کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
عدوتك، فما هذا الّذي أرى منك؟
فقال: و اللّه إنّي اخيّر نفسي بين الجنّة و النار، فو اللّه لا أختار على الجنّة شيئا و لو قطّعت و حرّقت.
ثمّ ضرب فرسه قاصدا الحسين عليه السلام و يده على رأسه، و هو يقول:
اللّهمّ إنّي تبت فتب عليّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك.
و قال للحسين عليه السلام: جعلت فداك، أنا صاحبك الّذي حبستك عن الرجوع، و سايرتك في الطريق، و اللّه الّذي لا إله إلّا هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم، و اللّه لو حدّثتني 2844 نفسي أنّهم يقتلوك لما ركبتها منك 2845 أبدا، و إنّي قد جئتك تائبا إلى ربّي، و مواسيك بنفسي حتى أموت بين يديك، فهل ترى لي من توبة؟
قال: نعم، يتوب اللّه عليك و يغفر لك، ما اسمك؟
قال: أنا الحرّ.
قال: أنت الحرّ كما سمّتك امّك إن شاء اللّه في الدنيا و الآخرة، انزل.
قال: أنا لك فارسا خير منّي لك راجلا، اقاتلهم على فرسي ساعة، و إلى النزول مصيري، ثمّ قال 2846 : يا ابن رسول اللّه، كنت أوّل خارج عليك، فائذن لي لأكون أوّل قتيل بين يديك، و أوّل من يصافح جدّك غدا- و إنّما قال الحرّ:
لأكون أوّل قتيل من المبارزين، و إلّا فإنّ جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة
الاولى كما ذكر-، فكان أوّل من تقدّم إلى براز القوم،
[أرجاز للحرّ الرياحي، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
و جعل ينشد و يقول:
إنّي أنا الحرّ و مأوى الضيف
أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حلّ بأرض 2847 الخيف
أضربكم و لا أرى من حيف
و روي أنّ الحرّ لمّا لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم يقال له يزيد بن سفيان: أما و اللّه لو لحقته لأتبعته السنان، فبينا هو يقاتل، و انّ فرسه لمضروب على اذنيه و حاجبيه، و انّ الدماء لتسيل، إذ قال الحصين: يا يزيد، هذا الحرّ الّذي كنت تتمنّاه [فهل لك به] 2848 ؟
قال: نعم.
قال: فخرج إليه، فما لبث الحرّ أن قتله و قتل أربعين فارسا و راجلا، فلم يزل يقاتل حتى عرقب 2849 فرسه، و بقي راجلا [فجعل يقاتل] 2850 و هو يقول:
إنّي أنا الحرّ و نجل الحرّ
أشجع من ذي لبد هزبر
و لست بالجبان عند الكرّ
لكنّني الوقاف عند الفرّ 2851
ثمّ لم يزل يقاتل حتى قتل رحمة اللّه عليه، فاحتمله أصحاب الحسين
عليه السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام و به رمق، فجعل الحسين يمسح وجهه و يقول: أنت الحرّ كما سمّتك امّك، و أنت الحرّ في الدنيا، و أنت الحرّ في الآخرة.
ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام، و قيل: بل رثاه عليّ بن الحسين عليه السلام:
لنعم الحرّ حرّ بني رباح
صبور عند مختلف 2852 الرماح
و نعم الحرّ إذ نادى حسين
فجاد بنفسه عند الصياح 2853
و روي أنّ الحرّ كان يقول:
آليت لا اقتل حتى اقتلا
أضربهم بالسيف ضربا معضلا
لا ناكل عنهم و لا معلّلا
لا عاجز عنهم و لا مبدّلا
أحمي الحسين الماجد المؤمّلا 2854
و كان من أراد الخروج ودّع الحسين صلوات اللّه عليه، و قال: السلام عليك يا ابن رسول اللّه، فيجيبه: و عليك السلام، و نحن خلفك، و يقرأ عليه السلام: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 2855 .
