کتابخانه روایات شیعه
سيفه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس معذرة إليّ و إلى 2683 من حضر من المسلمين، إنّي لم أقدم إلى هذا البلد حتى أتتني كتبكم، و قدمت عليّ رسلكم أن أقدم إلينا فإنّه ليس علينا إمام، فلعلّ اللّه يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على عهدكم فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه و أثق به من عهودكم و مواثيقكم أدخل مصركم معكم، و إن لم تفعلوا و كنتم كارهين لقدومي انصرفت إلى المكان الّذي جئت منه، و السلام.
فقال له الحرّ: أما و اللّه ما ندري بهذه الكتب الّتي تقول.
فقال: يا عقبة 2684 بن سمعان، أخرج الخرجين و أخرجها، فنشر الكتب بين يديه.
فقال الحرّ: لسنا من هؤلاء.
[كتاب عبيد اللّه بن زياد إلى الحرّ بن يزيد يأمره بالتضييق على الحسين عليه السلام]
و إذا بكتاب قد ورد من الكوفة من عبيد اللّه بن زياد إلى الحرّ:
أمّا بعد:
يا حرّ، فإذا أتاك كتابي فجعجع بالحسين و لا تفارقه حتى تأتيني به، فإنّي قد أمرت رسولي أن يلازمك فلا يفارقك حتى تأتيني بإنفاذ أمري إليك، و السلام.
فلمّا قرأ الكتاب بعث إلى بقاية من أصحابه 2685 فدعاهم، ثمّ قال: و يحكم قد ورد عليّ كتاب هذا اللعين ابن زياد يأمرني أن أقدم على الحسين بما يسوؤه
و لا و اللّه لا تطاوعني نفسي بذلك و لا تجيبني.
قال: فالتفت إليه رجل من أصحاب الحرّ يقال له أبو الشعثاء الكندي إلى رسول ابن زياد فقال له: فيما جئت ثكلتك امّك؟
فقال: أطعت إمامي، و وفيت ببيعتي، و جئت برسالة أميري.
فقال له أبو الشعثاء: لعمري لقد عصيت ربّك، و أطعت إمامك، و أهلكت نفسك، و التبست 2686 عارا، فبئس الإمام إمامك، قال اللّه سبحانه: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ 2687 .
و قام الحسين عليه السلام على قدميه عند ذلك، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّا أهل بيت نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله، و نحن أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، السائرين فيكم بالظلم و العدوان، فإن تتّقوا و تعرفوا الحقّ لأهله فيكون ذلك رضى، و إن كرهتمونا و جهلتم حقّنا، و كان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم انصرفت عنكم.
فأجابه الحرّ بما أجابه، و قال: امرنا إن لقيناك لا نفارقك حتى نقدم بك على الأمير.
قال: فتبسّم الحسين صلوات اللّه عليه، ثمّ قال: يا ابن يزيد، أو لا تعلم أنّ الموت أولى من ذلك؟ ثمّ التفت الحسين إلى أصحابه و قال: احملوا النساء و اركبوا حتى ننظر ما 2688 الّذي يقدر أن يصنع هذا و أصحابه.
قال: فركب أصحاب الحسين و ساقوا النساء بين أيديهم لينصرفوا إلى مكّة، فتقدّمت خيل أهل الكوفة حتى حالت بينهم و بين المسير، و ضرب الحسين بيده إلى سيفه، و قال: يا ابن يزيد، ثكلتك امّك، ما الّذي تريد أن تصنع؟
فقال الحرّ: أما و اللّه يا حسين، لو قالها أحد من العرب غيرك لرددتها عليه كائنا من كان، و لكن و اللّه ما لي إلى ذكر امّك من سبيل، غير انّي لا بدّ أن أنطلق بك إلى ابن زياد.
فقال الحسين عليه السلام: أما و اللّه لا أتبعك أو تذهب نفسي.
فقال الحرّ: إذا و اللّه لا أفارقك أو تذهب نفسي و نفس أصحابي.
قال الحسين عليه السلام: فذر أصحابك و أصحابي و ابرز إليّ، فإن قتلتني حملت رأسي إلى ابن زياد، و إن قتلتك أرحت الخلق منك.
فقال الحرّ: إنّي لم أومر بقتالك، و إنّما امرت أن لا أفارقك أو أقدم بك على ابن زياد، و أنا كاره و اللّه أن أبتلي بشيء من أمرك، غير أنّي أخذت بيعة القوم و خرجت إليك، و أنا أعلم أنّه ما يوافي أحد من هذه الامّة يوم القيامة إلّا و هو يرجو شفاعة جدّك، و أنا خائف إن قاتلتك أن أخسر الدنيا و الآخرة، لكن يا أبا عبد اللّه، لا أقدر على الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا، فخذ في غير الطريق و امض حيث شئت حتى أكتب إلى ابن زياد انّ الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه، و أنا انشدك اللّه في نفسك.
