کتابخانه روایات شیعه
[حتى أذلّتهم] 2648 2649 .
و في كتاب تاريخ غر الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال: حججت فتركت أصحابي و انطلقت أتعسّف الطريق وحدي، فبينا أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية و فساطيط، فانطلقت نحوها حيث أتيت أدناها، فقلت: لمن هذه الأبنية؟
فقالوا: للحسين عليه السلام.
قلت: ابن عليّ و ابن فاطمة عليهما السلام؟
قالوا: نعم.
قلت: أين هو؟
قالوا: في ذلك الفسطاط، فانطلقت نحوه، فإذا الحسين عليه السلام متّك على باب الفسطاط يقرأ كتبا بين يديه، فسلّمت فردّ عليّ، فقلت: يا ابن رسول اللّه، بأبي أنت و امّي ما أنزلك في هذه الأرض القفراء الّتي ليس فيها ريف و لا منعة؟
قال: إنّ هؤلاء أخافوني، و هذه كتب أهل الكوفة و هم قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا و اللّه محرما إلّا انتهكوه، بعث اللّه إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذلّ من فرم 2650 الأمة.
قال: ثمّ سار صلوات اللّه عليه و حدّث جماعة من فزارة و بجيلة قالوا: كنّا
مع زهير بن القين لمّا أقبلنا من مكّة، فكنّا نساير الحسين عليه السلام حتى لحقناه، و كان إذا أراد النزول اعتزلناه فنزلنا ناحية 2651 .
فلمّا كان في بعض الأيّام نزل في مكان لم نجد بدّا من أن ننازله فيه، فبينا نحن نتغدّى من زاد 2652 لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلّم.
ثمّ قال: يا زهير بن القين، إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلّ منا ما في يده حتى كأنّما على رءوسنا الطير.
فقالت له امرأته 2653 - و هي ديلم بنت عمرو-: سبحان اللّه، أ يبعث إليك ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ لا تأتيه؟! فلو أتيته فسمعت من كلامه.
فمضى إليه زهير، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه فقوّض و بثقله 2654 و متاعه فحوّل إلى الحسين عليه السلام.
و قال لامرأته: أنت طالق، فإنّي لا احبّ أن يصيبك بسببي إلّا خير، و قد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي، و أقيه بنفسي، ثمّ أعطاها حقّها 2655 و سلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها.
فقامت إليه [و ودّعته] 2656 و بكت، و قالت: كان 2657 اللّه لك، أسألك أن
تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام.
ثمّ قال لأصحابه: من أراد 2658 أن يصحبني، و إلّا فهو آخر العهد [منّي] 2659 به.
و هذا الحديث نقلته من كتاب إغاثة الملهوف لسيّدنا عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس 2660 .
و رأيت حديثا أنّ زهير رضي اللّه عنه قال لأصحابه لمّا ودّعهم: إنّي كنت غزوت بلنجر 2661 مع سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، فلمّا فتح اللّه علينا اشتدّ سرورنا، فقال سلمان: أ فرحتم بما أفاء اللّه عليكم؟
قلنا: نعم.
فقال: إذا أدركتم شبّان آل محمد فكونوا أشدّ فرحا لقتالكم معهم 2662 منكم بما أصبتم اليوم، و أنا أستودعكم اللّه تعالى، ثمّ ما زال مع الحسين عليه السلام حتى قتل رحمه اللّه 2663 .
[وصول الحسين عليه السلام إلى زرود]
و قيل: إنّ الحسين عليه السلام لمّا وصل إلى زرود لقي رجلا على راحلة، فلمّا رآه الرجل عدل عن الطريق، و كان الحسين عليه السلام قد وقف
ينتظره، فلمّا عدل مضى و تركه.
قال عبد اللّه بن سليم 2664 و المنذر بن المشمعل 2665 الأسديّان: فعدلنا إلى الراكب، فسلّمنا عليه، فردّ علينا، فقلنا: ممّ الرجل؟
فقال: أسديّ.
قلنا: و نحن أسديّان، فما الخبر؟
قال: الخبر إنّ مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة قتلا، و رأيتهما يجرّان في الأسواق.
فأتينا الحسين عليه السلام: فقلنا: إنّ عندنا خبرا، فنظر إلى أصحابه، فقال: ما دون هؤلاء سرّا.
