کتابخانه روایات شیعه
منعتمونا إيّاه 2755 .
فقال عمرو: اشرب هنيئا.
فقال هلال: ويحك كيف تأمرني أن أشرب و الحسين بن عليّ و من معه يموتون عطشا؟!
فقال عمرو: صدقت، و لكن امرنا بأمر لا بدّ أن ننتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه، فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس، فاقتتلوا على الماء قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون و قوم يملئون [القرب] 2756 حتى ملؤها، [قتل من أصحاب عمرو بن الحجّاج جماعة] 2757 و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد، ثمّ رجع القوم إلى معسكرهم، فشرب الحسين و من كان معه، و لهذا 2758 سمّي العبّاس عليه السلام السقّاء.
[التقاء الامام الحسين عليه السلام بعمر بن سعد]
ثمّ أرسل الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد لعنه اللّه: إنّي اريد أن اكلّمك فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلمّا التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحّوا عنه، فبقي معه أخوه العبّاس و ابنه عليّ الأكبر، و أمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه، و بقي معه ابنه حفص و غلام له.
فقال له الحسين عليه السلام: ويلك يا ابن سعد، أ ما تتّقي اللّه الّذي إليه معادك؟ أ تقاتلني و أنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و كن معي فإنّه أقرب لك إلى اللّه تعالى.
فقال عمر بن سعد: أخاف أن تهدم داري.
فقال الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك.
فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي.
فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز.
فقال: لي عيالي 2759 و أخاف عليهم.
[فقال: أنا أضمن سلامتهم.
قال:] 2760 ثمّ سكت و لم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين عليه السلام و هو يقول: ما لك ذبحك اللّه على فراشك عاجلا، و لا غفر لك يوم حشرك؟ فو اللّه إنّي لا أرجو أن تأكل من برّ العراق إلّا يسيرا.
[كتاب ابن زياد إلى ابن سعد يأمره بقتل الحسين عليه السلام]
فقال ابن النحس سعد: في الشعير كفاية عن البرّ- مستهزئا بذلك القول 2761 -، ثمّ رجع ابن سعد إلى معسكره، و إذا كتاب ابن زياد قد ورد عليه يؤنّبه و يضعّفه و يقول: ما هذه المطاولة؟ انظر إن بايع الحسين و أصحابه فابعث بهم إليّ سالمين، و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثّل بهم فإنّهم لذلك مستحقّون، فإذا قتلت الحسين فأوطئ الخيل ظهره و بطنه، فإنّه عاقّ شاقّ، فإذا فعلت ذلك جزيناك جزاء السامع المطيع، و إن أبيت ذلك فاعتزل خيلنا و جندنا و سلّم الجند و العسكر إلى شمر بن ذي الجوشن فإنّه أحزم منك أمرا، و أمضى عزيمة.
و روي أنّ ابن زياد بعث رجلا يقال له جويرية بن زياد 2762 [و قال] 2763 : إذا أوصلت كتابي هذا إلى عمر بن سعد فإن قام من ساعته لحرب الحسين فذاك، و إن لم يقم فخذه و قيّده، و ابعث به إليّ، و يكون شمر بن ذي الجوشن الأمير على الناس.
فوصل الكتاب [و كان في الكتاب] 2764 : إنّي لم أبعثك يا ابن سعد لمنادمة الحسين، فإذا أتاك كتابي هذا فخيّره بين أن تأتيني به أو تقاتله، فوثب ابن سعد من ساعته و أخبر الحسين بذلك، فقال الحسين عليه السلام: أخّرنا إلى غد. 2765 و أقبل العبّاس إلى القوم الّذين مع عمر بن سعد، فقال: يا هؤلاء، إنّ أبا عبد اللّه يسألكم الانصراف عنه باقي يومكم حتى ننظر 2766 في هذا الأمر، ثمّ نلقاكم به غدا 2767 .
قال: فخبّر القوم بذلك أميرهم، فقال عمر بن سعد لشمر: ما ذا ترى؟
قال: أنا أرى رأيك أيّها الأمير، فقل 2768 ما تشاء.
فقال عمر بن سعد: إنّي أحببت ألّا أكون أميرا فلم اترك و أكرهت، ثمّ أقبل عمر بن سعد على أصحابه، فقال: الرأي عندكم.
فقال رجل من أصحابه و هو عمرو بن الحجّاج: سبحان اللّه! و اللّه لو كانوا
من أهل الترك و الديلم و يسألوا هذه الخصلة 2769 لكان ينبغي أن نجيبهم إلى ذلك، فكيف و هم آل الرسول؟
فقال عمر بن سعد: خبّروهم أنّا قد أجّلناهم باقي يومنا.
فنادى رجل من أصحاب ابن سعد: يا شيعة حسين، إنّا قد أجّلناكم يومنا إلى غد، فإن استسلمتم و نزلتم على الحكم وجّهنا بكم إلى الأمير، و إن أبيتم ناجزناكم، فانصرف الفريقان، و جاء الليل فبات الحسين عليه السلام ليلته تلك راكعا و ساجدا و باكيا و مستغفرا و متضرّعا، و كذلك كانت صبيحته عليه السلام، و كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة.
و قيل 2770 لعليّ بن الحسين ما أقلّ ولد أبيك؟!
فقال عليه السلام: العجب كيف ولدت أنا له، إنّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرّغ للنساء؟
و كذلك أصحابه باتوا كذلك لهم دويّ كدويّ النحل، و أقبل شمر في نصف الليل [يتجسّس] 2771 و معه جماعة من أصحابه حتى قرب من عسكر الحسين عليه السلام، و الحسين رافع صوته يتلو هذه الآية، وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً 2772 الآية: ثمّ تلا: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ 2773
فصاح رجل من أصحاب شمر و قال: نحن و ربّ الكعبة الطيّبون و أنتم الخبيثون، و قد ميّزنا منكم، فقطع برير بن خضير صلاته، ثمّ ناداه: يا فاسق، يا فاجر، يا عدوّ اللّه، يا ابن البوّال على عقبيه، أمثلك يكون من الطيّبين و الحسين من الخبيثين؟! و اللّه ما أنت إلّا بهيمة لا تعقل، فأبشر بالخزي يوم القيامة، فصاح به شمر و قال: أيّها المتكلّم، إنّ اللّه قاتلك و قاتل صاحبك عن قريب.
فقال برير: يا عدوّ اللّه، أبا لموت تخوّفني، و اللّه إنّ الموت مع ابن رسول اللّه أحبّ إليّ من الحياة معكم، و اللّه لا نال شفاعة محمد قوما أراقوا دماء ذرّيّاته 2774 و أهل بيته.
و أقبل رجل من أصحاب الحسين، فقال: يا برير، إنّ أبا عبد اللّه يقول:
ارجع إلى مكانك 2775 ، و لا تخاطب القوم، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ في الدعاء فلقد نصحت و أبلغت.
[أنّ الحسين عليه السلام رأى في منامه كأنّ كلابا قد شدّت عليه لتنهشه و فيها كلب أبقع]
فلمّا 2776 كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه، ثمّ استيقظ، فقال: أ تعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ رأيت كأنّ كلابا قد شدّت عليّ [لتنهشني] 2777 و فيها كلب أبقع رأيته أشدّها، و أظنّ الّذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء، ثمّ إنّي رأيت جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه جماعة من أصحابه و هو يقول لي: يا بنيّ، أنت شهيد آل محمد، و قد استبشرت بك ملائكة السماوات 2778 و أهل الصفيح الأعلى فليكن إفطارك عندي الليلة، فعجّل
و لا تتأخّر، فهذا ملك من السماء قد نزل ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا ما رأيت، و قد أزف الأمر و اقترب الرحيل من هذه الدنيا، لا شكّ في ذلك 2779 .
قال: فلطمت زينب وجهها و صاحت.
فقال الحسين عليه السلام: مهلا، يا اختاه، لا يشمت 2780 القوم بنا.
[خطبة الامام الحسين عليه السلام في أصحابه ليلة عاشوراء]
ثمّ جمع الحسين عليه السلام أصحابه بالليلة، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ أقبل عليهم، فقال:
أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحابا أصلح 2781 منكم، و لا أهل بيت آثر 2782 و لا أفضل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه [عنّي] 2783 جميعا خيرا، و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا، و ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، و تفرّقوا في سواد [هذا] 2784 الليل و ذروني و هؤلاء، فإنّهم لا يريدون غيري.
فقال له إخوته و بنو عمّه و أولاد عبد اللّه بن جعفر: و لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا اللّه ذلك أبدا، و كان الّذي بدأ بهذا القول العبّاس بن أمير المؤمنين، ثمّ تابعوه الباقون.
ثمّ نظر الحسين عليه السلام إلى بني عقيل فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم.
و روي من طريق آخر: فتكلّم إخوته و جميع أهل بيته، و قالوا: يا ابن
رسول اللّه، ما تقول الناس لنا؟ و ما ذا نقول لهم؟ إنّا 2785 تركنا شيخنا و كبيرنا و ابن [بنت] 2786 نبيّنا و لم نرم معه بسهم، و لم نطعن برمح، و لم نضرب بسيف، لا و اللّه يا ابن رسول اللّه لا نفارقك أبدا و لكنّا نفديك 2787 بأنفسنا حتى نقتل بين يديك و نرد موردك، فقبّح اللّه العيش بعدك.
ثمّ قام مسلم بن عوسجة، و قال: نحن نخلفك 2788 هكذا و ننصرف عنك و قد أحاط بك هذا العدوّ! و اللّه لا يراني اللّه أبدا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي، و اضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، و لو لم يكن لي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، و لم افارقك أو أموت.
قال: و قام سعيد بن عبد اللّه الحنفي فقال: لا و اللّه يا ابن رسول اللّه لا نخلّيك أبدا حتى نعلم أنّا قد حفظنا فيك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 2789 ، و لو علمت أنّي اقتل [فيك] 2790 ، ثمّ أحيا، ثمّ احرق، ثمّ اذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك، فكيف و إنّما هي قتلة واحدة، ثمّ أنال الكرامة الّتي لا انقضاء لها؟!