کتابخانه روایات شیعه
ذلك كلّه و قال لأصحاب الإبل: لا اكرهكم، من أحبّ أن يمضي معي إلى العراق أوفيناه كراه حسنا، و أحسنّا صحبته، و من أراد فرقتنا من مكاننا هذا وفيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق، فمن فارقه حاسبه و وفّاه حقّه 2608 ، و من مضى معه أعطاه كراه و كساه 2609 .
و إنّما أخذ عليه السلام العير لأنّها كانت من أموال المسلمين، و كان حكم المسلمين إليه صلوات اللّه عليه، و كان خروجه قبل أن يعلم بقتل مسلم؛ و قيل:
كان خروجه من مكّة يوم قتل مسلم بعد أن كتب إليه مسلم بأخذ البيعة و اجتماع الناس عليه و انتظارهم إيّاه.
و روى ابن جرير- بحذف الاسناد- عن الأعمش قال: قال لي أبو محمد الواقدي و زرارة بن صالح 2610 : لقينا الحسين عليه السلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاثة، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة، و أنّ قلوبهم معه و أسيافهم عليه.
فأومأ بيده نحو السماء، ففتحت أبواب السماء، و نزلت الملائكة عددا لا يحصيه إلّا اللّه عزّ و جلّ.
فقال عليه السلام: لو لا تقارب الأشياء، و سقوط الأجر 2611 لقاتلتهم بهؤلاء، و لكنّي أعلم علما 2612 أنّ هناك مصرعي، و هناك مصارع أصحابي، لا
ينجو منهم إلّا ولدي عليّ 2613 2614 .
[خطبة الحسين عليه السلام حين عزمه على الخروج إلى العراق]
و روى سيّدنا و مولانا، السيّد الجليل عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد ابن طاوس الحسيني رضي اللّه عنه أنّ مولانا الحسين عليه السلام لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا، فقال:
الحمد للّه، و ما شاء اللّه، و لا قوّة إلّا باللّه، و صلّى اللّه على رسوله، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، و خيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تتقاطعها عسلان 2615 الفلوات بين النواويس و كربلاء، فيملأن منّي أكراشا جوفا، و أجوفة 2616 سغبا، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضاء اللّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه و يوفّينا اجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحمته، هي مجموعة عليه 2617 في حضيرة القدس، تقرّ بهم عينه، و ينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته، و موطّنا على لقاء اللّه نفسه، فليرحل [معنا] 2618 ، فإنّي راحل إن شاء اللّه 2619 2620 .
[كتاب الحسين عليه السلام إلى بني هاشم]
و ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن محمد بن يحيى،
عن محمد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام و تخلّف ابن الحنفيّة عنه، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: يا حمزة، إنّي سأحدّثك 2621 بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك 2622 هذا، إنّ الحسين عليه السلام لمّا فصل متوجّها دعا 2623 بقرطاس و كتب فيه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم
أمّا بعد:
فإنّه من لحق بي منكم استشهد، و من تخلّف [عنّي] 2624 لم يبلغ مبلغ الفتح، و السلام 2625 .
[أنّ اللّه تعالى أمدّ الحسين عليه السلام بأفواج من الملائكة و من مسلمي الجنّ]
و ذكر شيخنا المفيد محمد بن [محمد بن] 2626 النعمان رضي اللّه عنه [في كتاب مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مولد الأوصياء صلوات اللّه عليهم] 2627 بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: لمّا سار أبو عبد اللّه عليه السلام من
[مكّة ليدخل] 2628 المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة و المردفة 2629 في أيديهم الحراب، على نجب من نجب الجنّة، فسلّموا عليه و قالوا: يا حجّة اللّه على خلقه بعد جدّه و أبيه و أخيه، إنّ اللّه سبحانه أمدّ جدّك صلّى اللّه عليه و آله بنا في مواطن كثيرة، و إنّ اللّه أمدّك بنا.
فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي الّتي أستشهد فيها، و هي كربلاء، فإذا وردتها فأتوني.
