کتابخانه روایات شیعه
فلمّا رأى ذلك ألقى درعه و مغفره، ثمّ شدّ على الناس، فو اللّه لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس، ثمّ إنّه 2914 تعطّفوا عليه من كلّ جانب، فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة، هذا يقول: أنا قتلته، و الآخر يقول كذلك.
فقال عمر بن سعد: لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد، حتى فرّق بينهم بهذا القول.
[استشهاد عبد اللّه و عبد الرحمن الغفاريّان رحمة اللّه عليهما]
ثمّ جاءه عبد اللّه و عبد الرحمن الغفاريّان، فقال: يا أبا عبد اللّه، السلام عليك، أحببنا أن نقتل بين يديك و ندفع عنك.
فقال: مرحبا بكما، ادنوا منّي، فدنوا منه 2915 ، و هما يبكيان، فقال: يا ابني أخي ما يبكيكما؟ فو اللّه إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين.
فقالا: جعلنا اللّه فداك، و اللّه ما على أنفسنا نبكي و لكن نبكي عليك نراك قد احيط بك و لا نقدر على أن نمنعك 2916 .
فقال: جزاكما اللّه يا ابني أخي بوجدكما من ذلك و مواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين، ثمّ استقدما و قالا:
السلام عليك يا ابن رسول اللّه.
فقال: و عليكما السلام و رحمة اللّه و بركاته.
فقاتلا حتى قتلا رضي اللّه عنهما.
[أرجاز لغلام تركي كان للحسين عليه السلام، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
قال: ثمّ خرج غلام تركيّ كان للحسين عليه السلام، و كان قارئا للقرآن، فجعل يقاتل [و يرتجز] 2917 و يقول:
البحر من طعني و ضربي يصطلي
و الجوّ من سهمي و نبلي يمتلي
إذا حسامي بيميني ينجلي
ينشقّ قلب الحاسد المبجّل
فقتل جماعة، ثمّ سقط صريعا، فجاءه الحسين عليه السلام فبكى و وضع خدّه على خدّه، ففتح عينيه فرأى الحسين عليه السلام فتبسّم، ثمّ صار إلى ربّه رضي اللّه عنه.
[استشهاد يزيد بن زياد بن الشعثاء رحمة اللّه عليه]
[قال: ثمّ رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم، و كان كلّما رمى قال الحسين عليه السلام: اللّهمّ سدّد رميته، و اجعل ثوابه الجنّة، فحملوا عليه فقتلوه.] 2918
و كان يأتي الحسين عليه السلام الرجل بعد الرجل، فيقول: السلام عليك يا ابن رسول اللّه، فيجيبه الحسين، و يقول: و عليك السلام و نحن خلفك، ثمّ يقرأ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ 2919 حتى قتلوا عن آخرهم رضوان اللّه عليهم، و لم يبق مع الحسين إلّا أهل بيته.
و هكذا 2920 يكون المؤمن يؤثر دينه على دنياه، و موته على حياته في سبيل اللّه، و ينصر الحقّ و إن قتل، قال سبحانه: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، و ينصر الحقّ و إن قتل، قال سبحانه: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 2921 و قال النبيّ صلّى اللّه عليه
و آله: كلّ قتيل في جنب اللّه شهيد، و لمّا وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على شهداء احد و فيهم حمزة رضي اللّه عنه قال: أنا شهيد على هؤلاء القوم زمّلوهم بدمائهم فإنّهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما، فاللون لوم الدم، و الريح ريح المسك 2922 ، [فهم] 2923 كما قيل:
كسته القنا حلّة من دم
فأضحت لدى اللّه من أرجوان
جزته معانقة الدار عين
معانقة القاصرات الحسان 2924
و لقد أحسنت في وصفهم، و بالغت نعيهم بالتعزية، و سمّيتها ب «مجرية العبرة و محزنة العترة» و هي الّتي وضعتها لتعزية المؤمنين يوم التاسع من المحرّم، و ستأتي في المجلس التاسع يوم التاسع إن شاء اللّه، و هي مشتملة على نكت لطيفة، و استعارات ظريفة، و أشعار رائقة، و عبارات شائقة، أنشأتها بإذن اللّه، و أوردتها على المنبر بحضور جمع من المؤمنين، قبالة ضريح سيّد الشهداء، و ثالث الأوصياء، و خامس أصحاب الكساء في حضرته الشريفة، أبكيت بها عيون المؤمنين، و أحزنت قلوب المخلصين، راجيا أن يكون جزائي عنها و ثوابي منها ثواب المستشهدين بين يدي حضرته، الباذلين أنفسهم دونه و دون اسرته.
و لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السلام و لم يبق إلّا أهل بيته، و هم: ولد عليّ، و ولد جعفر، و ولد عقيل، و ولد الحسن، و ولده صلوات اللّه عليه اجتمعوا
و ودّع 2925 بعضهم بعضا، و عزموا على الحرب،
[أرجاز عبد اللّه بن مسلم بن عقيل، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
فأوّل من برز من أهل بيته عبد اللّه ابن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام، و هو يرتجز و يقول:
اليوم ألقى مسلما و هو أبي
و فتية بادوا على دين النبيّ
ليسوا بقوم 2926 عرفوا بالكذب
لكن خيار و كرام النسب
[ من هاشم السادات أهل الحسب ] 2927 .
فقاتل حتى قتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات، ثمّ قتله عمرو ابن صبيح الصيداويّ و أسد بن مالك.
[أرجاز جعفر و عبد الرحمن ابنا عقيل، و استشهادهما رحمة اللّه عليهما]
ثمّ خرج من بعده جعفر بن عقيل، و هو [يرتجز و] 2928 يقول:
أنا الغلام الأبطحيّ الطالبيّ
من معشر في هاشم و غالب
و نحن حقّا سادة الذوائب
هذا 2929 حسين أطيب الأطائب
من عترة البرّ التقيّ العاقب
فقتل خمسة عشر فارسا، ثمّ قتله بشر بن سوط الهمداني 2930 .
ثمّ خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل، و هو يقول:
أبي عقيل فاعرفوا مكاني
من هاشم و هاشم إخواني
كهول صدق سادة الأقران
هذا حسين شامخ البنيان
و سيّد الشيب مع الشبّان 2931
فقتل سبعة عشر فارسا، ثمّ قتله عثمان بن خالد 2932 الجهنيّ.
[أرجاز محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
و خرج من بعده محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، و هو يقول:
نشكو إلى اللّه من العدوان
قتال 2933 قوم في الردى عميان
قد تركوا معالم القرآن
و محكم التنزيل و البيان 2934
و أظهروا الكفر مع الطغيان
ثمّ قاتل حتى قتل عشرة أنفس، ثمّ قتله عامر بن نهشل التميمي.
[أرجاز عون بن عبد اللّه بن جعفر، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ خرج من بعده عون بن عبد اللّه بن جعفر، و هو يقول:
إن تنكروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر
كفى بهذا شرفا في المحشر
ثمّ قاتل حتى قتل من القوم ثلاثة فوارس و ثمانية عشر رجلا، ثمّ قتله عبد اللّه بن قطبة الطائي.
ثمّ خرج من بعده عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.
[أرجاز القاسم بن الحسن عليه السلام، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
و في أكثر الروايات أنّه القاسم بن الحسن عليه السلام و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم، فلمّا نظر الحسين عليه السلام إليه قد برز اعتنقه و جعلا يبكيان حتى غشي عليهما، ثمّ استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة، فأبى الحسين أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبّل يديه و رجليه حتى أذن له، فخرج و دموعه تسيل على خدّيه، و هو يقول:
إن تنكروني فأنا فرع الحسن
سبط النبيّ المصطفى و المؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن
بين اناس لاسقوا صوب المزن
و كان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالا شديدا حتى قتل- على صغره- خمسة و ثلاثين رجلا.
قال حميد: كنت في عسكر ابن سعد، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص و إزار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما.
فقال عمرو بن سعد الأزديّ: و اللّه لأشدّنّ عليه.
فقلت: سبحان اللّه! و ما تريد بذلك؟ و اللّه لو ضربني ما بسطت إليه يدي، يكفيك هؤلاء الّذين تراهم قد احتوشوه.
قال: و اللّه لأفعلنّ، فشدّ، فما ولّى حتى ضرب رأسه بالسيف و وقع الغلام لوجهه، و نادى: يا عمّاه.
قال: فجاءه الحسين كالصقر المنقض فتخلّل الصفوف، و شدّ شدّة الليث الحرب فضرب عمرا قاتله بالسيف، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق، فصاح
فتنحّى عنه، و حملت [خيل] 2935 أهل الكوفة فاستنقذوه من يد الحسين، فوقف الحسين على رأس الغلام و هو يفحص [برجليه] 2936 ، فقال الحسين: يعزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك و لا ينفعك 2937 ، بعدا لقوم قتلوك.
ثمّ احتمله، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، و قد وضع صدره على صدره، فقلت في نفسي: ما يصنع؟ فجاء حتّى ألقاه بين 2938 القتلى من أهل بيته.
ثمّ قال: اللّهمّ أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تغادر منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا، صبرا يا بني عمومتي، صبرا يا أهل بيتي، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا.
[أرجاز عبد اللّه بن الحسن عليه السلام، و استشهاده رحمة اللّه عليه]
ثمّ خرج عبد اللّه بن الحسن الّذي ذكرناه أوّلا و هو الأصحّ أنّه برز بعد القاسم، و هو يقول:
إن تنكروني فأنا ابن حيدره
ضرغام آجام و ليث قسوره
على الأعادي مثل ريح صرصره
[ أكيلكم بالسيف كيل السندرة ] 2939