فقال: يا حرّ، كأنّك تخبرني أنّي مقتول.
قال الحرّ: نعم يا أبا عبد اللّه، ما أشكّ في ذلك إلّا أن ترجع من حيث
جئت.
فقال الحسين عليه السلام: لا أدري ما أقول لك، و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّ له لقيه و هو يريد نصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال:
أين تذهب إنّك مقتول؟
فقال:
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما
و واسى الرجال الصالحين بنفسه
و فارق مذموما و خالف مجرما
اقدّم نفسي لا اريد بقاءها
لتلقى خميسا في الوغى 2689 و عرمرما
فإن عشت لم اذمم و إن مت لم الم
كفى بك ذلّا أن تعيش فترغما
ثمّ أقبل الحسين عليه السلام على أصحابه، و قال: هل فيكم أحد يعرف 2690 الطريق على غير الجادّة؟
فقال الطرمّاح 2691 : نعم، يا ابن رسول اللّه، أنا أخبر الطريق.
[أرجاز للطرمّاح]
فقال الحسين عليه السلام: سر بين أيدينا، فسار الطرمّاح و اتّبعه الحسين
صلوات اللّه عليه و أصحابه، و جعل الطرمّاح يرتجز [و يقول] 2692 :
يا ناقتي لا تجزعي 2693 من زجر
و امضي بنا قبل طلوع الفجر
بخير فتيان و خير سفر
آل رسول اللّه آل 2694 الفخر
السادة البيض الوجوه الزهر 2695
الطاعنين بالرماح السمر
الضاربين بالسيوف 2696 البتر
حتى تحلّى بكريم النجر 2697
الماجد الجدّ 2698 الرحيب الصدر
أتى به 2699 اللّه لخير أمر 2700
عمّره اللّه بقاء الدهر
يا مالك النفع معا و الضرّ
أيّد حسينا سيّدي بالنصر
على الطغاة من بقايا الكفر
على اللعينين سليلي صخر
يزيد لا زال حليف الخمر
و ابن زياد العهر و ابن العهر 2701
[نزول الحسين عليه السلام عذيب الهجانات]
قال: و أصبح الحسين عليه السلام من وراء عذيب الهجانات 2702 و إذا بالحرّ قد ظهر له 2703 أيضا في جيشه، فقصد الحسين، فقال: ما وراءك، يا ابن يزيد؟ أ ليس أمرتنا أن نأخذ على غير الطريق فأخذنا و قبلنا مشورتك؟
فقال: صدقت، و لكن هذا كتاب ابن زياد ورد عليّ يؤنّبني و يضعّفني في أمرك.
قال الحسين: فذرنا ننزل بقرية نينوى أو الغاضريّة؟
فقال الحرّ: و اللّه ما أستطيع ذلك، هذا رسول ابن زياد معي، و إنّما بعثه عينا عليّ.
فأقبل زهير بن القين على الحسين، فقال: يا ابن رسول اللّه، ذرنا نقاتل هؤلاء القوم فإنّ قتالنا إيّاهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم.
فقال الحسين عليه السلام: صدقت يا زهير، و لكن ما كنت بالّذي أبدأهم بالقتال حتى يبدءوني. 2704
ال زهير: سربنا حتى ننزل كربلاء فإنّها [على] 2705 شاطئ الفرات فنكون هناك، فإن قاتلونا قاتلناهم و استعنّا عليهم باللّه.
قال: فدمعت عينا الحسين عليه السلام، و قال: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من
الكرب و البلاء، و نزل الحسين في موضعه و نزل الحرّ حذاءه 2706 .
و قام إلى الحسين رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع الجملي 2707 ، فقال:
يا ابن رسول اللّه، أ لست تعلم أنّ جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته، و لا أن يرجعوا من أمره إلى ما يحبّ 2708 ، و قد كان [منهم] 2709 منافقون يعدونه النصر و يضمرون له الغدر، و يلقونه بأحلى من العسل، و يخلفونه بأمرّ من الحنظل حتى قبضه اللّه تعالى إليه، و أنّ أباك أمير المؤمنين عليه السلام كان في مثل ذلك، فقوم اجتمعوا على نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين [و قوم قعدوا عنه و خذلوه] 2710 حتى آتاه اللّه أجله فمضى إلى رحمة اللّه و رضوانه، و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده و خلع بيعته فلن يضرّ إلّا نفسه، و اللّه تعالى مغن عنه، فسر بنا معافى راشدا إن شئت مشرقا أو مغربا، فو اللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، و لا كرهنا لقاء ربّنا، و إنّا على نيّاتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك.