کتابخانه روایات شیعه
قال عليه السلام: أقول: اتّقوا اللّه و لا تقتلون، فإنّه لا يحلّ لكم قتلي، [و لا انتهاك حرمتي] 2808 فإنّي ابن بنت نبيّكم، و جدّتي خديجة زوجة نبيّكم، و لعلّكم قد بلغكم قول نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله: الحسن و الحسين سيّدا [شباب] 2809 أهل الجنّة 2810 ، فإن كذّبتموني فإنّ فيكم من الصحابة مثل جابر بن عبد اللّه [و سهل بن سعد] 2811 و زيد بن أرقم و أنس بن مالك فاسألوهم عن هذا الحديث فإنّهم يخبرونكم انّهم سمعوه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إن كنتم في شكّ من أمري أ فلست ابن بنت نبيّكم؟ أ تشكّون في ذلك؟ فو اللّه ما 2812 بين المشرقين و المغربين ابن بنت نبيّ غيري، أ تطلبوني بدم أحد قتلته منكم، أو بمال استملكته 2813 ، أو بقصاص من جراحات [استهلكته] 2814 ؟ فسكتوا لا يجيبونه.
ثمّ قال عليه السلام: و اللّه لا اعطي 2815 بيدي إعطاء الذليل، و لا أفرّ فرار العبيد، عباد اللّه، إنّي عذت بربّي و ربّكم [أن ترجمون و أعوذ بربّي و ربّكم] 2816 من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.
فقال شمر: يا حسين، الشمر يعبد اللّه على حرف إن كان يدري ما تقول.
قال: فسكت الحسين عليه السلام، و ناداه حبيب بن مظاهر: إنّي أظنّك تعبد اللّه على سبعين حرفا يا فاسق، و أنا أشهد أنّك ما تدري ما تقول، و أنّ اللّه تعالى قد طبع على قلبك.
فقال له الحسين عليه السلام 2817 : حسبك يا أخا بني أسد، فقد قضى القضاء، و جفّ القلم، و اللّه بالغ أمره، و إنّي لأشوق إلى جدّي و أبي و امّي و أخي و أسلافي من يعقوب إلى يوسف عليه السلام و أخيه، ولي مصرع أنا ملاقيه 2818 .
[تعبئة الحسين عليه السلام و عمر بن سعد أصحابهما يوم عاشوراء]
ثمّ إنّ الحسين عليه السلام عبّأ أصحابه و كان ذلك اليوم يوم عاشوراء، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا، و في رواية اخرى: اثنان و ثمانون راجلا، فجعل على ميمنته زهير بن القين، و على ميسرته حبيب بن مظاهر، و دفع اللواء إلى أخيه العبّاس، و ثبت الحسين عليه السلام مع أهل بيته في القلب.
و عبّأ عمر بن سعد أصحابه، فجعل على ميمنته عمرو بن الحجّاج، و على ميسرته شمر، و ثبت هو في القلب، و كان جنده 2819 اثنين و عشرين ألفا.
و في رواية عن الصادق عليه السلام: ثلاثين ألفا لما رواه ابن بابويه رضي اللّه عنه في أماليه في قول الحسن للحسين عليهما السلام: يزدلف إليك ثلاثون ألفا 2820 .
و روي أنّ الحسين عليه السلام لمّا أحاط به القوم و امراؤهم [و أيقن
أنّهم] 2821 قاتلوه قام خطيبا في أصحابه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: قد نزل من الأمر ما ترون، إنّ الدنيا قد أدبرت 2822 و تنكّرت، و أدبر معروفها، حتى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء، أو 2823 خسيس عيش كالمرعى الوبيل، أ ما ترون الحقّ لا يعمل به، و الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه، و إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، و الحياة 2824 مع الظالمين إلّا برما.
[خطبة للحسين عليه السلام في أصحابه يوم عاشوراء]
و روي عن زيد بن عليّ، عن أبيه- بحذف الأسانيد-، قال: خطب الحسين عليه السلام أصحابه، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، خطّ الموت على بني آدم خطّ 2825 القلادة على جيد الفتاة، ما أو لعني بالشوق إلى أسلافي، و إنّ لي مصرعا أنا لاقيه، كأنّي أنظر إلى أوصالي تقطّعها وحوش الفلوات قد ملأت منّي أكرشها، رضى اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ليوفينا اجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحمته 2826 و عترته، و لن تفارقه أعضاؤه، و هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقرّبهم 2827 عينه.
و روي أنّه لمّا عبّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين عليه السلام، و رتّبهم [في] 2828 مراتبهم، و أقام الرايات في مواضعها، و عبّأ [الحسين أصحابه
في] 2829 الميمنة و الميسرة، و أحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة، فخرج حتى أتى الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا، حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم ان تنصتوا إليّ، فتسمعوا قولي، و إنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد.
ثمّ قال- بعد كلام طويل-: الا إنّ الدعيّ بن الدعيّ، قد ركز بين اثنتين، بين السلّة 2830 و الذلّة، و هيهات منّا آخذ الدنيّة، أبى اللّه [ذلك] 2831 و رسوله، جدود طابت، و حجور طهرت، و انوف حميّة، و نفوس أبيّة، ألا و قد أعذرت و أنذرت، ألا إنّي زاحف بهذه الاسرة على قلّة العتاد، و خذلة الأصحاب، ثمّ أنشأ:
فإن نهزم فهزّامون قدما
و إن نهزم فغير مهزّمينا
و ما ان طبّنا جبن و لكن
منايانا و دولة آخرينا
ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس، حتى تدور بكم [دور] 2832 الرحى، عهد عهده إليّ أبي [عن جدّي] 2833 فاجمعوا أمركم و شركاءكم، ثمّ كيدوني فلا تنظرون، اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنينا كسنين يوسف، و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، و لا يدع منهم 2834 أحدا إلّا قتله [قتلة] 2835 بقتلة، و ضربة بضربة، ينتقم لي و لأوليائي و لأهل بيتي منهم، فإنّهم غرّونا و خذلونا، و أنت ربّنا، عليك توكّلنا، و إليك أنبنا، و إليك
المصير 2836 .
[أنّ الحسين عليه السلام دعا عمر بن سعد و أخبره بأنّه لا يفرح بعد الحسين بدنيا و لا آخرة]
ثمّ قال صلوات اللّه عليه: ادعوا لي عمر بن سعد، فدعي له- و كان كارها لا يحبّ أن يأتيه-، فقال: يا عمر، أنت تقتلني و تزعم أنّ الدعيّ بن الدعيّ يولّيك الريّ و جرجان، و اللّه لا تتهنّأ بذلك أبدا، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة، و لكأنّي برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة، يتراماه الصبيان بالحجارة و يتّخذونه غرضا بينهم 2837 .
فاغتاض 2838 عمر بن سعد من كلامه، ثمّ صرف وجهه عنه و نادى بأصحابه: ما تنتظرون؟ احملوا عليه بأجمعكم.
قال: فدعا الحسين عليه السلام بفرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المرتجز، فركبه و عبّأ أصحابه، و زحف إليه عمر بن سعد و نادى غلامه دريدا:
قدّم رايتك، ثمّ وضع عمر سهمه في قوسه، ثمّ رمى، و قال: اشهدوا لي عند الأمير عبيد اللّه أنّي أوّل من رمى الحسين، فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم، فما بقي أحد من أصحاب الحسين عليه السلام إلّا أصابه من سهامهم 2839 .
[قتل في الحملة الاولى من أصحاب الحسين عليه السلام خمسون رجلا]
قيل: فلمّا رموهم هذه الرمية قلّ أصحاب الحسين عليه السلام، و بقي القوم الّذين يذكرون، و قتل في هذه الحملة الاولى من أصحاب الحسين خمسون رجلا رحمة اللّه عليهم 2840 ، فعندها ضرب الحسين عليه السلام بيده إلى
لحيته، و قال: اشتدّ غضب اللّه على اليهود و النصارى إذ جعلوا له ولدا، و اشتدّ غضب اللّه على المجوس إذ عبدت [الشمس و القمر و] 2841 النار، و اشتدّ غضب اللّه على قوم اتّفقت آراؤهم على قتل ابن بنت نبيّهم، و اللّه لا اجيبهم إلى شيء ممّا يريدونه أبدا حتى ألقى اللّه و أنا مخضّب بدمي.
[التحاق الحرّ الرياحي بالحسين عليه السلام]
ثمّ صاح عليه السلام: أ ما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه تعالى؟ أ ما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه؟
و كان الحرّ حين أمره عبيد اللّه بن زياد بالمسير الى حرب الحسين و خرج من منزله نودي ثلاث مرّات: يا حرّ، أبشر بالجنّة، فالتفت فلم ير أحد.
فقال: ثكلت الحرّ امّه، يمضي إلى حرب ابن رسول اللّه و يدخل الجنّة! فنمّ ذلك الكلام في فؤاده، فلمّا سمع الحسين عليه السلام يستغيث اضطرب قلبه، و دمعت عيناه، فخرج باكيا متضرّعا مع غلام له تركيّ، و أتى إلى عمر بن سعد، و قال: أ مقاتل أنت هذا الرجل؟
فقال: إي و اللّه قتالا أيسره [أن] 2842 تسقط الرءوس و تطيح الأيدي.
فقال: أ ما لكم في الخصال الّتي عرض عليكم رضى؟
قال: و اللّه لو كان الأمر إليّ لفعلت، و لكن أميرك قد أبى ذلك.
فأقبل الحرّ حتى وقف موقفا من أصحابه و أخذه مثل الأفكل 2843 ، فقال له المهاجر بن أوس: و اللّه إنّ أمرك لمريب، و لو قيل: من أشجع أهل الكوفة؟ لما
عدوتك، فما هذا الّذي أرى منك؟
فقال: و اللّه إنّي اخيّر نفسي بين الجنّة و النار، فو اللّه لا أختار على الجنّة شيئا و لو قطّعت و حرّقت.
ثمّ ضرب فرسه قاصدا الحسين عليه السلام و يده على رأسه، و هو يقول:
اللّهمّ إنّي تبت فتب عليّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك.
و قال للحسين عليه السلام: جعلت فداك، أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع، و سايرتك في الطريق، و اللّه الّذي لا إله إلّا هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم، و اللّه لو حدّثتني 2844 نفسي أنّهم يقتلوك لما ركبتها منك 2845 أبدا، و إنّي قد جئتك تائبا إلى ربّي، و مواسيك بنفسي حتى أموت بين يديك، فهل ترى لي من توبة؟
قال: نعم، يتوب اللّه عليك و يغفر لك، ما اسمك؟
قال: أنا الحرّ.
قال: أنت الحرّ كما سمّتك امّك إن شاء اللّه في الدنيا و الآخرة، انزل.
قال: أنا لك فارسا خير منّي لك راجلا، اقاتلهم على فرسي ساعة، و إلى النزول مصيري، ثمّ قال 2846 : يا ابن رسول اللّه، كنت أوّل خارج عليك، فائذن لي لأكون أوّل قتيل بين يديك، و أوّل من يصافح جدّك غدا- و إنّما قال الحرّ: