کتابخانه روایات شیعه
الكرب و البلاء، و نزل الحسين في موضعه و نزل الحرّ حذاءه 2706 .
و قام إلى الحسين رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع الجملي 2707 ، فقال:
يا ابن رسول اللّه، أ لست تعلم أنّ جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته، و لا أن يرجعوا من أمره إلى ما يحبّ 2708 ، و قد كان [منهم] 2709 منافقون يعدونه النصر و يضمرون له الغدر، و يلقونه بأحلى من العسل، و يخلفونه بأمرّ من الحنظل حتى قبضه اللّه تعالى إليه، و أنّ أباك أمير المؤمنين عليه السلام كان في مثل ذلك، فقوم اجتمعوا على نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين [و قوم قعدوا عنه و خذلوه] 2710 حتى آتاه اللّه أجله فمضى إلى رحمة اللّه و رضوانه، و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده و خلع بيعته فلن يضرّ إلّا نفسه، و اللّه تعالى مغن عنه، فسر بنا معافى راشدا إن شئت مشرقا أو مغربا، فو اللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، و لا كرهنا لقاء ربّنا، و إنّا على نيّاتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك.
ثمّ وثب إليه رجل من شيعته يقال له برير بن خضير الهمداني، فقال: و اللّه يا ابن رسول اللّه، لقد منّ اللّه تعالى بك علينا أن نقاتل بين يديك، و تقطّع [فيك] 2711 أعضاؤنا، ثمّ يكون جدّك صلّى اللّه عليه و آله شفيعا لنا يوم القيامة، لا أفلح قوم ضيّعوا ابن [بنت] 2712 نبيّهم، افّ لهم غدا ما يلاقون، ينادون بالويل و الثبور في نار جهنّم.
قال: فجمع الحسين عليه السلام ولده و إخوته و أهل بيته بين يديه، ثمّ نظر إليهم، فبكى ساعة، ثمّ قال: اللّهمّ إنّا عترة نبيّك صلّى اللّه عليه و آله و قد اخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدّنا، و تعدّت بنو اميّة علينا، فخذلنا بحقّنا، و انصرنا على القوم الظالمين.
[نزول الحسين عليه السلام كربلاء]
ثمّ نادى عليه السلام بأصحابه و رحل من موضعه 2713 حتى نزل كربلاء في يوم الأربعاء أو الخميس، و ذلك في اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى و ستّين، ثمّ أقبل على أصحابه، فقال: الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت 2714 معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون.
ثمّ قال: أ هذه كربلاء 2715 ؟
فقالوا: نعم.
فقال: هذا موضع كرب و بلا، هاهنا مناخ ركابنا، و محطّ رحالنا، و مقتل رجالنا، و مسفك دمائنا 2716 .
فنزل القوم و حطّوا أثقالهم ناحية من الفرات، و ضربت خيمة الحسين لأهله و بنيه و بناته، و ضرب إخوته و بنو عمّه خيامهم حول خيمته،
[أبيات للحسين عليه السلام]
و جلس
الحسين عليه السلام يصلح سيفه و معه جون مولى أبي ذرّ الغفّاري، فأنشأ الحسين يقول:
يا دهر افّ لك من خليل
كم لك بالإشراق و الأصيل
من طالب بحقّه قتيل 2717
و الدهر لا يقنع بالبديل
و كلّ حيّ سالك سبيل
ما أقرب الوعد من الرحيل
و إنّما الأمر إلى الجليل
[ سبحانه جلّ عن المثيل ] 2718
فسمعت بذلك اخت الحسين زينب و أمّ كلثوم، فقالت: يا أخي، هذا كلام من أيقن بالموت.
فقال: نعم، يا اختاه، لو ترك القطا لغفا و نام.
فقالت زينب: وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، مات جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و مات أبي عليّ، و ماتت امّي فاطمة، و مات أخي الحسن، و الآن ينعى إليّ أخي الحسين نفسه.
قال: و بكت النسوة، و لطمن الخدود، و شققن الجيوب، و جعلت أمّ كلثوم تنادي 2719 : وا محمّداه، وا عليّاه، وا امّاه، وا حسناه، وا حسيناه، وا ضيعتاه، يا أبا عبد اللّه.
فعزّاها الحسين و صبّرها، و قال: يا اختاه، تعزّي بعزاء اللّه، و ارضي بقضاء اللّه، فإنّ سكّان السماء يفنون 2720 ، و أهل الأرض يموتون، كُلُّ شَيْءٍ
هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 2721 .
يا اختاه، كان أبي و جدّي و أخي و امّي أفضل منّي و قد ذاقوا الموت، و صاروا تحت الثرى، و انّ لي و لهم و لكلّ مؤمن اسوة برسول اللّه.
و عزّاها الحسين: يا اختاه يا أمّ كلثوم و يا زينب و يا فاطمة، انظرن إذا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا، و لا تخمشن وجها، و لا تقلن هجرا.
و قال الطرمّاح بن عديّ: الوجه عندي في ذلك يا ابن رسول اللّه أن تركب معي جمازة فإنّي [أبلغ] 2722 بك الليلة قبل الصباح أحياء طي، و اسوّي لك امورك، و اقيم بين يديك خمسة آلاف مقاتل يقاتلون عنك.
فقال الحسين عليه السلام: ليس من مروّة الرجل أن ينجو بنفسه و يهلك أهله و عياله.
فقال له أصحابه: إنّ هؤلاء إذا لم يجدوك لم يفعلوا بالعيال مكروها، فلم يلتفت إلى قولهم، و جزى الطرمّاح خيرا.
