کتابخانه روایات شیعه
فلمّا ورد كتابه على الحسين عليه السلام و قرأه رماه من يده، و قال: لا أفلح قوم شروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.
فقال له الرسول: الجواب يا أبا عبد اللّه.
فقال له: ماله عندي جواب، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب، فرجع الرسول إلى ابن زياد، فخبّره بذلك، فغضب عدوّ اللّه أشدّ الغضب، ثمّ جمع أصحابه و قال: من منكم يتولّى قتال الحسين أتولّى به 2723 أيّ بلد شاء؟ فلم يجبه أحد،
[ابن زياد يأمر عمر بن سعد بتولّي قتال الحسين عليه السلام]
و التفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقّاص و قد كان قبل ذلك بأيّام قد عقد له عهدا و ولّاه الريّ و تستر، و أمره بحرب الديلم فأراد أن يخرج إليها، فلمّا كان ذلك أقبل عليه ابن زياد، فقال: اريد أن تمضي إلى حرب الحسين فإذا نحن فرغنا من أمره سرت إلى عملك.
فقال عمر بن سعد: أيّها الأمير، إن رأيت أن تعفيني عن قتال الحسين منعما عليّ.
فقال ابن زياد: فإنّا قد أعفيناك، فاردد علينا عهدنا الّذي كتبناه لك و اجلس في منزلك حتى نبعث غيرك.
فقال عمر: فأمهلني اليوم حتى أنظر في أمري.
قال: قد أمهلتك.
قال: فانصرف عمر بن سعد إلى منزله ليستشير إخوانه و من يثق به، فلا يشير عليه أحد بذلك غير أنّهم يقولون: آثر اللّه و اتّق ربّك و لا تفعل، و أقبل إليه حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن اخته، فقال: انشدك اللّه يا خال ان تسير إلى
[قتال] 2724 الحسين فإنّك تأثم بذلك و تقطع رحمك، فو اللّه لئن خرجت من سلطان الأرض كلّها هو خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين.
قال: فسكت عمر و في قلبه من الريّ ما فيه 2725 ، فلمّا أصبح أقبل على ابن زياد، فقال له: ما عندك يا عمر؟
فقال: أيّها الأمير، إنّك ولّيتني هذا بعمل، و قد تسامع الناس به، فإن رأيت أن تفسده لي و تولّي غيري فافعل، فإنّ في الكوفة أسماء بن خارجة، و كثير بن شهاب، و محمد بن الأشعث، و غيرهم.
فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف الكوفة، فإنّي لا أستأمرك فيمن اريد أن أبعث، فإن سرت أنت فرّجت عنّا هذه الغمّة، و أنت الحبيب القريب، و إلّا فاردد علينا عملنا 2726 ، و الزم منزلك فإنّا لا نكرهك.
قال: فسكت عمر، و غضب ابن زياد، و قال: يا ابن سعد، و اللّه لئن لم تمض إلى حرب الحسين 2727 و تتولّاه لأضربنّ عنقك، و لأهدمنّ دارك، و لأنهبنّ مالك [و لا ابقي عليك] 2728 كائنا ما كان.
فقال: إذا فأنا سائر إليه غدا، فجزاه ابن زياد خيرا، و وصله و أعطاه، و ضمّ إليه أربعة آلاف فارس، و قال له: خذ بكظم الحسين، و حل بينه و بين ماء الفرات أن يشرب منه،
[مسير عمر بن سعد نحو الحسين عليه السلام]
ثمّ سار عمر بن سعد في أربعة آلاف نحو الحسين، و كان
[الحرّ] 2729 عنده ألف فذلك خمسة آلاف،
[مجيء رسول ابن سعد إلى الحسين عليه السلام]
ثمّ دعا عمر بن سعد برجل من أصحابه يقال له عروة بن قيس، فقال له: امض إلى الحسين فاسأله ما الّذي جاء به إلى هذا الموضع؟ و ما الّذي أخرجه من مكّة؟
فقال عروة: أيّها الأمير، إنّي كنت قبل اليوم اكاتب الحسين و يكاتبني، و أنا أستحي أن أصير إليه، فإن رأيت أن تبعث غيري، فبعث ابن سعد برجل يقال له كثير بن عبد اللّه الشعبي 2730 ، و كان ملعونا ناصبيّا شديد العداوة لأهل البيت عليهم السلام فسلّ سيفه، فلمّا رأى أبو ثمامة الصائدي 2731 قال للحسين: يا ابن رسول اللّه، قد جاءك شرّ الناس و أجرأهم على سفك الدماء.
قال: فقام الحسين و قال له: ضع سيفك حتى نكلّمك فقال: لا و لا كرامة، إنّما أنا رسول فإن سمعت منّي بلّغت ما ارسلت به، و إن أبيت انصرفت.
فقال له أبو ثمامة: تكلّم بما تريد و لا تدن من الحسين فإنّك رجل فاسق، فغضب و رجع إلى ابن سعد، و قال: إنّهم لم يتركوني أن أدنو من الحسين فابلّغه رسالتك فابعث غيري، فأرسل إليه برجل يقال له قرّة بن قيس الحنظلي، فلمّا أشرف على عسكر الحسين قال الحسين لأصحابه: هل تعرفون الرجل؟
فقال حبيب بن مظاهر: نعم، يا ابن رسول اللّه، هذا رجل من بني تميم ثمّ من بني حنظلة، و قد 2732 كنت أعرفه حسن الرأي، و ما ظننت أنّه يشهد هذا المشهد، ثمّ تقدّم الحنظلي حتى وقف بين يدي الحسين عليه السلام و أبلغه
رسالة عمر بن سعد.
فقال الحسين عليه السلام: يا هذا، أبلغ صاحبك انّي لم أرد هذا البلد، و لكن كتب إليّ أهله أن آتيهم يبايعوني و يمنعوني و ينصروني، فإن كرهتموني انصرفت عنكم من حيث جئت.
ثمّ وثب إليه حبيب بن مظاهر، و قال: ويحك يا قرّة، عهدي بك و أنت حسن الرأي في أهل البيت، فما الّذي غيّرك حتى جئتنا بهذه الرسالة، فأقم عندنا و انصر هذا الرجل الّذي قد أتانا اللّه به؟
فقال الحنظلي: سمعت مقالتك، و هو أحقّ بالنصر من غيره، و لكنّي أرجع إلى صاحبي بالرسالة و أنظر في ذلك، ثمّ انصرف و أخبر ابن سعد بمقالة الحسين.
[كتاب ابن سعد إلى ابن زياد]
فقال ابن سعد: الحمد للّه، و اللّه إنّي لا أرجو أن يعافيني اللّه من حربه، ثمّ كتب إلى ابن زياد:
إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد من عمر بن سعد.
أمّا بعد:
فإنّي نزلت بالحسين، ثمّ بعثت إليه رسولا و سألته عمّا أقدمه، فذكر انّ أهل الكوفة أرسلوا يسألونه القدوم عليهم ليبايعوه و ينصروه، فإذا قد بدا لهم في نصرته فإنّه ينصرف من حيث أتى و يلحق بيزيد بن معاوية، أو يلحق بأيّ بلد أردت فيكون كواحد من المسلمين، فأحببت أن اعلم الأمير بذلك.
[كتاب ابن زياد إلى ابن سعد، و خطبته في جامع الكوفة]
فلمّا قرأ ابن زياد كتاب عمر فكّر ساعة، ثمّ قال: الآن و قد علقت مخاليبنا يرجو ابن أبي تراب النجاة منها، هيهات لا نجّى اللّه ابن زياد إن نجا منها
الحسين، ثمّ كتب إلى ابن سعد:
أمّا بعد:
فقد بلغني كتابك و ما ذكرت من أمر الحسين، فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعرض عليه البيعة ليزيد، فإن فعل و أجاب إلى البيعة و إلّا فائتني به، و السلام.
فلمّا ورد الكتاب على ابن سعد قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، أخاف أنّ ابن زياد لا يقبل العافية، و اللّه المستعان، فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنّه علم أنّ الحسين لا يبايع يزيد أبدا 2733 .
قال: ثمّ جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة، ثمّ خرج فصعد المنبر، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، و هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة، محمود الطريقة، محسنا إلى الرعيّة، يعطي العطاء في حقّه، قد أمنت السبل على عهده، و كذلك كان أبوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد، و يغنيهم بالأموال و يكرمهم، و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني أن اوفّرها عليكم و اخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له و أطيعوا.
ثمّ نزل عن المنبر و وفّر للناس العطاء، و أمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام، و يكونوا عونا لابن سعد على حربه، فأوّل من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف، فصار ابن سعد في تسعة آلاف، ثمّ أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين، و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و فلان المازني في ثلاثة آلاف، و نصر بن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألفا.
[كتاب ابن زياد إلى شبث بن ربعي]
ثمّ أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا فإنّا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين، فتمارض شبث و أراد أن يعفيه ابن زياد، فأرسل إليه:
أمّا بعد:
فإنّ رسولي خبّرني بتمارضك، و أخاف أن تكون من الّذين إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزءون 2734 ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا، فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلّا ينظر الملعون إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة، فلمّا دخل رحّب به و قرّب مجلسه، و قال: احبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه.
فقال: أفعل أيّها الأمير 2735 .
فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس و راجل، ثمّ كتب إليه ابن زياد: إنّي لم أجعل لك علّة في كثرة الخيل و الرجال، فانظر لا اصبح و لا امسي إلّا و خبرك عندي غدوة و عشيّة، و كان ابن زياد يستحثّ عمر بن سعد على قتال الحسين عليه السلام، و عمر بن سعد يكره ذلك 2736 .
قال: و التأمت العساكر عند عمر بن سعد لستّة أيّام مضين من المحرّم 2737 ، و أقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام، فقال: يا ابن رسول اللّه، هاهنا
حيّ من بني أسد بالقرب منّا أ فتأذن لي بالمصير إليهم [الليلة] 2738 فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى اللّه أن يدفع بهم الأذى عنك؟
[توجّه حبيب بن مظاهر إلى بني أسد يحثّهم على نصرة الحسين عليه السلام]
قال: قد أذنت لك، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل مستنكرا مستعجلا حتى أتى إليهم فعرفوه أنّه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك، يا ابن عمّنا؟
فقال: إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم فإنّه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه، و لن يسلّموه بيد أعدائه 2739 ، و هذا عمر بن سعد قد أحاط به، و أنتم قومي و عشيرتي، و قد أتيتكم بهذه النصيحة، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة 2740 ، فإنّي اقسم باللّه لا يقتل أحد منكم في سبيل اللّه مع ابن بنت رسول اللّه صابرا محتسبا إلّا كان رفيقا لمحمد صلّى اللّه عليه و آله في علّيّين.
قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد اللّه بن بشر، فقال: أنا أوّل من يجيب إلى هذه الدعوة، ثمّ جعل يرتجز [و يقول] 2741 :
قد علم القوم إذا تواكلوا 2742
و أحجم الفرسان أو تثاقلوا 2743
أنّي شجاع بطل مقاتل 2744