کتابخانه روایات شیعه
فقال برير: لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل كهلا و لا شابّا، و إنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فو اللّه ما هو إلّا أن نلقى 2797 هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة، ثمّ نعانق الحور العين 2798 .
قال: و ركب أصحاب عمر بن سعد، فقرّب إلى الحسين عليه السلام فرسه فاستوى عليه، و تقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، و بين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام: كلّم القوم، فتقدّم برير حتى وقف قريبا من القوم و قد زحفوا نحو الحسين بأجمعهم، فقال لهم برير: يا قوم 2799 ، اتّقوا اللّه فإنّ ثقل محمد صلّى اللّه عليه و آله قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرّيّته و عترته و بناته و حرمه، فهاتوا ما عندكم و ما الّذي تريدون أن تصنعوه بهم؟
فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم.
فقال لهم برير: أ فلا تقبلون 2800 منهم إن يرجعوا إلى المكان الّذي جاءوا منه؟ ويلكم- يا أهل الكوفة- أنسيتم كتبكم و عهودكم الّتي أعطيتموها و أشهدتم اللّه عليها؟ يا ويلكم أ دعوتم أهل بيت نبيّكم و زعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، و حرمتموهم 2801 عن ماء الفرات؟ بئسما خلّفتم نبيّكم في ذرّيّته، ما لكم لا سقاكم اللّه 2802 يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.
فقال له نفر منهم: يا هذا، ما ندري ما تقول؟
فقال برير: الحمد للّه الّذي زادني فيكم بصيرة، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم، اللّهمّ ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك و أنت عليهم غضبان، فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع 2803 برير إلى ورائه.
[خطبة اخرى للحسين عليه السلام حين رأى صفوف القوم كأنّها السيل]
و تقدّم الحسين عليه السلام حتى وقف بإزاء 2804 القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم 2805 السيل، و نظر إلى عمر بن سعد واقفا في صناديد الكوفة، فقال:
الحمد للّه الّذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء و زوال، و متصرّفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرّته، و الشقيّ من فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، و تخيّب طمع من طمع فيها، و أراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم اللّه فيه عليكم، و أعرض بوجهه الكريم عنكم، و أحلّ بكم نقمته، و جنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربّنا هو، و بئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة و آمنتم بالرسول صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ أنتم قد رجعتم 2806 إلى ذرّيّته و عترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان و أنساكم ذكر اللّه، فتبّا لكم و لما تريدون، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعدا للقوم الظالمين.
فقال عمر بن سعد: ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه، و اللّه لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع و لا حصر، فكلّموه، فتقدّم إليه شمر، فقال: يا حسين، [ما] 2807 هذا الّذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم.
قال عليه السلام: أقول: اتّقوا اللّه و لا تقتلون، فإنّه لا يحلّ لكم قتلي، [و لا انتهاك حرمتي] 2808 فإنّي ابن بنت نبيّكم، و جدّتي خديجة زوجة نبيّكم، و لعلّكم قد بلغكم قول نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله: الحسن و الحسين سيّدا [شباب] 2809 أهل الجنّة 2810 ، فإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبد اللّه [و سهل بن سعد] 2811 و زيد بن أرقم و أنس بن مالك فاسألوهم عن هذا الحديث فإنّهم يخبرونكم انّهم سمعوه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إن كنتم في شكّ من أمري أ فلست ابن بنت نبيّكم؟ أ تشكّون في ذلك؟ فو اللّه ما 2812 بين المشرقين و المغربين ابن بنت نبيّ غيري، أ تطلبوني بدم أحد قتلته منكم، أو بمال استملكته 2813 ، أو بقصاص من جراحات [استهلكته] 2814 ؟ فسكتوا لا يجيبونه.
ثمّ قال عليه السلام: و اللّه لا اعطي 2815 بيدي إعطاء الذليل، و لا أفرّ فرار العبيد، عباد اللّه، إنّي عذت بربّي و ربّكم [أن ترجمون و أعوذ بربّي و ربّكم] 2816 من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
فقال شمر: يا حسين، الشمر يعبد اللّه على حرف إن كان يدري ما تقول.
قال: فسكت الحسين عليه السلام، و ناداه حبيب بن مظاهر: إنّي أظنّك تعبد اللّه على سبعين حرفا يا فاسق، و أنا أشهد أنّك ما تدري ما تقول، و أنّ اللّه تعالى قد طبع على قلبك.
فقال له الحسين عليه السلام 2817 : حسبك يا أخا بني أسد، فقد قضى القضاء، و جفّ القلم، و اللّه بالغ أمره، و إنّي لأشوق إلى جدّي و أبي و امّي و أخي و أسلافي من يعقوب إلى يوسف عليه السلام و أخيه، ولي مصرع أنا ملاقيه 2818 .
[تعبئة الحسين عليه السلام و عمر بن سعد أصحابهما يوم عاشوراء]
ثمّ إنّ الحسين عليه السلام عبّأ أصحابه و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا، و في رواية اخرى: اثنان و ثمانون راجلا، فجعل على ميمنته زهير بن القين، و على ميسرته حبيب بن مظاهر، و دفع اللواء إلى أخيه العبّاس، و ثبت الحسين عليه السلام مع أهل بيته في القلب.
