کتابخانه روایات شیعه
اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا، و هو يقول [لك] 2972 : العجل العجل، فإنّ لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة.
فصاح الحسين عليه السلام و قال: قتل اللّه قوما قتلوك، ما أجرأهم على اللّه 2973 و على رسوله، و على انتهاك حرمة الرسول؟! على الدنيا بعدك العفا.
قال حميد بن مسلم: فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي بالويل و الثبور، و تقول: يا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، و يا نور عيناه، فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت عليّ عليه السلام، و جاءت و انكبّت عليه، فجاء [إليها] 2974 الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط، و أقبل عليه السلام بفتيانه و قال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه، فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه. 2975
قال: و خرج غلام من تلك الأبنية و في اذنيه درّتان 2976 ، و هو مذعور فجعل يلتفت يمينا و شمالا، فحمل عليه هانئ بن ثبيت لعنه اللّه، فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلّم كالمدهوشة.
ثمّ التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال، و التفت [عن] 2977
يساره فلم ير أحدا، فخرج عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، و كان مريضا لا يقدر أن يقلّ سيفه، و أمّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنيّ، ارجع.
فقال: يا عمّتاه، ذريني اقاتل بين يدي ابن رسول اللّه.
و قال الحسين عليه السلام: يا أمّ كلثوم، خذيه لئلّا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلّى اللّه عليه و آله.
[خروج الإمام الحسين عليه السلام للقتال]
و لمّا فجع الحسين عليه السلام بأهل بيته و ولده، و لم يبق غيره و غير النساء و الذراري نادى: هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ هل من موحّد يخاف اللّه فينا؟ هل من مغيث يرجو اللّه في إغاثتنا؟ [هل من معين يرجو ما عند اللّه في إعانتنا] 2978 ؟ و ارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم صلوات اللّه عليه إلى باب الخيمة، فقال: ناولوني عليّا ابني الطفل حتى اودّعه، فناولوه الصبيّ، فجعل يقبّله و هو يقول: ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمد صلّى اللّه عليه و آله خصمهم، و الصبيّ في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسديّ لعنه اللّه بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين دمه حتى امتلأت كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء فما رجع منه شيء، ثمّ قال: لا يكون أهون عليك من فصيل، اللّهمّ إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا 2979 .
[أبيات للإمام الحسين عليه السلام]
ثمّ قام الحسين عليه السلام و ركب فرسه و تقدّم إلى القتال، و هو يقول:
كفر القوم و قدما رغبوا
عن ثواب اللّه ربّ الثقلين
قتل 2980 القوم عليّا و ابنه
حسن الخير كريم الأبوين
حنقا منهم و قالوا أجمعوا
و احشروا الناس إلى حرب الحسين
[ يا لقوم من اناس رذّل
جمع الجمع لأهل الحرمين ] 2981
ثمّ ساروا و تواصوا كلّهم
باجتياحي لرضاء الملحدين
لم يخافوا اللّه في سفك دمي
لعبيد اللّه نسل الكافرين
و ابن سعد قد رماني عنوة
بجنود كوكوف الهاطلين 2982
لا لشيء كان منّي قبل ذا
غير فخري بضياء النيّرين
بعليّ الخير من بعد النبيّ
و النبيّ القرشيّ الوالدين
خيرة اللّه من الخلق أبي
ثمّ امّي فأنا ابن الخيّرين
فضّة قد خلصت من ذهب
فأنا الفضّة و ابن الذهبين
من له جدّ كجدّي في الورى
أو كشيخي فأنا ابن العلمين
فاطم الزهراء امّي و أبي
قاصم الكفر ببدر و حنين
عبد اللّه غلاما يافعا
و قريش يعبدون الوثنين
يعبدون اللات و العزّى معا
و عليّ كان صلّى القبلتين
و أبي شمس و امّي قمر
فأنا الكوكب و ابن القمرين
و له في يوم احد وقعة
شفت الغلّ بفضّ العسكرين
ثمّ في الأحزاب و الفتح معا
كان فيها حتف أهل الفيلقين
في سبيل اللّه ما ذا صنعت
أمّة السوء معا بالعترتين
عترة البرّ النبيّ المصطفى
و عليّ القرم 2983 يوم الجحفلين 2984
ثمّ وقف صلوات اللّه عليه قبالة القوم و سيفه مصلت في يده آيسا من الحياة، عازما على الموت، و هو يقول:
أنا ابن عليّ الطهر 2985 من آل هاشم
كفاني بهذا مفخرا حين أفخر
و جدّي رسول اللّه أكرم من مضى
و نحن سراج اللّه في الأرض 2986 نزهر
و فاطم امّي من سلالة أحمد 2987
و عمّي يدعى ذو الجناحين جعفر
و فينا كتاب اللّه انزل صادقا 2988
و فينا الهدى و الوحي بالخير يذكر
و نحن أمان اللّه للناس 2989 كلّهم
نسرّ بهذا في الأنام و نجهر
و نحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا
بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر 2990
و شيعتنا في الناس أكرم شيعة 2991
و مبغضنا يوم القيامة يخسر
و ذكر أبو عليّ السلاميّ في تاريخه أنّ هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه، و قال: و ليس لأحد مثلها:
و إن تكن الدنيا تعدّ نفيسة
فإنّ ثواب اللّه أعلى و أنبل
و إن تكن الأبدان للموت انشئت
فقتل امرئ بالسيف في اللّه أفضل
و إن تكن الأرزاق قسما مقدّرا
فقلّة سعي المرء في الكسب أجمل
و إن تكن الأموال للترك جمعها
فما بال متروك به المرؤ يبخل؟
[ سأمضي و ما بالقتل عار على الفتى
إذا في سبيل اللّه يمضي و يقتل ] 2992
ثمّ إنّه عليه السلام دعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة.
ثمّ 2993 حمل عليه السلام على الميمنة و قال:
الموت خير من ركوب العار
[ و العار أولى من دخول النار ] 2994
ثمّ على الميسرة، و هو يقول:
أنا الحسين بن عليّ
آليت ألّا أنثني
أحمي عيالات أبي
أمضي على دين النبيّ
و لم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين.
فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أ تدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، فاحملوا عليه من كلّ جانب، و كانت الرماة أربعة آلاف ترميه بالسهام فحالوا بينه و بين رحله.
فصاح بهم: و يحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، و كنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم، و ارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعرابا.
فناداه شمر، فقال: ما تقول، يا ابن فاطمة؟
قال: أقول: أنا الّذي اقاتلكم و تقاتلوني، و النساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّا.
فقال شمر: لك هذا، ثمّ صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه، فلعمري لهو كفو كريم.
قال: فقصدوه القوم و هو في ضمن ذلك يطلب شربة ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحالوه 2995 عنه، ثمّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفي لعنه اللّه بسهم، فوقع السهم في جبهته، فنزعه من جبهته، فسالت الدماء على وجهه و لحيته، فقال صلوات اللّه عليه:
اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللّهمّ أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر على وجه الأرض منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا.
ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحدا إلّا بعجه بسيفه فقتله، و السهام آخذة له من كلّ ناحية و هو يتّقيها بنحره و صدره، و يقول:
يا أمّة السوء، بئسما خلّفتم محمدا في عترته، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد اللّه فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، و أيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.
قال: فصاح به الحصين بن مالك السكوني، فقال: و بما ذا ينتقم لك منّا؟