظماة قد سقوا
بكؤوس الموت من بعد الظما
صاعدت نيران أحشائي الحشا
مدمعا قان على خدّي جرى
خير أهل الأرض أضحوا صرّعا
بشبا البيض و أطراف القنا
سادة الخلق اولي الأمر الّذي
مدحهم حقّا أتى في هل أتى
بكت الأرض دما مذ صرّعوا
فرقها حزنا و أطباق العلا
كربلا منك فؤادي ملؤه
من عظيم الوجد كرب و بلا
كم شموس غربت فيك و كم
من بدور أفلت بعد الضياء؟
و وجوه لبنات المصطفى
هتكت من بعد صون و حيا
و جسوم غيّرت أوصافها
منهم البوغاء 2603 من بعد السنا
و قلوب ظاميات لم تر
غير ورد الموت من كفّ الردى
كم علت فوق العوالي منهم
طلعت أنوارها تجلو الدجى
و أبينت عضد مع ساعد
و أكفّ كبحور في الندى
و يرى الناظر من أوجههم
ثفنات كنجوم في السرا
يا عيوني إن تضنّي بالبكا
لهم لا نلت في الدنيا المنى
و كذا يا حرقتي إن سكنت
منك أحشائي أو طرفي غفا
أيّها الراكب وجناء لها
أثر في الخدّ من جذب البرا
تقطع الآل كرال نافل 2604
ليس يثنيها كلال و وجا
لا تهاب السير في جنح الدجى
و كذا لا تخشي حرّ الضحى
عجّ بأرض حلّ فيها سيّد
مجده أرفع قدرا من ذكا
خير من جاهد في اللّه و من
في سبيل اللّه بالنفس سخا
تركوه في العرا منجدلا
ذا فؤاد يشتكي حرّ الصدا
بدر تم صار من بعد الثرا
و علوّ المجد ضمنا في الثرى
كربلا مذ أشرقت من دمه
أظلمت في الخلق أعلام الهدى
يا شريك الذكر من ذكرك في
مهجتي من حرّ أشجاني لظى
و بخدّي لحمة من أدمعي
فيضها أربى على بحر ظما
ما دروا كم فريت من بغيهم
كبد للمصطفى و المرتضى
يا مصابا أهله فاطمة
و أبوها و عليّ ذو العلا
أيّها القاصد بيت اللّه بال
عجّ و الثجّ إذا نلت المنى
من تمام الحجّ و العمرة عجّ
بضريح ضمّ خير الأنبياء
أبلغته من سلامي ما زكا
من فؤاد ضمنه صدق الولا
ثمّ قل يا خير مبعوث به
كشف اللّه عن الخلق العمى
لو ترى سبطك فردا ماله
ناصر يفديه من جهد البلا
و بنات لك قد أثخنتها
من مديد السير افراط العنا
و أكفّا بريت من ساعد
كان في راحاتها بحر الندى
و وجوها كالمصابيح لها
في ظلام الليل نور يستضا
كم تجافت عن وثير الفرش أج
سادها تخلص للّه الدعا
أصبحت في كربلا مخضبا
شيبها بالدم من حدّ الظبا
يا بني الزهراء ممّا نالكم
مدمعي من فرط حزني ما رقى
و كذا نار الأسى في كبدي
حرّها يذكي رسيسا في الحشا
و بقلبي لوعة ما آن لها