کتابخانه روایات شیعه
و رأيت حديثا أنّ وهب هذا كان نصرانيّا، فأسلم [هو و امّه] 2867 على يد الحسين عليه السلام، فقتل في المبارزة أربعة و عشرين رجلا و اثني عشر فارسا، ثمّ اخذ أسيرا، فاتي به عمر بن سعد، فقال: ما أشدّ صولتك؟ ثمّ أمر فضربت عنقه، و رمى برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام، فأخذت امّه الرأس فقبّلته، ثمّ رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته، ثمّ شدّت بعمود الفسطاط فقتلت [به] 2868 رجلين.
فقال لها الحسين: ارجعي يا أمّ وهب، أنت و ابنك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الجنّة، فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت و هي تقول: إلهي لا تقطع رجائي.
فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع اللّه رجاءك أمّ وهب.
[أرجاز لعمرو بن خالد الأزدي، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي، و هو يقول:
اليوم يا نفس إلى الرحمن
تمضين بالروح و بالريحان
اليوم تجزين على الاحسان
قد كان منك غابر الزمان
ما خطّ في اللوح لك الديّان
لا تجزعي فكلّ حيّ فان
و الصبر أحظى لك بالأمان 2869
ثمّ قاتل حتى قتل رضي اللّه عنه.
[أرجاز لخالد بن عمرو الأزدي، و اخرى لسعد بن حنظلة التميمي،]
ثمّ تقدّم ابنه خالد بن عمرو، و هو يرتجز:
صبرا على الموت بني قحطان
كيما تكونوا 2870 في رضى الرحمن
ذي المجد و العزّة و البرهان
و ذي العلا و الطول و الاحسان
يا ليتني قد صرت بالجنان
في قصر درّ حسن البنيان 2871
فلم يزل يقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليه.
ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي، و هو يقول:
صبرا على الأسياف و الأسنّة
صبرا عليها لدخول الجنّة
و حور عين ناعمات هنّه
لمن يريد الفوز لا بالظنّه
يا نفس للراحة فاجهدنّه 2872
و في طلاب الخير فارغبنّه
ثمّ حمل فقاتل قتالا شديدا، ثمّ قتل رضوان اللّه عليه.
[و اخرى لعمير بن عبد اللّه المذحجي، و استشهادهم رحمة اللّه عليهم]
و خرج من بعده عمير بن عبد اللّه المذحجي، و هو يرتجز:
قد علمت سعد وحي مذحج
أنّي لدى الهيجاء ليث محرج 2873
أعلو بسيفي هامة المدجّج
و أترك القرن لدى التعرّج
فريسة الضبع الأزلّ الأعرج
[ فمن تراه واقفا بمنهج ] 2874
و لم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابيّ و عبد اللّه البجليّ.
[أرجاز لمسلم بن عوسجة، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ برز من بعده مسلم بن عوسجة رضي اللّه عنه، و هو يرتجز.
إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد
من فرع قوم من ذرى بني أسد
فمن بغانا 2875 حائد عن الرشد
و كافر بدين جبّار صمد
ثمّ قاتل قتالا شديدا فسقط إلى الأرض و به رمق، فمشى إليه الحسين عليه السلام و معه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين عليه السلام: رحمك اللّه يا مسلم، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 2876 ثمّ دنا منه حبيب، فقال: يعزّ عليّ مصرعك، يا مسلم، أبشر بالجنّة.
فقال له قولا ضعيفا: بشّرك اللّه بخير.
فقال له حبيب: لو لا أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك.
فقال مسلم: فإنّي اوصيك بهذا- و أشار إلى الحسين عليه السلام- فقاتل دونه حتى تموت.
فقال حبيب: لأنعمنّك عينا.
ثمّ مات رضوان اللّه عليه.
قال: فصاحت جارية له: يا سيّداه، يا ابن عوسجتاه.
فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين: قتلنا مسلم بن عوسجة.
فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله: ثكلتكم امّهاتكم، أمّا إنّكم تقتلون أنفسكم بأيديكم، و تذلّون عزّكم، أ تفرحون بقتل مسلم بن عوسجة؟ أما و الّذي
أسلمت له، لربّ موقف له في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين.
