کتابخانه روایات شیعه
حيّ من بني أسد بالقرب منّا أ فتأذن لي بالمصير إليهم [الليلة] 2738 فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى اللّه أن يدفع بهم الأذى عنك؟
[توجّه حبيب بن مظاهر إلى بني أسد يحثّهم على نصرة الحسين عليه السلام]
قال: قد أذنت لك، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل مستنكرا مستعجلا حتى أتى إليهم فعرفوه أنّه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك، يا ابن عمّنا؟
فقال: إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم فإنّه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه، و لن يسلّموه بيد أعدائه 2739 ، و هذا عمر بن سعد قد أحاط به، و أنتم قومي و عشيرتي، و قد أتيتكم بهذه النصيحة، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة 2740 ، فإنّي اقسم باللّه لا يقتل أحد منكم في سبيل اللّه مع ابن بنت رسول اللّه صابرا محتسبا إلّا كان رفيقا لمحمد صلّى اللّه عليه و آله في علّيّين.
قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد اللّه بن بشر، فقال: أنا أوّل من يجيب إلى هذه الدعوة، ثمّ جعل يرتجز [و يقول] 2741 :
قد علم القوم إذا تواكلوا 2742
و أحجم الفرسان أو تثاقلوا 2743
أنّي شجاع بطل مقاتل 2744
كأنّني ليث عرين باسل
ثمّ تنادى 2745 رجال الحيّ حتى التأم 2746 منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام، و خرج رجل في ذلك الوقت من الحيّ يقال له [فلان] 2747 ابن عمرو حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق الشامي- و هو الّذي قتله و بنيه قاسم بن الحسن عليه السلام واحدا بعد واحد-، فضمّ إليه أربعمائة فارس و وجّه [به] 2748 نحو حيّ بني أسد، فبينا اولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل إذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات، و بينهم و بين عسكر الحسين النهر 2749 ، فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا، و صاح حبيب بن مظاهر بالأزرق: ويلك مالك و مالنا؟ انصرف عنّا و دعنا يشقى بنا غيرك 2750 ، فأبى الأزرق أن يرجع، و علمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيّهم، ثمّ إنّهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيّتهم، و رجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فخبّره بذلك.
فقال عليه السلام: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
[معجزة للحسين عليه السلام باستخراج الماء العذب بعد أن أضرّ به و بأصحابه العطش]
قال: و رجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات، فحالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و أضرّ العطش بالحسين و أصحابه، فأخذ الحسين
عليه السلام فأسا و جاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في 2751 الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة، ثمّ حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام و شرب الناس بأجمعهم و ملئوا أسقيتهم، ثمّ غارت العين، فلم ير لها أثر 2752 .
و بلغ ذلك ابن زياد، فأرسل إلى عمر بن سعد: بلغني أنّ الحسين يحفر الآبار، و يصيب الماء، فيشرب هو و أصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت، و ضيّق عليهم، و لا تدعهم يذوقوا الماء، و افعل بهم كما فعلوا بالزكيّ عثمان.
فعندها ضيّق عليهم عمر بن سعد غاية التضييق.
ثمّ دعا بعمرو بن الحجّاج الزبيدي فضمّ إليه خيلا عظيمة، و أمره أن ينزل على الشريعة الّتي [هي] 2753 حذاء عسكر الحسين.
قال: فنزلوا على الشريعة، فلمّا اشتدّ العطش بالحسين دعا بأخيه العبّاس بن عليّ فضمّ إليه ثلاثين فارسا و عشرين راجلا و بعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات.
فقال عمرو بن الحجّاج: من أنتم؟
فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له هلال بن نافع الجملي 2754 : أنا ابن عمّ لك من أصحاب الحسين، جئت أشرب من هذا الماء الّذي
منعتمونا إيّاه 2755 .
فقال عمرو: اشرب هنيئا.
فقال هلال: ويحك كيف تأمرني أن أشرب و الحسين بن عليّ و من معه يموتون عطشا؟!
فقال عمرو: صدقت، و لكن امرنا بأمر لا بدّ أن ننتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه، فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس، فاقتتلوا على الماء قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون و قوم يملئون [القرب] 2756 حتى ملؤها، [قتل من أصحاب عمرو بن الحجّاج جماعة] 2757 و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد، ثمّ رجع القوم إلى معسكرهم، فشرب الحسين و من كان معه، و لهذا 2758 سمّي العبّاس عليه السلام السقّاء.