فقالوا: يا حجّة اللّه، مرنا نسمع و نطع، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟
فقال: لا سبيل لهم عليّ، و لا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
و أتته أفواج مسلمي 2630 الجنّ، فقالوا: يا سيّدنا، نحن شيعتك و أنصارك، فمرنا بأمرك و ما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كلّ عدوّ لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك.
فجزاهم الحسين خيرا، و قال لهم: أ ما قرأتم كتاب اللّه المنزل على جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ 2631 و قال سبحانه: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ 2632 ؟ و إذا أقمت بمكاني فبما ذا يبتلى 2633 هذا الخلق المتعوس؟ و بما ذا
يختبرون؟ و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء و قد اختارها اللّه تعالى [لي] 2634 يوم دحا الأرض، و جعلها معقلا لشيعتنا، و تكون لهم أمانا في الدنيا و الآخرة؟
و لكن تحضرون يوم السبت، و هو يوم عاشوراء الّذي في آخره اقتل، و لا يبقى بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و إخوتي و أهل بيتي، و يسار برأسي إلى يزيد لعنه اللّه.
فقالت الجنّ: نحن و اللّه يا حبيب اللّه و ابن حبيبه، لو لا أنّ أمرك طاعة و أنّه لا يجوز لنا مخالفتك 2635 قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك.
فقال لهم عليه السلام: نحن و اللّه أقدر عليهم منكم، و لكن لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ 2636 2637 .
[وصول الحسين عليه السلام إلى ذات عرق]
ثمّ سار الحسين صلوات اللّه عليه حتى بلغ ذات عرق 2638 فلقيه رجل من بني أسد يقال له بشر بن غالب، فقال الحسين: من أين أقبلت؟
قال: من العراق.
قال: كيف خلّفت أهل العراق؟
فقال: يا ابن رسول اللّه، خلّفت القلوب معك و السيوف مع بني اميّة.
فقال: صدقت إنّ اللّه يفعل ما يشاء.
فقال الرجل: يا ابن رسول اللّه، خبّرني عن قول اللّه سبحانه: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ 2639 .
فقال الحسين: نعم، يا أخا بني أسد، هما إمامان، إمام هدى دعا إلى هدى، و إمام ضلالة دعا إلى ضلالة، فهذا و من أجابه إلى الهدى في الجنّة، و هذا و من أجابه إلى الضلالة في النار.
[كتاب الوليد بن عتبة إلى ابن زياد يعلمه بتوجّه الحسين عليه السلام إلى العراق]
قال: و اتّصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأنّ الحسين عليه السلام توجّه إلى العراق، فكتب إلى ابن زياد:
أمّا بعد:
فإنّ الحسين قد توجّه إلى العراق و هو ابن فاطمة، و فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فاحذر- يا ابن زياد- أن تأتي إليه بسوء فتهيّج على نفسك [و قومك] 2640 أمرا في مدّة 2641 الدنيا لا يسدّه 2642 شيء، و لا تنساه الخاصّة و العامّة أبدا ما دامت الدنيا.
قال: فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد 2643 .
[وصول الحسين عليه السلام إلى الثعلبيّة]
قال: ثم سار صلوات اللّه عليه حتى نزل الثّعلبيّة 2644 وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد، ثم استيقظ، فقال: رأيت هاتفا 2645 يقول: أنتم تسرعون 2646 و المنايا تسرع بكم إلى الجنّة.
فقال له ابنه عليّ: يا أباه، ألسنا على الحقّ؟
فقال: بلى، يا بنيّ، و الّذي إليه مرجع العباد.
فقال: يا أباه، إذن لا نبالي بالموت.
فقال الحسين عليه السلام: جزاك اللّه خير ما جزى ولدا عن والده.
ثمّ بات صلوات اللّه عليه، فلمّا أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرّة الأزدي قد أتاه فسلّم عليه، ثمّ قال: يا ابن رسول اللّه، ما الّذي أخرجك من حرم اللّه و حرم جدّك صلّى اللّه عليه و آله؟