کتابخانه روایات شیعه
قد هيّئت لكم في الحشر أربعة
نار و عار و أغلال و تنكيل
يعوذ أهل لظى منكم و يلعنكم
أهل الضلال و فرعون و قابيل
قتلتم عترة خير الأنام لهم
جدّ و سادسهم في العدّ جبريل
و من بفضلهم في الذكر قد شهدت
من غافر الذنب في القرآن تنزيل
و من لهم بفؤادي منزل رحب
بخالص الودّ معمور و مأهول
يا عاذلي لا تلمني إن بكيت دما
لما عراهم فما ذو الحزن معذول
من سفح عيني في سفح الطفوف جرى
عقيق دمع بكفّ الوجد معمول
و يا معاشر لوّامي على جزعي
لما أصابهم ما شئتم قولوا
اسناد و جدي صحيح لا خلاف به
لكن أحاديث سلواني مراسيل
دعواي صدق ولاءهم لا يدنّسه
شكّ بوسوسة الشيطان مغلول
لمرسل الدمع من عيني معجزة
فيها دليل على صدق و مدلول
صرفت نحوهم من منطقي دررا
بيانها من معاني الحبّ منقول
إذا تلاها ولي طاب مولده
له فؤاد على الاخلاص مجبول
بهذه طربا موصول نعمتها
و من بلاغتها وصل و تذييل
يا سادتي يا بني طه الهداة و من
بحبّهم عملي في الحشر مقبول
و من إذا خابت الآمال كان بهم
لي في المعاد إذا حوسبت مأمول
كم شانئ صدّه اللّه العليّ بكم
عنّي فردّ بغيض و هو مخذول
يصدّ عنّي بوجه كالح و له
طرف بمرود ما يجفيه مكحول
رام انتقاصي برأي قائل فلذا
ك الحدّ منه بعون اللّه مغلول
إذا تصوّرت ما أبداه من حمق
فيه لقلبي تخويف و تهويل
جعلتكم جنّتي من ينل فتنته
فتنثني و هو بالتوبيخ مرذول
يا من هم عصمتي في النائبات و من
أمري إليهم مدى الأيّام موكول
لا تطردوني عن أبواب جودكم
فأنتم غايتي و القصد و السؤل
حسّاد رائق شعري في مديحكم
إليّ ترمق منهم أعين حول
مددت كفّ سؤالي نحو سيبكم
إذ ليس لي غيركم في الناس مسئول
سجلّ دعواي في صدق الولاء له
من حاكم العقل أبيات و تسجيل
ولي شهود على إثبات معتقدي
لها من اللّه بالتصديق تعذيل
لدرّ فائق نظمي في محبّتكم
بالدرّ من ناقد الألفاظ تعديل
منّي عليكم سلام ليس يحصره
من طالب عدّه جدّ و لا قيل
ما لاح صبح به للناظرين هدى
أو فاح روض بماء المزن مبلول
المجلس الثامن في الأحوال الّتي جرت بعد قتل الحسين عليه السلام من سبي ذراريه و نسائه، و حملهم إلى اللعين ابن مرجانة لعنه اللّه، ثمّ منه إلى يزيد بن معاوية عليهما لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين
الخطبة:
الحمد للّه الّذي أشرقت بنور عنايته قلوب العارفين، و تعلّقت بأذيال رحمته أرواح السالكين، و غرقت في بحار ربوبيّته عقول العالمين، و احترقت بشعاع سحاب بهجته أفئدة العالمين، و أطلعت على أسرار حكمته نفوس المخلصين، و تاهت في بيداء إلهيّته أفكار الطالبين، فانقلبت أبصار بصائرهم حيرة عن إدراك كمال عظمته، و رجعت أنفسهم خاسئة عن تصوّر جلال عزّته، و قعد بهم جدّهم عن الوصول إلى كعبة عرفانه، و طال عهدهم في طلب المحجوب من أسرار عظيم شأنه، فعلموا أنّ جلاله جلّ عن الاحاطة بفكر و ضمير، و مجده عزّ عن الشبيه و النظير، فعزفت أنفسهم عن مشاركة اولي الأنفس الناقصة لكمالها و تمامها، و عرجت إلى الرفيق الأعلى بأقدام عزمها و إقدامها، و شربت من عين الحياة الباقية الّتي لا انقطاع لمعينها، و طلبت درجة السعادة العالية الّتي لا انقضاء لنعيمها، فأطلعها مبدعها على أسرار ملكوته،
و نفعها صانعها بحلل عرفان صفات جبروته، فأشرقت أنوار توفيقه على مرايا أفئدتها، فانطبع مثال العالم العلويّ و السفليّ في ألواح معرفتها.
و لمّا أفرغ سبحانه حلل العناية على أعطافها، و منحها من كنوز العصمة ذخائر ألطافها، أنزلها إلى عالم الفناء لاستنقاذ عباده من ورطة جهالتهم، و تخليص أنامه من لجّة حيرتهم، و أن يسلكوا بهم سبيل النجاة إلى نعيم جنّته، و لورودهم معين الحياة من زلال رحمته، و يحكوا لهم ما شاهدوا من عجائب حكمته، و يصفوا ما عاينوا من غرائب صنعته، و ما أطلعهم عليه سبحانه من خواصّ قدرته، و ما أعدّ للمتّقين من نعيم لا تفنى أيّامه، و لا تنقضي أعوامه، و لا تبلى ثيابه، و لا يتسنّ طعامه و شرابه.
فهدوهم النجدين، و أوضحوا لهم السبيلين، و أروهم ما توعّد به من أرخى لامارته عنان شهوتها، و أجرى جواد معصيته في ميدان لذّتها، من نار فضيع عقابها، وجيع عذابها، ساطع لهبها، شديد كلبها، حامية قدورها، فضيعة شرورها، سلاسلها طوال، و مقامعها ثقال، و أهلها في بلاء شامل، و عناء متواصل، لا ينظر إليهم، و لا يعطف عليهم، قد أغلقت أبواب الرحمة عنهم و انقطعت الآمال منهم، حتّى إذا أوضحوا لهم الدليل، و هدوهم السبيل، و نقعوا غليلهم من عين صافية، بكأس وافية، فلبّى دعوتهم، و اتّبع شرعتهم، و اقتفى أثرهم، و أطاع أمرهم.
رجال صدقت عهودهم، و وفت وعودهم، و خلص يقينهم، و صفى معينهم، لم يلبسوا الظلم إيمانهم، و لم يشوبوا بشكّ إنفاقهم، بذلوا الأجساد في طاعتهم، و جادوا بالأرواح في نصرتهم، فأثبتهم سبحانه في ديوان خواصّه، و شرّفهم بتشريفه و اختصاصه، و ألحقهم بدرجة سادتهم، و رقى بهم إلى منزل
قادتهم، لما بذلوا الأرواح و الأجساد في جهاد الأعداء طاعة لربّهم، و تلقّوا الصفاح و الصعاد 3050 من أكفّ الأشقياء في حربهم، و قويت بامتثال عزائم اللّه منهم العزائم، يجاهدون في سبيل اللّه و لا يخافون لومة لائم، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبياء و المرسلين، و سادة الشهداء من الأوّلين و الآخرين.
و كان أعظم من اختصّ بهذه الصفات السنيّة، و المقامات العليّة، و جعل نفسه جنّة لوليّ أمره، و وقاية لإمام عصره، لمّا كفر من كفر، و أنكر من أنكر، أصحاب كربلاء الّذين أشرقت أنوار العناية على سرائرهم، و برقت بوارق الكرامة من ضمائرهم، فشاهدوا ما القي إليهم من غيوب البرزخ بأبصار بصائرهم، و لا حظوا قيام الخلق شتاتا حين مصادرهم، و رأوا سبط نبيّهم، و رهط وليّهم، قد حفّت بساحته كتائب الطغيان، و أحدقت بعرصته مواكب البهتان، قد خلعوا أربقة الايمان من أعناقهم، و قادهم الشيطان بزمام نفاقهم، فاعتقدوه ربّا و خالقا و مدبّرا و رازقا فآثروا طاعته على طاعة ربّهم، و امتثلوا أوامره بقالبهم و قلبهم، و ارتدّوا على أدبارهم خاسرين، و أصبحوا بأنعم ربّهم كافرين، قد حقّت عليهم كلمة العذاب، و استوجبوا سوء العقاب، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم، و يهدموا منار الاسلام باعتامهم و سفهائهم، و خذلوا الأطهار من ذرّيّة رسولهم، و نصروا الأشرار بفعلهم و قولهم، فاستحبّوا العمى على الهدى، و باعوا الآخرة بالاولى، و كحلوا بمرود الوقاحة أحداقهم، و لووا عن سماع الموعظة أعناقهم، و كفروا بعد إسلامهم، و جعلوا سيّد شباب أهل الجنّة غرضا لسهامهم، و أشركوا و ألحدوا، و أخلفوا ما أوعدوا، و صبّوا شآبيب نبالهم
على شريف خدّه، و أوردوا معابل انتقامهم من وريد ولده، و جعلوا عياله يندبن صارخات، و يتوسّلن متصرّخات.
فعندها بعث روح القدس في عقولهم، و هزّتهم أريحية الايمان لما شاهدوا من بنات رسولهم، و جعلوا نحورهم موارد الصفاح، و صدورهم مصادر الرماح، و وجوههم وقاية لوليّ أمرهم، و جباههم جنة لوسيلتهم إلى ربّهم في حشرهم.
و لمّا صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، و أصبحوا صرعى بين يديه، قد تحمّلوا الأذى و اللأواء، و سبقتهم أعضاؤهم إلى جنّة المأوى، و اطّلع سبحانه على أسرارهم و إعلانهم، فوجدهم لا يزيد على إخلاصهم و إيمانهم، نقلهم إلى جوار حضرته، و نعيم جنّته، في قصور عالية، و قطوف دانية، و أنهار جارية، و رياض زاهية، قد تفجّرت عيونها، و راق معينها، و ابتسمت أزهارها، و أينعت ثمارها، نعيمها لا يبرح، و ساكنها لا ينزح، و ظلّها مديد، و عيشها رغيد، و أزواجها أطهار، و حورها أبكار، لا يذوقون الموت، و لا يخشون الفوت، سقفها عرش الرحمن، و صعيدها رضا المنّان.