کتابخانه روایات شیعه
و لا تتأخّر، فهذا ملك من السماء قد نزل ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا ما رأيت، و قد أزف الأمر و اقترب الرحيل من هذه الدنيا، لا شكّ في ذلك 2779 .
قال: فلطمت زينب وجهها و صاحت.
فقال الحسين عليه السلام: مهلا، يا اختاه، لا يشمت 2780 القوم بنا.
[خطبة الامام الحسين عليه السلام في أصحابه ليلة عاشوراء]
ثمّ جمع الحسين عليه السلام أصحابه بالليلة، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ أقبل عليهم، فقال:
أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحابا أصلح 2781 منكم، و لا أهل بيت آثر 2782 و لا أفضل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه [عنّي] 2783 جميعا خيرا، و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا، و ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، و تفرّقوا في سواد [هذا] 2784 الليل و ذروني و هؤلاء، فإنّهم لا يريدون غيري.
فقال له إخوته و بنو عمّه و أولاد عبد اللّه بن جعفر: و لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا اللّه ذلك أبدا، و كان الّذي بدأ بهذا القول العبّاس بن أمير المؤمنين، ثمّ تابعوه الباقون.
ثمّ نظر الحسين عليه السلام إلى بني عقيل فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم.
و روي من طريق آخر: فتكلّم إخوته و جميع أهل بيته، و قالوا: يا ابن
رسول اللّه، ما تقول الناس لنا؟ و ما ذا نقول لهم؟ إنّا 2785 تركنا شيخنا و كبيرنا و ابن [بنت] 2786 نبيّنا و لم نرم معه بسهم، و لم نطعن برمح، و لم نضرب بسيف، لا و اللّه يا ابن رسول اللّه لا نفارقك أبدا و لكنّا نفديك 2787 بأنفسنا حتى نقتل بين يديك و نرد موردك، فقبّح اللّه العيش بعدك.
ثمّ قام مسلم بن عوسجة، و قال: نحن نخلفك 2788 هكذا و ننصرف عنك و قد أحاط بك هذا العدوّ! و اللّه لا يراني اللّه أبدا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي، و اضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، و لو لم يكن لي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، و لم افارقك أو أموت.
قال: و قام سعيد بن عبد اللّه الحنفي فقال: لا و اللّه يا ابن رسول اللّه لا نخلّيك أبدا حتى نعلم أنّا قد حفظنا فيك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 2789 ، و لو علمت أنّي اقتل [فيك] 2790 ، ثمّ أحيا، ثمّ احرق، ثمّ اذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك، فكيف و إنّما هي قتلة واحدة، ثمّ أنال الكرامة الّتي لا انقضاء لها؟!
ثمّ قام زهير بن القين، و قال: و اللّه يا ابن رسول اللّه وددت أنّي قتلت، ثمّ نشرت ألف مرّة و أنّ اللّه تعالى قد دفع هذه الفتنة عنك 2791 و عن هؤلاء الفتية من إخوتك و ولدك و أهل بيتك.
و تكلّم جماعة أصحابه بنحو من ذلك، و قالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا و وجوهنا، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا [و قضينا] 2792 ما علينا.
و قيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال: قد اسر ابنك بثغر الريّ.
فقال: عند اللّه أحتسبه و نفسي، ما كنت احبّ أن يؤسر و أبقى بعده.
فسمع الحسين عليه السلام قوله، فقال: رحمك اللّه، أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك.
فقال: أكلتني السباع حيّا إن فارقتك.
قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود 2793 يستعين بها على 2794 فكاك أخيه.
فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.
قال: فلمّا كان الغداة أمر الحسين بفسطاطه فضرب، و أمر بجفنة فيها مسك كثير و جعل عندها نورة، ثمّ دخل ليطلي.
[نصيحة برير للقوم بعدم التعرّض للحسين عليه السلام]
فروي أنّ برير بن خضير 2795 و عبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط فتطلّيا بعد الحسين عليه السلام، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن.
فقال له عبد الرحمن: يا برير، أ تضحك؟! ما هذه ساعة ضحك و لا باطل 2796 .
فقال برير: لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل كهلا و لا شابّا، و إنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فو اللّه ما هو إلّا أن نلقى 2797 هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة، ثمّ نعانق الحور العين 2798 .
قال: و ركب أصحاب عمر بن سعد، فقرّب إلى الحسين عليه السلام فرسه فاستوى عليه، و تقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، و بين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام: كلّم القوم، فتقدّم برير حتى وقف قريبا من القوم و قد زحفوا نحو الحسين بأجمعهم، فقال لهم برير: يا قوم 2799 ، اتّقوا اللّه فإنّ ثقل محمد صلّى اللّه عليه و آله قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرّيّته و عترته و بناته و حرمه، فهاتوا ما عندكم و ما الّذي تريدون أن تصنعوه بهم؟
فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم.
فقال لهم برير: أ فلا تقبلون 2800 منهم إن يرجعوا إلى المكان الّذي جاءوا منه؟ ويلكم- يا أهل الكوفة- أنسيتم كتبكم و عهودكم الّتي أعطيتموها و أشهدتم اللّه عليها؟ يا ويلكم أ دعوتم أهل بيت نبيّكم و زعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، و حرمتموهم 2801 عن ماء الفرات؟ بئسما خلّفتم نبيّكم في ذرّيّته، ما لكم لا سقاكم اللّه 2802 يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.
فقال له نفر منهم: يا هذا، ما ندري ما تقول؟
فقال برير: الحمد للّه الّذي زادني فيكم بصيرة، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللّهمّ ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك و أنت عليهم غضبان، فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع 2803 برير إلى ورائه.
[خطبة اخرى للحسين عليه السلام حين رأى صفوف القوم كأنّها السيل]
و تقدّم الحسين عليه السلام حتى وقف بإزاء 2804 القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم 2805 السيل، و نظر إلى عمر بن سعد واقفا في صناديد الكوفة، فقال:
الحمد للّه الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء و زوال، و متصرّفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرّته، و الشقيّ من فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، و تخيّب طمع من طمع فيها، و أراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم اللّه فيه عليكم، و أعرض بوجهه الكريم عنكم، و أحلّ بكم نقمته، و جنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربّنا هو، و بئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة و آمنتم بالرسول صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ أنتم قد رجعتم 2806 إلى ذرّيّته و عترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان و أنساكم ذكر اللّه، فتبّا لكم و لما تريدون، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعدا للقوم الظالمين.
فقال عمر بن سعد: ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه، و اللّه لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع و لا حصر، فكلّموه، فتقدّم إليه شمر، فقال: يا حسين، [ما] 2807 هذا الّذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم.
قال عليه السلام: أقول: اتّقوا اللّه و لا تقتلون، فإنّه لا يحلّ لكم قتلي، [و لا انتهاك حرمتي] 2808 فإنّي ابن بنت نبيّكم، و جدّتي خديجة زوجة نبيّكم، و لعلّكم قد بلغكم قول نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله: الحسن و الحسين سيّدا [شباب] 2809 أهل الجنّة 2810 ، فإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبد اللّه [و سهل بن سعد] 2811 و زيد بن أرقم و أنس بن مالك فاسألوهم عن هذا الحديث فإنّهم يخبرونكم انّهم سمعوه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إن كنتم في شكّ من أمري أ فلست ابن بنت نبيّكم؟ أ تشكّون في ذلك؟ فو اللّه ما 2812 بين المشرقين و المغربين ابن بنت نبيّ غيري، أ تطلبوني بدم أحد قتلته منكم، أو بمال استملكته 2813 ، أو بقصاص من جراحات [استهلكته] 2814 ؟ فسكتوا لا يجيبونه.
ثمّ قال عليه السلام: و اللّه لا اعطي 2815 بيدي إعطاء الذليل، و لا أفرّ فرار العبيد، عباد اللّه، إنّي عذت بربّي و ربّكم [أن ترجمون و أعوذ بربّي و ربّكم] 2816 من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
فقال شمر: يا حسين، الشمر يعبد اللّه على حرف إن كان يدري ما تقول.
قال: فسكت الحسين عليه السلام، و ناداه حبيب بن مظاهر: إنّي أظنّك تعبد اللّه على سبعين حرفا يا فاسق، و أنا أشهد أنّك ما تدري ما تقول، و أنّ اللّه تعالى قد طبع على قلبك.
فقال له الحسين عليه السلام 2817 : حسبك يا أخا بني أسد، فقد قضى القضاء، و جفّ القلم، و اللّه بالغ أمره، و إنّي لأشوق إلى جدّي و أبي و امّي و أخي و أسلافي من يعقوب إلى يوسف عليه السلام و أخيه، ولي مصرع أنا ملاقيه 2818 .
[تعبئة الحسين عليه السلام و عمر بن سعد أصحابهما يوم عاشوراء]
ثمّ إنّ الحسين عليه السلام عبّأ أصحابه و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا، و في رواية اخرى: اثنان و ثمانون راجلا، فجعل على ميمنته زهير بن القين، و على ميسرته حبيب بن مظاهر، و دفع اللواء إلى أخيه العبّاس، و ثبت الحسين عليه السلام مع أهل بيته في القلب.
و عبّأ عمر بن سعد أصحابه، فجعل على ميمنته عمرو بن الحجّاج، و على ميسرته شمر، و ثبت هو في القلب، و كان جنده 2819 اثنين و عشرين ألفا.
و في رواية عن الصادق عليه السلام: ثلاثين ألفا لما رواه ابن بابويه رضي اللّه عنه في أماليه في قول الحسن للحسين عليهما السلام: يزدلف إليك ثلاثون ألفا 2820 .