قلنا: أ رأيت الراكب الّذي عدل عن الطريق؟ إنّه أخبر بكذا و كذا.
فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون.
قلنا: ننشدك اللّه في نفسك و هؤلاء الصبية فإنّه ليس لك في الكوفة ناصر قريب [و لا شيعة، فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم: ما ترون فقد قتل مسلم؟ فبادر] 2666 بنو عقيل فقالوا: قتل صاحبنا، و ننصرف! إنّك و اللّه لست كمثل مسلم، و لو قد نظر الناس إليك ما عدلوا بك أحد، و إنّا و اللّه لا نرجع حتى ندرك ثأرنا أو نذوق الموت كما ذاق أخونا، فنظر الحسين إلينا، و قال: لا خير في
الحياة بعد هؤلاء، فعلمنا أنّه يسير لا محالة، فقلنا: خار اللّه لك 2667 .
[وصول خبر استشهاد مسلم و هانئ إلى الحسين عليه السلام، و قيل وصله الخبر و هو في منطقة زبالة]
و قيل: إنّ الخبر أتى الحسين بقتل مسلم في زبالة 2668 ، فعرف بذلك جماعة ممّن تبعه، فتفرّق عنه أهل الأطماع و الارتياب، و بقي معه أهله و خيار أصحابه.
قال: و ارتجّ الموضع لقتل مسلم و سالت الدموع كلّ مسيل 2669 .
ثمّ سار الحسين عليه السلام قاصدا لما دعاه اللّه إليه، فلقيه الفرزدق، فسلّم عليه و دنا منه و قبّل يده، فقال له الحسين: من أين أقبلت؟
قال: من الكوفة.
قال: كيف خلّفت الناس 2670 ؟
فقال الفرزدق: يا أبا عبد اللّه، كيف تركن إلى أهل الكوفة و هم الّذين قتلوا ابن عمّك مسلم و شيعته؟
[أبيات للحسين عليه السلام]
فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا، ثمّ قال: رحم اللّه مسلما، فقد صار إلى روح اللّه و ريحانه، و جنّته 2671 و رضوانه، قد قضى ما عليه و بقي ما علينا، ثمّ أنشأ يقول:
فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة
فإنّ ثواب اللّه أعلى و أنبل
و إن تكن الأرزاق قسما مقدّرا
فقلّة سعي 2672 المرء في الكسب 2673 أجمل
و إن تكن الأموال للترك جمعها
فما بال متروك به المرء يبخل
و إن تكن الأجساد 2674 للموت انشئت
فقتل امرئ بالسيف في اللّه أفضل
[كتاب الحسين عليه السلام إلى سليمان بن صرد و المسيّب بن نجبة و رفاعة بن شدّاد]
قال: و كتب الحسين عليه السلام إلى سليمان بن صرد و المسيّب بن نجبة و رفاعة بن شدّاد و جماعة من الشيعة بالكوفة، و بعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي.
فلمّا قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه ليفتّشه، فأخرج الكتاب و مزّقه، فحمله الحصين إلى ابن زياد لعنه اللّه.
فلمّا مثل بين يديه، قال: من أنت؟
قال: أنا رجل من شيعة عليّ بن أبي طالب و ابنه الحسين عليه السلام.
قال: فلما ذا مزّقت الكتاب؟
قال: لئلّا تعلم ما فيه؟
قال: و ممّن الكتاب؟ و إلى من؟
قال: من الحسين عليه السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد و قال: و اللّه لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتعلن الحسين و أباه و أخاه، أو لاقطّعنّك 2675 إربا إربا.
فقال: أمّا القوم فلا اخبرك بأسمائهم، و أمّا لعن الحسين و أبيه و أخيه فأفعل.
فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أكثر من الترحّم على عليّ و ولده عليهم السلام، ثمّ لعن عبيد اللّه بن زياد و أباه، و لعن عتاة بني اميّة عن أوّلهم و آخرهم.
ثمّ قال: [أيّها الناس] 2676 أنا رسول الحسين بن عليّ عليه السلام إليكم، و قد خلّفته بموضع كذا فأجيبوه.
فأخبروا ابن زياد بذلك، فأمر بإلقائه من أعلى القصر، فالقي من هناك، فمات رحمه اللّه.
و بلغ الحسين عليه السلام موته فاستعبر باكيا، و قال: اللّهمّ اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقرّ من رحمتك 2677 ، إنّك على كلّ شيء قدير.