[التقاء الامام الحسين عليه السلام بعمر بن سعد]
ثمّ أرسل الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد لعنه اللّه: إنّي اريد أن اكلّمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحّوا عنه، فبقي معه أخوه العبّاس و ابنه عليّ الأكبر، و أمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه، و بقي معه ابنه حفص و غلام له.
فقال له الحسين عليه السلام: ويلك يا ابن سعد، أ ما تتّقي اللّه الّذي إليه معادك؟ أ تقاتلني و أنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و كن معي فإنّه أقرب لك إلى اللّه تعالى.
فقال عمر بن سعد: أخاف أن تهدم داري.
فقال الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك.
فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي.
فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز.
فقال: لي عيالي 2759 و أخاف عليهم.
[فقال: أنا أضمن سلامتهم.
قال:] 2760 ثمّ سكت و لم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين عليه السلام و هو يقول: ما لك ذبحك اللّه على فراشك عاجلا، و لا غفر لك يوم حشرك؟ فو اللّه إنّي لا أرجو أن تأكل من برّ العراق إلّا يسيرا.
[كتاب ابن زياد إلى ابن سعد يأمره بقتل الحسين عليه السلام]
فقال ابن النحس سعد: في الشعير كفاية عن البرّ- مستهزئا بذلك القول 2761 -، ثمّ رجع ابن سعد إلى معسكره، و إذا كتاب ابن زياد قد ورد عليه يؤنّبه و يضعّفه و يقول: ما هذه المطاولة؟ انظر إن بايع الحسين و أصحابه فابعث بهم إليّ سالمين، و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثّل بهم فإنّهم لذلك مستحقّون، فإذا قتلت الحسين فأوطئ الخيل ظهره و بطنه، فإنّه عاقّ شاقّ، فإذا فعلت ذلك جزيناك جزاء السامع المطيع، و إن أبيت ذلك فاعتزل خيلنا و جندنا و سلّم الجند و العسكر إلى شمر بن ذي الجوشن فإنّه أحزم منك أمرا، و أمضى عزيمة.
و روي أنّ ابن زياد بعث رجلا يقال له جويرية بن زياد 2762 [و قال] 2763 : إذا أوصلت كتابي هذا إلى عمر بن سعد فإن قام من ساعته لحرب الحسين فذاك، و إن لم يقم فخذه و قيّده، و ابعث به إليّ، و يكون شمر بن ذي الجوشن الأمير على الناس.
فوصل الكتاب [و كان في الكتاب] 2764 : إنّي لم أبعثك يا ابن سعد لمنادمة الحسين، فإذا أتاك كتابي هذا فخيّره بين أن تأتيني به أو تقاتله، فوثب ابن سعد من ساعته و أخبر الحسين بذلك، فقال الحسين عليه السلام: أخّرنا إلى غد. 2765 و أقبل العبّاس إلى القوم الّذين مع عمر بن سعد، فقال: يا هؤلاء، إنّ أبا عبد اللّه يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم حتى ننظر 2766 في هذا الأمر، ثمّ نلقاكم به غدا 2767 .
قال: فخبّر القوم بذلك أميرهم، فقال عمر بن سعد لشمر: ما ذا ترى؟
قال: أنا أرى رأيك أيّها الأمير، فقل 2768 ما تشاء.
فقال عمر بن سعد: إنّي أحببت ألّا أكون أميرا فلم اترك و أكرهت، ثمّ أقبل عمر بن سعد على أصحابه، فقال: الرأي عندكم.
فقال رجل من أصحابه و هو عمرو بن الحجّاج: سبحان اللّه! و اللّه لو كانوا
من أهل الترك و الديلم و يسألوا هذه الخصلة 2769 لكان ينبغي أن نجيبهم إلى ذلك، فكيف و هم آل الرسول؟
فقال عمر بن سعد: خبّروهم أنّا قد أجّلناهم باقي يومنا.
فنادى رجل من أصحاب ابن سعد: يا شيعة حسين، إنّا قد أجّلناكم يومنا إلى غد، فإن استسلمتم و نزلتم على الحكم وجّهنا بكم إلى الأمير، و إن أبيتم ناجزناكم، فانصرف الفريقان، و جاء الليل فبات الحسين عليه السلام ليلته تلك راكعا و ساجدا و باكيا و مستغفرا و متضرّعا، و كذلك كانت صبيحته عليه السلام، و كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة.
و قيل 2770 لعليّ بن الحسين ما أقلّ ولد أبيك؟!
فقال عليه السلام: العجب كيف ولدت أنا له، إنّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرّغ للنساء؟