کتابخانه روایات شیعه
ينتظره، فلمّا عدل مضى و تركه.
قال عبد اللّه بن سليم 2664 و المنذر بن المشمعل 2665 الأسديّان: فعدلنا إلى الراكب، فسلّمنا عليه، فردّ علينا، فقلنا: ممّ الرجل؟
فقال: أسديّ.
قلنا: و نحن أسديّان، فما الخبر؟
قال: الخبر إنّ مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة قتلا، و رأيتهما يجرّان في الأسواق.
فأتينا الحسين عليه السلام: فقلنا: إنّ عندنا خبرا، فنظر إلى أصحابه، فقال: ما دون هؤلاء سرّا.
قلنا: أ رأيت الراكب الّذي عدل عن الطريق؟ إنّه أخبر بكذا و كذا.
فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون.
قلنا: ننشدك اللّه في نفسك و هؤلاء الصبية فإنّه ليس لك في الكوفة ناصر قريب [و لا شيعة، فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم: ما ترون فقد قتل مسلم؟ فبادر] 2666 بنو عقيل فقالوا: قتل صاحبنا، و ننصرف! إنّك و اللّه لست كمثل مسلم، و لو قد نظر الناس إليك ما عدلوا بك أحد، و إنّا و اللّه لا نرجع حتى ندرك ثأرنا أو نذوق الموت كما ذاق أخونا، فنظر الحسين إلينا، و قال: لا خير في
الحياة بعد هؤلاء، فعلمنا أنّه يسير لا محالة، فقلنا: خار اللّه لك 2667 .
[وصول خبر استشهاد مسلم و هانئ إلى الحسين عليه السلام، و قيل وصله الخبر و هو في منطقة زبالة]
و قيل: إنّ الخبر أتى الحسين بقتل مسلم في زبالة 2668 ، فعرف بذلك جماعة ممّن تبعه، فتفرّق عنه أهل الأطماع و الارتياب، و بقي معه أهله و خيار أصحابه.
قال: و ارتجّ الموضع لقتل مسلم و سالت الدموع كلّ مسيل 2669 .
ثمّ سار الحسين عليه السلام قاصدا لما دعاه اللّه إليه، فلقيه الفرزدق، فسلّم عليه و دنا منه و قبّل يده، فقال له الحسين: من أين أقبلت؟
قال: من الكوفة.
قال: كيف خلّفت الناس 2670 ؟
فقال الفرزدق: يا أبا عبد اللّه، كيف تركن إلى أهل الكوفة و هم الّذين قتلوا ابن عمّك مسلم و شيعته؟
[أبيات للحسين عليه السلام]
فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا، ثمّ قال: رحم اللّه مسلما، فقد صار إلى روح اللّه و ريحانه، و جنّته 2671 و رضوانه، قد قضى ما عليه و بقي ما علينا، ثمّ أنشأ يقول:
فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة
فإنّ ثواب اللّه أعلى و أنبل
و إن تكن الأرزاق قسما مقدّرا
فقلّة سعي 2672 المرء في الكسب 2673 أجمل
و إن تكن الأموال للترك جمعها
فما بال متروك به المرء يبخل
و إن تكن الأجساد 2674 للموت انشئت
فقتل امرئ بالسيف في اللّه أفضل
[كتاب الحسين عليه السلام إلى سليمان بن صرد و المسيّب بن نجبة و رفاعة بن شدّاد]
قال: و كتب الحسين عليه السلام إلى سليمان بن صرد و المسيّب بن نجبة و رفاعة بن شدّاد و جماعة من الشيعة بالكوفة، و بعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي.
فلمّا قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه ليفتّشه، فأخرج الكتاب و مزّقه، فحمله الحصين إلى ابن زياد لعنه اللّه.
فلمّا مثل بين يديه، قال: من أنت؟
قال: أنا رجل من شيعة عليّ بن أبي طالب و ابنه الحسين عليه السلام.
قال: فلما ذا مزّقت الكتاب؟
قال: لئلّا تعلم ما فيه؟
قال: و ممّن الكتاب؟ و إلى من؟
قال: من الحسين عليه السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد و قال: و اللّه لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتعلن الحسين و أباه و أخاه، أو لاقطّعنّك 2675 إربا إربا.
فقال: أمّا القوم فلا اخبرك بأسمائهم، و أمّا لعن الحسين و أبيه و أخيه فأفعل.
فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أكثر من الترحّم على عليّ و ولده عليهم السلام، ثمّ لعن عبيد اللّه بن زياد و أباه، و لعن عتاة بني اميّة عن أوّلهم و آخرهم.
ثمّ قال: [أيّها الناس] 2676 أنا رسول الحسين بن عليّ عليه السلام إليكم، و قد خلّفته بموضع كذا فأجيبوه.