ثمّ حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة، فثبتوا له و قاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالا شديدا و إنّما هم اثنان و ثلاثون فارسا، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلّا كشفوهم 2877 ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة، فأقبلوا 2878 حتى دنوا من الحسين و أصحابه، فرشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، و قاتلوهم حتى انتصف النهار، و اشتدّ القتال، و لم يقدروا أن يأتوهم إلّا من جانب واحد، لاجتماع أبنيتهم، و تقارب بعضها من بعض، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوّضوها عن أيمانهم و شمائلهم، ليحيطوا بهم 2879 ، و أخذ الثلاثة و الأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون [بينها] 2880 فيشدّون على الرجل و هو يقوّض و ينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه و يقتلونه.
[إضرام النار في مخيّم الحسين عليه السلام]
فقال ابن سعد: احرقوها بالنار و أضرموا فيها.
فقال الحسين عليه السلام: دعوهم يحرقوها فإنّهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم، فكان كما قال صلوات اللّه عليه.
و قيل: أتاه شبث بن ربعي، و قال: أفزعنا النساء فاستحيا، و أخذوا لا يقاتلونهم إلّا من وجه واحد، و شدّ أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا عذرة
الضبابي من أصحاب شمر.
فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الاثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم، و يقتل من أصحاب عمر العشرة [و العشرون] 2881 فلا يبيّن فيهم ذلك لكثرتهم.
فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداويّ قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد اللّه، نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، و لا و اللّه لا تقتل حتى اقتل دونك، و احبّ أن ألقى اللّه ربّي و قد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء و قال: ذكرت الصلاة جعلك اللّه 2882 من المصلّين، نعم هذا أوّل وقتها.
ثمّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي، فكفّوا عنهم، فصلّى الحسين عليه السلام و أصحابه.
فقال الحصين بن نمير: إنّها لا تقبل.
فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول اللّه، و تقبل منك يا ختّار، فحمل عليه الحصين بن نمير، و حمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبّ [به] 2883 الفرس و وقع عنه الحصين فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.
[صلاة الحسين عليه السلام بأصحابه يوم عاشوراء]
فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين و سعيد بن عبد اللّه: تقدّما أمامي حتى اصلّي الظهر، فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف.
[استشهاد سعيد بن عبد اللّه الحنفي رحمة اللّه عليه]
و روي أنّ سعيد بن عبد اللّه الحنفي تقدّم أمام الحسين عليه السلام، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلّما أخذ الحسين عليه السلام يمينا و شمالا قام بين يديه، فما زال يرمى حتى سقط إلى الأرض، و هو يقول: اللّهمّ العنهم لعن عاد و ثمود، اللّهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي، و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت ثوابك في نصرة 2884 ذرّيّة نبيّك، ثمّ مات رضي اللّه عنه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح 2885 .
[أرجاز لعبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ خرج عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني، و هو يقول:
أنا ابن عبد اللّه من آل يزن
ديني على دين حسين و حسن
أضربكم ضرب فتى من اليمن
أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن
ثمّ حمل فقاتل حتى قتل.
[أرجاز لجون مولى أبي ذرّ الغفاري، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ تقدّم جون مولى أبي ذرّ الغفاري و كان عبدا أسود، فقال له الحسين عليه السلام: أنت في إذن منّي، فإنّما تبعتنا طلبا للعافية، فلا تبتل بطريقنا.
فقال: يا ابن رسول اللّه، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم 2886 ، و في الشدّة أخذلكم؟! و اللّه إن ريحي لمنتن، و إن حسبي للئيم، و لوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنّة، فيطيب ريحي، و يشرف حسبي، و يبيضّ وجهي، لا و اللّه لا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.
ثمّ برز للقتال، و هو [ينشد و] 2887 يقول:
كيف يرى الكفّار ضرب الأسود
بالسيف ضربا عن بني محمد
أذبّ عنهم باللسان و اليد
أرجو به الجنّة يوم المورد 2888
ثمّ قاتل حتى قتل، فوقف عليه الحسين عليه السلام، و قال: اللّهمّ بيّض وجهه، و طيّب ريحه، و احشره مع الأبرار، و عرّف بينه و بين محمد و آل محمد.
و روي عن الباقر، عن عليّ بن الحسين عليهم السلام: أنّ الناس كانوا يحضرون المعركة، و يدفنون القتلى، فوجدوا جونا بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك رضوان اللّه عليه 2889 .
[استشهاد عمرو بن خالد الصيداوي رحمة اللّه عليه]
قال: ثمّ برز عمرو بن خالد الصيداويّ فقال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد اللّه، قد هممت أن ألحق بأصحابي، و كرهت أن أتخلّف و أراك وحيدا من 2890 أهلك قتيلا.