و أقبل الحرّ حتى نزل بإزاء الحسين بكربلاء.
[كتاب ابن زياد إلى الحسين عليه السلام]
و كتب ابن زياد إلى الحسين عليه السلام:
أمّا بعد:
يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، و قد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير، و لا أشبع من الخمير، أو الحقك باللطيف الخبير، أو ترجع إلى حكمي و حكم يزيد.
فلمّا ورد كتابه على الحسين عليه السلام و قرأه رماه من يده، و قال: لا أفلح قوم شروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.
فقال له الرسول: الجواب يا أبا عبد اللّه.
فقال له: ماله عندي جواب، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب، فرجع الرسول إلى ابن زياد، فخبّره بذلك، فغضب عدوّ اللّه أشدّ الغضب، ثمّ جمع أصحابه و قال: من منكم يتولّى قتال الحسين أتولّى به 2723 أيّ بلد شاء؟ فلم يجبه أحد،
[ابن زياد يأمر عمر بن سعد بتولّي قتال الحسين عليه السلام]
و التفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقّاص و قد كان قبل ذلك بأيّام قد عقد له عهدا و ولّاه الريّ و تستر، و أمره بحرب الديلم فأراد أن يخرج إليها، فلمّا كان ذلك أقبل عليه ابن زياد، فقال: اريد أن تمضي إلى حرب الحسين فإذا نحن فرغنا من أمره سرت إلى عملك.
فقال عمر بن سعد: أيّها الأمير، إن رأيت أن تعفيني عن قتال الحسين منعما عليّ.
فقال ابن زياد: فإنّا قد أعفيناك، فاردد علينا عهدنا الّذي كتبناه لك و اجلس في منزلك حتى نبعث غيرك.
فقال عمر: فأمهلني اليوم حتى أنظر في أمري.
قال: قد أمهلتك.
قال: فانصرف عمر بن سعد إلى منزله ليستشير إخوانه و من يثق به، فلا يشير عليه أحد بذلك غير أنّهم يقولون: آثر اللّه و اتّق ربّك و لا تفعل، و أقبل إليه حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن اخته، فقال: انشدك اللّه يا خال ان تسير إلى
[قتال] 2724 الحسين فإنّك تأثم بذلك و تقطع رحمك، فو اللّه لئن خرجت من سلطان الأرض كلّها هو خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين.
قال: فسكت عمر و في قلبه من الريّ ما فيه 2725 ، فلمّا أصبح أقبل على ابن زياد، فقال له: ما عندك يا عمر؟
فقال: أيّها الأمير، إنّك ولّيتني هذا بعمل، و قد تسامع الناس به، فإن رأيت أن تفسده لي و تولّي غيري فافعل، فإنّ في الكوفة أسماء بن خارجة، و كثير بن شهاب، و محمد بن الأشعث، و غيرهم.
فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف الكوفة، فإنّي لا أستأمرك فيمن اريد أن أبعث، فإن سرت أنت فرّجت عنّا هذه الغمّة، و أنت الحبيب القريب، و إلّا فاردد علينا عملنا 2726 ، و الزم منزلك فإنّا لا نكرهك.
قال: فسكت عمر، و غضب ابن زياد، و قال: يا ابن سعد، و اللّه لئن لم تمض إلى حرب الحسين 2727 و تتولّاه لأضربنّ عنقك، و لأهدمنّ دارك، و لأنهبنّ مالك [و لا ابقي عليك] 2728 كائنا ما كان.
فقال: إذا فأنا سائر إليه غدا، فجزاه ابن زياد خيرا، و وصله و أعطاه، و ضمّ إليه أربعة آلاف فارس، و قال له: خذ بكظم الحسين، و حل بينه و بين ماء الفرات أن يشرب منه،
[مسير عمر بن سعد نحو الحسين عليه السلام]
ثمّ سار عمر بن سعد في أربعة آلاف نحو الحسين، و كان
[الحرّ] 2729 عنده ألف فذلك خمسة آلاف،
[مجيء رسول ابن سعد إلى الحسين عليه السلام]
ثمّ دعا عمر بن سعد برجل من أصحابه يقال له عروة بن قيس، فقال له: امض إلى الحسين فاسأله ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟ و ما الّذي أخرجه من مكّة؟
فقال عروة: أيّها الأمير، إنّي كنت قبل اليوم اكاتب الحسين و يكاتبني، و أنا أستحي أن أصير إليه، فإن رأيت أن تبعث غيري، فبعث ابن سعد برجل يقال له كثير بن عبد اللّه الشعبي 2730 ، و كان ملعونا ناصبيّا شديد العداوة لأهل البيت عليهم السلام فسلّ سيفه، فلمّا رأى أبو ثمامة الصائدي 2731 قال للحسين: يا ابن رسول اللّه، قد جاءك شرّ الناس و أجرأهم على سفك الدماء.
قال: فقام الحسين و قال له: ضع سيفك حتى نكلّمك فقال: لا و لا كرامة، إنّما أنا رسول فإن سمعت منّي بلّغت ما ارسلت به، و إن أبيت انصرفت.
فقال له أبو ثمامة: تكلّم بما تريد و لا تدن من الحسين فإنّك رجل فاسق، فغضب و رجع إلى ابن سعد، و قال: إنّهم لم يتركوني أن أدنو من الحسين فابلّغه رسالتك فابعث غيري، فأرسل إليه برجل يقال له قرّة بن قيس الحنظلي، فلمّا أشرف على عسكر الحسين قال الحسين لأصحابه: هل تعرفون الرجل؟