[أرجاز لبرير بن خضير، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ برز برير بن خضير الهمداني رضي اللّه عنه بعد الحرّ، و كان من عباد اللّه الصالحين، فبرز و هو يقول:
أنا برير و أبي خضير
يروّغ الاسد عن الزبير
يعرف فينا الحبر بن الحبر
أضربكم و لا أرى من ضير
كذاك فعل الخير من برير 2856
و جعل يحمل على القوم و هو يقول: اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريّين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين و ذرّيّته الباقين، و كان برير أقرأ أهل زمانه، فلم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا، فبرز إليه رجل يقال له يزيد بن معقل، فقال لبرير: أشهد أنّك من المضلّين.
فقال له برير: هلمّ فلندع اللّه أن يلعن الكاذب منّا، و أن يقتل المحقّ منّا المبطل، فتصاولا فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم تعمل شيئا، و ضربه برير ضربة قدّت المغفر و وصلت إلى دماغه فسقط قتيلا.
[أبيات لبجير بن أوس الضبي قاتل برير بن خضير]
قال: فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريرا رحمة اللّه عليه، و كان يقال لقاتله بجير بن أوس الضبي، فجال في ميدان الحرب و جعل يقول:
سلي تخبرني عنّي و أنت ذميمة
غداة حسين و الرماح شوارع
أ لم آت أقصى ما كرهت و لم تحل
غداة الوغى و الروع ما أنا صانع
معي يزني لم تخنه كعوبه
و أبيض مشحوذ الغرارين قاطع
فجرّدته في عصبة ليس دينهم
كديني و إنّي بعد ذاك لقانع
و قد صيّروا 2857 للطعن و الضرب حسّرا
و قد جالدوا لو أنّ ذلك نافع
فأبلغ عبيد اللّه إذ ما لقيته
بأنّي مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثمّ جلت بهمّة
غداة الوغى لمّا دعا من يقارع
قال: ثمّ ذكر له بعد ذلك أنّ بريرا كان من عباد اللّه الصالحين فجاءه ابن عمّ له و قال: ويحك يا بجير، قتلت برير بن خضير فبأيّ وجه تلقى ربّك؟
قال: فندم الشقيّ، و أنشأ يقول:
فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم
و لا جعل النعماء عند ابن جائر
فقد كان ذا عار عليّ و شبهة 2858
يعيّر بها الأبناء عند المعاشر
فيا ليت إنّي كنت في الرحم حيضة
و يوم حسين كنت ضمن المقابر 2859
فيا سوأتى ما ذا أقول لخالقي؟
و ما حجّتي يوم الحساب القماطر؟
[أرجاز لوهب بن عبد اللّه بن حباب الكلبي]
ثمّ برز من بعده وهب بن عبد اللّه بن حباب الكلبي، و قد كانت معه امّه يومئذ، فقالت: قم يا بنيّ، فانصر ابن بنت رسول اللّه.
فقال: أفعل يا امّاه و لا اقصّر، فبرز و هو يقول:
إن تنكروني فأنا ابن الكلبي
سوف تروني و ترون ضربي
و حملتي و ضربتي 2860 في الحرب
أدرك ثأري بعد ثأر صحبي
و أدفع الكرب أمام 2861 الكرب
ليس جهادي 2862 في الوغى باللعب
ثمّ حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة، فرجع إلى امّه و امرأته فوقف عليهما، فقال: يا امّاه أرضيت؟
فقالت: ما رضيت إلّا أن تقتل بين يدي الحسين.
فقالت امرأته: باللّه لا تفجعني في نفسك.
فقالت امّه: يا بنيّ، لا تقبل 2863 قولها، و ارجع فقاتل بين يدي ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي اللّه، فرجع قائلا:
إنّي زعيم لك أمّ وهب
بالطعن فيهم تارة و الضرب
ضرب 2864 غلام مؤمن بالربّ
حتى يذيق القوم مرّ الحرب
إنّي امرؤ ذو مرّة و عصب
حسبي إلهي من عليم حسبي 2865
[استشهاد وهب بن عبد اللّه الكلبي و امرأته رحمة اللّه عليهما]
فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا و اثني عشر راجلا، ثمّ قطعت يداه، فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه، و هي تقول: فداك أبي و امّي، قاتل دون الطيّبين حرم رسول اللّه، فأقبل كي يردّها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه و قالت: لن أعود أو أموت معك.
فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيت خيرا، ارجعي إلى النساء رحمك اللّه، فانصرفت.
و جعل يقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليه.