کتابخانه روایات شیعه
تجبر في جنبه رزيّتي، قائلا: يا حزني، موضع انقضاك مماتي، و يا وجدي خذ منتهاك وفاتي، و يا عبرتي موضع جمودك حفرتي، و يا زفرتي وقت جمودك منيّتي، و يا مهجتي تصاعدي دما بنار أحزاني من مقتلي، و يا كبدي ذوبي بضرام أشجاني و نفسي، فلأيّ فقيد أدّخر دمعي بعد مصابي بأحبّائي؟ و على أيّ شهيد أبذل جهدي بنحيبي و بكائي.
فيا من خدّت واقعته أخاديد في خدودي من ماء جفوني، و أذابت رزيّته أحشائي فأسالتها دما من شئون عيوني، أعلى أيّ قانت سواك أشقّ ثوب صبري؟ أم على أيّ هالك غيرك أهتك مصون ستري؟ و حبّك ديني و معتقدي، و ولاؤك روحي في جسدي، و ذكرك أنيس وحدتي، و مدحك جليس خلوتي، و خيالك في سواد مقلتي، و جمالك في سويداء مهجتي، أ يليق البكاء إلّا على مصيبتك؟ أم يحسن العزاء إلّا لرزيّتك؟ هل لنبيّي سبط غيرك شهيدا فأبكيه؟ أم لوليّي قرّة عين سواك فأرثيه؟ أم للزهراء ثمرة قلب إلّا جمال بهجتك؟ و هل لأئمّة الهدى شرف إلّا من شريف حضرتك؟
واقعتك أرخصت في سوق الأحزان عقيق عبرتي، و مصيبتك هدّت بمعاول الأشجان قواعد تثبّتي، و أحرقت بقوادح الأسقام مهجتي، و أغرقت أسفا بتناثر العبرات و جنتي، و بدّلت برقادي سهادي، و صيّرت الأوصاب دثاري و مهادي، فجسمي سقيم، و صبري عديم، و قلبي حريق، و طرفي غريق، لشيبك الخضيب، و خدّك التريب، و نسوتك الاسارى، و ذرّيّتك الحيارى، و أطفالك الّذين سقوا من ثدي الحمام قبل الفطام، و جرعوا كئوس الممات بمقابل الطعام، ذكر ظعنك يطيف الأحزان بقلبي، و تفوّر حتفك يهيج نيران الأسى غمومي و كربي، و مصرع شبّانك يذهل عقلي و لبّي، و مقتل فتيانك
يجعل من دموعي شربي، لغمّتك شجرة الغموم بقلبي نبتت، و لكربتك قواعد الهموم بلبّي ثبتت، سحقا لأيّامي إن استمسكت بغير عروتكم يدي، و بعدا لمقامي إن جعلت سواكم معتقدي، و خرسا للهاتي إن فاهت بغير مدحتكم، و عمى لطرفي إن نظر جميلا سوى بهجتكم، لا قرّت عيني إن نثرت على غير عروس مجدكم فائق نثري، و لا راف معيني إن أطافت بسوى كعبة جودكم رائق شعري.
أنتم وسيلتي إلى خالقي، و بكم و ضحت في الحقّ طرائقي، و إلى نحوكم منطق شكري صرفته، و على مدحكم بديع نظامي وقفته، إن رضيتم خدّي موطئا لأقدامكم، و وجهي موضعا لنعالكم، و أثبتم اسمي في جرائد عبيدكم، و وفرتم قسمي من عنايتكم وجودكم، فيا زلفتي من ربّي، و يا وصولي و قربي، و إن طردتموني عن أبواب كرمكم، و محوتموني من دفاتر خدمتكم، فيا خسارة صفقتي و يا سوء عاقبتي، فيا سعادة أنفسا بذلت في طاعتكم أرواحا و أبدانا، و يا فرحة طائفة بلغت في نصرتكم بوجوهها و صدورها حساما و سنانا.
فلعمري لقد حازوا بجميل صبرهم ثوابا جسيما، فيا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما، جلت رياض الجنّة عرائس أزهارها على زهيرهم، و أعلت على منازل أبرارها درجة حرّهم و بريرهم، و جعلت حبيبهم حبيب حور عينها، و صيّرت لمنثور لؤلؤها لون جونها، و وهبت وهبتها من غرفاتها أعلاها، و يسّرت لمسلمها من قداح لذّاتها معلّاها، كانت دار النعيم أشدّ شوقا إليهم، و أشدّ ابتهاجا بمقدمهم منهم عليها، وفوا للّه سعيهم فوفى لهم بما عاهدهم، و صدقوا ما عاهدوه عليه فأنالهم الحسنى و زيادة على ما وعدهم.
فوا أسفاه إذ لم أكن معهم شهيدا، و وا حزناه إذ لم أكن في زمرتهم عديدا، أتلقّى عن سيّدي رماح الأعداء كما تلقّوا بقلوبهم و صدورهم، و اقابل صفاح الأشقياء كما قابلوا بوجوههم و نحورهم، و أجعل خدّي جنّة لجنّتي في حشري، و وجهي وقاية لمعادي يوم نشري، و يراني سيّدي لأمره سميعا مطيعا، و بين يديه شهيدا صريعا، قد قطّعت في نصره أعضائي، و اريقت في جنبه دمائي، مجاهدا عنه بقولي و فعلي، مجالدا بسيفي و نبلي، قائلا:
يا أمّة كفرت بأنعم ربّها، و استوجبت سوء العذاب بحربها، و قطعت رحم رسولها، و انتهكت حرمة بتولها، و هدمت بنية إسلامها، و نكثت بيعة إمامها، تبّا لك من أمّة شرت ضلالها بهداها، و دنياها باخراها، و نكصت على أعقابها، بلا مع سرابها.
ويلكم أ تدرون على من جرّدتم سيوفكم، و رتّبتم صفوفكم؟ هذا سبط خاتم الرسل، و ريحانة موضح السبل، أشرف من مشى على وجه الغبراء، و أفضل من تأزّر بالمجد و ارتدى، و أفخر من قامت سيّدة النساء، و أجمل من كفلته البضعة الزهراء، حجرها مهده، و فرعها ولده، و ثديها مشربه، و كتف والدها مركبه، عنه سماء صلب نبيّكم انفطرت، و منه ينابيع ذرّيّة وليّكم تفجّرت، خادم مهده جبرائيل، و بشير مولده ميكائيل، و وليّ عقد نكاح امّه الملك الجليل، و خطيب عرس والده راجيل.
سفهت أحلامكم، و نكست أعلامكم، و أحاطت أطواق العار بأعناقكم، و استوجبت أطباق النار بنفاقكم، يا عباد الجبت و الطاغوت، و يا كفّارا بصاحب العزّة و الجبروت، يا جند الشيطان، و يا أعداء الرحمن، أ ليس
هذا ابن نبيّكم و هاديكم؟ أ ليس أبوه بنصّ الغدير و إليكم؟ نقضتم حبل إسلامكم، و عكفتم على أصنامكم، أ هذا كان جزاء من ارسل إليكم رحمة، و عليكم نعمة، أن تقتلوا ذرّيّته، و تهتكوا اسرته، و تذبحوا أطفاله، و تقتلوا رجاله، تبّا لكم يا قتلة أولاد النبيّين، و بعدا لكم يا خذلة أوصياء المرسلين.
ثمّ أزدلف لقتالهم بقالبي و قلبي، مشتاقا بجهدي إلى لقاء ربّي، طالبا درجة الشهادة بين يدي وليّي و ابن وليّي، راغبا في منازل السعادة بمرافقة رسولي و نبيّي، اورد حسامي من نحورهم، و اصدر عاملي من صدورهم، أتلقّى سيوفهم بسواعدي و مناكبي، و أردّ سهامهم بوجهي و ترائبي، لا ضارع و لا ناكل، و لا خاضع و لا متواكل، بل عزمي أمضى من ذي شفرتين، و حدّي أقطع من ذي حدّين، أقذف بعزيز نسبي في جموعهم، و ابالغ بعروفي عصبي في تقطيعهم، مبالغا في النصيحة لوليّ أمري، سمحا في جهاد أعدائه بالبقيّة من عمري، متلقّيا من سهام القوم ما يصل إليه، مقطّعة أوصالي بسيوفهم بين يديه.
فيا لها حسرة في قلبي مدّتها لا تنقضي، و غصّة في نفسي جمرتها لا تنطفي، إذ لم أرق بقدم الشهادة إلى منازل الأبرار، و لم اطر بقوادم السعادة إلى مواطن الأخيار، بل قعد بي جسدي، و كلّ عن ذلك جدّي، و تأخّر زمن وجودي، و غابت أنجم سعودي، قبل بلوغ مجهودي، و نيل مقصودي.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
فها أنا ذا أنشد من قلب بسهام المصائب مصاب، و أروي عن فؤاد بضرام النوائب مذاب، مرتديا ببردة حزني على ولد البتول، و معارضا برائق نظمي ببرداة أشرف نبيّ و رسول:
الصبر و الحزن مقطوع و موصول
و النوم و الدمع ممنوع و مبذول
و الجسم منسقم و الطرف منسجم
و الوجد محتكم و القلب متبول
و في فؤادي من فرط الأسى حرق
منها الحشا بضرام الحزن مشعول
من ما جرى بعد خير الرسل من عصب
في الدين من سعيها نقص و تبديل
خانت عهودا و أيمانا مؤكّدة
فالحقّ من جهلها في الناس مجهول
ممّا جنت سفها يوم السقيف دم
الوصيّ صنو رسول اللّه مطلول
و سبطه بوجي السمّ مخترم
و شلوه في صعيد الطفّ مقتول
خانوه إذ وعدوه حفظ اسرته
فالعقد منهم بكفّ الغدر محلول
و في الغدير أقرّوا باللسان و في ال
فؤاد عهدهم بالنقض مفلول
يا أمّة كفرت باللّه إذ مكرت
بعقد خمّ و غرّتها الأباطيل
و ضيّعوا ما به أوصى النبيّ و ما
يوم القيامة عنه المرء مسئول
من صدق ودّ اولي قربى النبيّ و من
فيهم أتانا من الرحمن تنزيل
قوم ولاؤهم فرض و حبّهم
حبل بحبل إله العرش موصول
سل عنهم «هل أتى» تلقى بها شرفا
في ذكره لهم مدح و تفضيل
و في العقود و في النجوى مديحهم
يزينه من سليم القلب ترتيل
و إن تلاه زنيم الأصل حلّ به
من خبث باطنه بالجهل تأويل
فكلّ فخر على أبواب مجدهم
له سجود و إذعان و تقبيل
البحر علمهم و الطود حلمهم
بفضلهم كامل الإفضال مفضول
أخنى الزمان عليهم فانثنوا و لهم
بأس لمجمله بالصبر تفصيل
في كربلاء أصبحوا يروي مناقبهم
حتى القيامة جيل بعده جيل
طافت عليهم بكأس الموت طائفة
فكلّهم لعقاب الحتف مغلول
فاستشعروا حبّنا من حسن صبرهم
بها رضا اللّه مطلوب و مأمول
مضوا كراما بأرض الطفّ يشملهم
من ذي المعارج توقير و تبجيل
نالوا بقتلهم في اللّه ما قصرت
عن وصفه من بني الدنيا الأقاويل
حازوا السعادة من بذل النفوس ففي
دار الخلود لهم فضل و تفضيل
لم ينسخ الظلّ منها ضوء مشرقه
فيا لهم بجميل الصبر تنويل
راقت مشاربها فاقت عجائبها
فسعى طالبها ما فيه تضليل
أشباحهم في الثرى منبوذة و لهم
أرواح صدق لها بالصفو تكميل
قوم لأوجههم يوم القراع و في
بذل المكارم تقطيب و تهليل
قوم تراهم و سوق الحرب قائمة
و الرمح و السيف منصوب و مسلول
أسد الشرى في ظلام النقع ترفل في