کتابخانه روایات شیعه
رسالة عمر بن سعد.
فقال الحسين عليه السلام: يا هذا، أبلغ صاحبك انّي لم أرد هذا البلد، و لكن كتب إليّ أهله أن آتيهم يبايعوني و يمنعوني و ينصروني، فإن كرهتموني انصرفت عنكم من حيث جئت.
ثمّ وثب إليه حبيب بن مظاهر، و قال: ويحك يا قرّة، عهدي بك و أنت حسن الرأي في أهل البيت، فما الّذي غيّرك حتى جئتنا بهذه الرسالة، فأقم عندنا و انصر هذا الرجل الّذي قد أتانا اللّه به؟
فقال الحنظلي: سمعت مقالتك، و هو أحقّ بالنصر من غيره، و لكنّي أرجع إلى صاحبي بالرسالة و أنظر في ذلك، ثمّ انصرف و أخبر ابن سعد بمقالة الحسين.
[كتاب ابن سعد إلى ابن زياد]
فقال ابن سعد: الحمد للّه، و اللّه إنّي لا أرجو أن يعافيني اللّه من حربه، ثمّ كتب إلى ابن زياد:
إلى الأمير عبيد اللّه بن زياد من عمر بن سعد.
أمّا بعد:
فإنّي نزلت بالحسين، ثمّ بعثت إليه رسولا و سألته عمّا أقدمه، فذكر انّ أهل الكوفة أرسلوا يسألونه القدوم عليهم ليبايعوه و ينصروه، فإذا قد بدا لهم في نصرته فإنّه ينصرف من حيث أتى و يلحق بيزيد بن معاوية، أو يلحق بأيّ بلد أردت فيكون كواحد من المسلمين، فأحببت أن اعلم الأمير بذلك.
[كتاب ابن زياد إلى ابن سعد، و خطبته في جامع الكوفة]
فلمّا قرأ ابن زياد كتاب عمر فكّر ساعة، ثمّ قال: الآن و قد علقت مخاليبنا يرجو ابن أبي تراب النجاة منها، هيهات لا نجّى اللّه ابن زياد إن نجا منها
الحسين، ثمّ كتب إلى ابن سعد:
أمّا بعد:
فقد بلغني كتابك و ما ذكرت من أمر الحسين، فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعرض عليه البيعة ليزيد، فإن فعل و أجاب إلى البيعة و إلّا فائتني به، و السلام.
فلمّا ورد الكتاب على ابن سعد قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، أخاف أنّ ابن زياد لا يقبل العافية، و اللّه المستعان، فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنّه علم أنّ الحسين لا يبايع يزيد أبدا 2733 .
قال: ثمّ جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة، ثمّ خرج فصعد المنبر، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، و هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة، محمود الطريقة، محسنا إلى الرعيّة، يعطي العطاء في حقّه، قد أمنت السبل على عهده، و كذلك كان أبوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد، و يغنيهم بالأموال و يكرمهم، و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني أن اوفّرها عليكم و اخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له و أطيعوا.
ثمّ نزل عن المنبر و وفّر للناس العطاء، و أمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام، و يكونوا عونا لابن سعد على حربه، فأوّل من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف، فصار ابن سعد في تسعة آلاف، ثمّ أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين، و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و فلان المازني في ثلاثة آلاف، و نصر بن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألفا.
[كتاب ابن زياد إلى شبث بن ربعي]
ثمّ أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا فإنّا نريد أن نوجّه بك إلى حرب الحسين، فتمارض شبث و أراد أن يعفيه ابن زياد، فأرسل إليه:
أمّا بعد:
فإنّ رسولي خبّرني بتمارضك، و أخاف أن تكون من الّذين إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزءون 2734 ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا، فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلّا ينظر الملعون إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلّة، فلمّا دخل رحّب به و قرّب مجلسه، و قال: احبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه.
فقال: أفعل أيّها الأمير 2735 .
فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس و راجل، ثمّ كتب إليه ابن زياد: إنّي لم أجعل لك علّة في كثرة الخيل و الرجال، فانظر لا اصبح و لا امسي إلّا و خبرك عندي غدوة و عشيّة، و كان ابن زياد يستحثّ عمر بن سعد على قتال الحسين عليه السلام، و عمر بن سعد يكره ذلك 2736 .
قال: و التأمت العساكر عند عمر بن سعد لستّة أيّام مضين من المحرّم 2737 ، و أقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام، فقال: يا ابن رسول اللّه، هاهنا
حيّ من بني أسد بالقرب منّا أ فتأذن لي بالمصير إليهم [الليلة] 2738 فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى اللّه أن يدفع بهم الأذى عنك؟
[توجّه حبيب بن مظاهر إلى بني أسد يحثّهم على نصرة الحسين عليه السلام]
قال: قد أذنت لك، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل مستنكرا مستعجلا حتى أتى إليهم فعرفوه أنّه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك، يا ابن عمّنا؟
فقال: إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم فإنّه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه، و لن يسلّموه بيد أعدائه 2739 ، و هذا عمر بن سعد قد أحاط به، و أنتم قومي و عشيرتي، و قد أتيتكم بهذه النصيحة، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة 2740 ، فإنّي اقسم باللّه لا يقتل أحد منكم في سبيل اللّه مع ابن بنت رسول اللّه صابرا محتسبا إلّا كان رفيقا لمحمد صلّى اللّه عليه و آله في علّيّين.
قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد اللّه بن بشر، فقال: أنا أوّل من يجيب إلى هذه الدعوة، ثمّ جعل يرتجز [و يقول] 2741 :
قد علم القوم إذا تواكلوا 2742
و أحجم الفرسان أو تثاقلوا 2743
أنّي شجاع بطل مقاتل 2744
كأنّني ليث عرين باسل
ثمّ تنادى 2745 رجال الحيّ حتى التأم 2746 منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام، و خرج رجل في ذلك الوقت من الحيّ يقال له [فلان] 2747 ابن عمرو حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق الشامي- و هو الّذي قتله و بنيه قاسم بن الحسن عليه السلام واحدا بعد واحد-، فضمّ إليه أربعمائة فارس و وجّه [به] 2748 نحو حيّ بني أسد، فبينا اولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل إذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات، و بينهم و بين عسكر الحسين النهر 2749 ، فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا، و صاح حبيب بن مظاهر بالأزرق: ويلك مالك و مالنا؟ انصرف عنّا و دعنا يشقى بنا غيرك 2750 ، فأبى الأزرق أن يرجع، و علمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيّهم، ثمّ إنّهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيّتهم، و رجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فخبّره بذلك.
فقال عليه السلام: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
[معجزة للحسين عليه السلام باستخراج الماء العذب بعد أن أضرّ به و بأصحابه العطش]
قال: و رجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات، فحالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و أضرّ العطش بالحسين و أصحابه، فأخذ الحسين
عليه السلام فأسا و جاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في 2751 الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة، ثمّ حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام و شرب الناس بأجمعهم و ملئوا أسقيتهم، ثمّ غارت العين، فلم ير لها أثر 2752 .
و بلغ ذلك ابن زياد، فأرسل إلى عمر بن سعد: بلغني أنّ الحسين يحفر الآبار، و يصيب الماء، فيشرب هو و أصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت، و ضيّق عليهم، و لا تدعهم يذوقوا الماء، و افعل بهم كما فعلوا بالزكيّ عثمان.
فعندها ضيّق عليهم عمر بن سعد غاية التضييق.
ثمّ دعا بعمرو بن الحجّاج الزبيدي فضمّ إليه خيلا عظيمة، و أمره أن ينزل على الشريعة الّتي [هي] 2753 حذاء عسكر الحسين.
قال: فنزلوا على الشريعة، فلمّا اشتدّ العطش بالحسين دعا بأخيه العبّاس بن عليّ فضمّ إليه ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات.
فقال عمرو بن الحجّاج: من أنتم؟
فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له هلال بن نافع الجملي 2754 : أنا ابن عمّ لك من أصحاب الحسين، جئت أشرب من هذا الماء الّذي
منعتمونا إيّاه 2755 .
فقال عمرو: اشرب هنيئا.
فقال هلال: ويحك كيف تأمرني أن أشرب و الحسين بن عليّ و من معه يموتون عطشا؟!
فقال عمرو: صدقت، و لكن امرنا بأمر لا بدّ أن ننتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه، فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس، فاقتتلوا على الماء قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون و قوم يملئون [القرب] 2756 حتى ملؤها، [قتل من أصحاب عمرو بن الحجّاج جماعة] 2757 و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد، ثمّ رجع القوم إلى معسكرهم، فشرب الحسين و من كان معه، و لهذا 2758 سمّي العبّاس عليه السلام السقّاء.
[التقاء الامام الحسين عليه السلام بعمر بن سعد]
ثمّ أرسل الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد لعنه اللّه: إنّي اريد أن اكلّمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحّوا عنه، فبقي معه أخوه العبّاس و ابنه عليّ الأكبر، و أمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه، و بقي معه ابنه حفص و غلام له.