و عبّأ عمر بن سعد أصحابه، فجعل على ميمنته عمرو بن الحجّاج، و على ميسرته شمر، و ثبت هو في القلب، و كان جنده 2819 اثنين و عشرين ألفا.
و في رواية عن الصادق عليه السلام: ثلاثين ألفا لما رواه ابن بابويه رضي اللّه عنه في أماليه في قول الحسن للحسين عليهما السلام: يزدلف إليك ثلاثون ألفا 2820 .
و روي أنّ الحسين عليه السلام لمّا أحاط به القوم و امراؤهم [و أيقن
أنّهم] 2821 قاتلوه قام خطيبا في أصحابه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: قد نزل من الأمر ما ترون، إنّ الدنيا قد أدبرت 2822 و تنكّرت، و أدبر معروفها، حتى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء، أو 2823 خسيس عيش كالمرعى الوبيل، أ ما ترون الحقّ لا يعمل به، و الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه، و إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، و الحياة 2824 مع الظالمين إلّا برما.
[خطبة للحسين عليه السلام في أصحابه يوم عاشوراء]
و روي عن زيد بن عليّ، عن أبيه- بحذف الأسانيد-، قال: خطب الحسين عليه السلام أصحابه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، خطّ الموت على بني آدم خطّ 2825 القلادة على جيد الفتاة، ما أو لعني بالشوق إلى أسلافي، و إنّ لي مصرعا أنا لاقيه، كأنّي أنظر إلى أوصالي تقطّعها وحوش الفلوات قد ملأت منّي أكرشها، رضى اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ليوفينا اجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحمته 2826 و عترته، و لن تفارقه أعضاؤه، و هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقرّبهم 2827 عينه.
و روي أنّه لمّا عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين عليه السلام، و رتّبهم [في] 2828 مراتبهم، و أقام الرايات في مواضعها، و عبّأ [الحسين أصحابه
في] 2829 الميمنة و الميسرة، و أحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة، فخرج حتى أتى الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا، حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم ان تنصتوا إليّ، فتسمعوا قولي، و إنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد.
ثمّ قال- بعد كلام طويل-: الا إنّ الدعيّ بن الدعيّ، قد ركز بين اثنتين، بين السلّة 2830 و الذلّة، و هيهات منّا آخذ الدنيّة، أبى اللّه [ذلك] 2831 و رسوله، جدود طابت، و حجور طهرت، و انوف حميّة، و نفوس أبيّة، ألا و قد أعذرت و أنذرت، ألا إنّي زاحف بهذه الاسرة على قلّة العتاد، و خذلة الأصحاب، ثمّ أنشأ:
فإن نهزم فهزّامون قدما
و إن نهزم فغير مهزّمينا
و ما ان طبّنا جبن و لكن
منايانا و دولة آخرينا
ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس، حتى تدور بكم [دور] 2832 الرحى، عهد عهده إليّ أبي [عن جدّي] 2833 فاجمعوا أمركم و شركاءكم، ثمّ كيدوني فلا تنظرون، اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنينا كسنين يوسف، و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، و لا يدع منهم 2834 أحدا إلّا قتله [قتلة] 2835 بقتلة، و ضربة بضربة، ينتقم لي و لأوليائي و لأهل بيتي منهم، فإنّهم غرّونا و خذلونا، و أنت ربّنا، عليك توكّلنا، و إليك أنبنا، و إليك
المصير 2836 .
[أنّ الحسين عليه السلام دعا عمر بن سعد و أخبره بأنّه لا يفرح بعد الحسين بدنيا و لا آخرة]
ثمّ قال صلوات اللّه عليه: ادعوا لي عمر بن سعد، فدعي له- و كان كارها لا يحبّ أن يأتيه-، فقال: يا عمر، أنت تقتلني و تزعم أنّ الدعيّ بن الدعيّ يولّيك الريّ و جرجان، و اللّه لا تتهنّأ بذلك أبدا، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة، و لكأنّي برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة، يتراماه الصبيان بالحجارة و يتّخذونه غرضا بينهم 2837 .
فاغتاض 2838 عمر بن سعد من كلامه، ثمّ صرف وجهه عنه و نادى بأصحابه: ما تنتظرون؟ احملوا عليه بأجمعكم.
قال: فدعا الحسين عليه السلام بفرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المرتجز، فركبه و عبّأ أصحابه، و زحف إليه عمر بن سعد و نادى غلامه دريدا:
قدّم رايتك، ثمّ وضع عمر سهمه في قوسه، ثمّ رمى، و قال: اشهدوا لي عند الأمير عبيد اللّه أنّي أوّل من رمى الحسين، فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم، فما بقي أحد من أصحاب الحسين عليه السلام إلّا أصابه من سهامهم 2839 .
[قتل في الحملة الاولى من أصحاب الحسين عليه السلام خمسون رجلا]