فأخبروا ابن زياد بذلك، فأمر بإلقائه من أعلى القصر، فالقي من هناك، فمات رحمه اللّه.
و بلغ الحسين عليه السلام موته فاستعبر باكيا، و قال: اللّهمّ اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقرّ من رحمتك 2677 ، إنّك على كلّ شيء قدير.
و روي أنّ هذا الكتاب كتب من الحاجز، و قيل غير ذلك 2678 .
[ارتحال الحسين عليه السلام عن زبالة و خطبته في الناس يخبرهم باستشهاد مسلم و هانئ و قيس بن مسهر]
و ورد الخبر بقتل قيس على الحسين عليه السلام و هو بزبالة، و كان قد تبعه خلق كثير من المنازل الّتي كان يمرّ بها لأنّهم كانوا يظنّون استقامة الأمر له صلوات اللّه عليه.
فلمّا سار من زبالة قام في الناس خطيبا، فقال: إنّ أهل الكوفة وثبوا على مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة فقتلوهما و قتلوا قيس بن مسهر 2679 ، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج، ليس عليه منّا ذمام، فتفرّق الناس عنه و أخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الّذين جاءوا معه من المدينة 2680 ، و إنّما أراد أن يصحبه إنسان إلّا على بصيرة.
ثمّ سار عليه السلام حتى بقي على مرحلتين من الكوفة، فقال رجل من القوم: اللّه أكبر.
فقال الحسين: ممّا كبّرت؟
قال: رأيت نخيل الكوفة.
قال الأسديّان: هذا مكان ما رأينا فيه نخلا قطّ.
قال الحسين عليه السلام: فما تريانه؟
قالا: و اللّه نرى أسنّة 2681 الرماح، و آذان الخيل.
[وصول الحسين عليه السلام إلى ذي حسم، و التقاء الحرّ بن يزيد الرياحي معه عليه السلام]
قال الحسين عليه السلام: و أنا أرى ذلك، فهل لنا ملجأ؟
قالا: بلى، ذو حسم 2682 إلى جنبك فمل إليه عن يسارك، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد، فأخذ ذات اليسار، و طلعت الخيل، فعدلوا إليه و سبق الخيل إلى ذي حسم، فنزل صلوات اللّه عليه فيه، فجاء الحرّ بن يزيد الرياحي في ألف رجل فوقفوا.
فقال الحسين عليه السلام لأصحابه: اسقوا القوم و مدّوهم، فسقوهم حتى ارتووا و كانوا شاكّين في السلاح.
فقال الحسين عليه السلام: من قائدكم؟
فقالوا: الحرّ بن يزيد الرياحي، فناداه الحسين، و قال: يا حرّ، لنا أم علينا؟
فقال الحرّ: بل عليك.
فقال الحسين عليه السلام: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العظيم.
قال: و دنت صلاة الظهر، فقال الحسين للحجّاج بن مسروق: أذّن يرحمك اللّه و أقم الصلاة حتى نصلّي.
قال: فأذّن، فلمّا فرغ من أذانه صاح الحسين بالحرّ، فقال: أ تريد أن تصلّي بأصحابك و اصلّي بأصحابي؟
فقال الحرّ: بل أنت صلّ و نصلّي بصلاتك، فتقدّم الحسين عليه السلام و صلّى بالعسكرين جميعا، فلمّا فرغ من صلاته وثب قائما و اتّكى على قائم
سيفه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس معذرة إليّ و إلى 2683 من حضر من المسلمين، إنّي لم أقدم إلى هذا البلد حتى أتتني كتبكم، و قدمت عليّ رسلكم أن أقدم إلينا فإنّه ليس علينا إمام، فلعلّ اللّه يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على عهدكم فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه و أثق به من عهودكم و مواثيقكم أدخل مصركم معكم، و إن لم تفعلوا و كنتم كارهين لقدومي انصرفت إلى المكان الّذي جئت منه، و السلام.
فقال له الحرّ: أما و اللّه ما ندري بهذه الكتب الّتي تقول.
فقال: يا عقبة 2684 بن سمعان، أخرج الخرجين و أخرجها، فنشر الكتب بين يديه.
فقال الحرّ: لسنا من هؤلاء.
[كتاب عبيد اللّه بن زياد إلى الحرّ بن يزيد يأمره بالتضييق على الحسين عليه السلام]
و إذا بكتاب قد ورد من الكوفة من عبيد اللّه بن زياد إلى الحرّ:
أمّا بعد:
يا حرّ، فإذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين و لا تفارقه حتى تأتيني به، فإنّي قد أمرت رسولي أن يلازمك فلا يفارقك حتى تأتيني بإنفاذ أمري إليك، و السلام.