کتابخانه روایات شیعه
أعجبتم أن مطرت 3067 السماء دما؟ و لعذاب الآخرة [أشدّ و] 3068 أخزى و أنتم لا تنصرون، فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا يحفزه البدار، و لا يخاف فوت الثار، كلّا و إنّ ربّكم لبالمرصاد، فترقّبوا أوّل النحل و آخر صاد 3069 .
قال بشير: فو اللّه 3070 لقد رأيت الناس حيارى يومئذ يبكون و قد وضعوا أيديهم 3071 في أفواههم، و رأيت شيخا من قدماء أهل الكوفة و قد بكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه و هو يقول: صدقت المرأة، كهولهم خير كهول، و شبّانهم خير شبّان، و نساؤهم إذا نطقن أنطق النسوان [و نسلكم خير نسل لا يخزى و لا يبزى] 3072 .
[خطبة فاطمة الصغرى]
و روى زيد بن موسى 3073 ، قال: حدّثني أبي، عن جدّي عليه السلام، قال:
خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردّت 3074 من كربلاء، فقالت:
الحمد للّه عدد الرمل و الحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده و أومن به 3075
و أتوكّل عليه، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و أن ذبحوا آله بشطّ 3076 الفرات بغير ذحل 3077 و لا ترات.
اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، و أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، المسلوب حقّه، المقتول من غير ذنب كما قتل والده بالأمس في بيت من بيوت اللّه، فيه معشر مسلمة ألسنتهم، تعسا لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيما في حياته و لا عند مماته، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة، طيّب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه [اللّهمّ] 3078 فيك لومة لائم، و لا عذل عاذل، هديته يا ربّ بالاسلام صغيرا، و حمدت مناقبه كبيرا، لم يزل ناصحا لك و لرسولك صلّى اللّه عليه و آله حتّى قبضته إليك، زاهدا في الدنيا، غير حريص عليها، راغبا في الآخرة، مجاهدا [لك] 3079 في سبيلك، رضيته فهديته 3080 إلى صراط مستقيم.
أمّا بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء، إنّا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم، و ابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، و جعل علمه عندنا، و فهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، و وعاء فهمه و حكمته، و حجّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا اللّه بكرامته، و فضّلنا بنبيّه محمد صلّى اللّه عليه و آله على كثير ممّن خلق تفضيلا بيّنا.
فكذّبتمونا و كفّرتمونا، و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا، كأنّا أولاد ترك و كابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم، قرّت بذلك عيونكم، و فرحت قلوبكم، افتراء على اللّه و مكرا مكرتم، و اللّه خير الماكرين.
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، و نالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة و الرزء العظيم في كتاب من قبل أن نبرأها، إنّ ذلك على اللّه يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم، و لا تفرحوا بما أتاكم و اللّه لا يحبّ كلّ مختال فخور، أمثالكم 3081 ، فانتظروا اللعنة و العذاب، فكأن قد حلّ بكم، و تواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، و يذيق 3082 بعضكم بأس بعض، ثمّ تخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة اللّه على الظالمين.
ويلكم، أ تدرون أيّ أيد طاعنتنا منكم؟ و أيّ 3083 نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ قست و اللّه 3084 قلوبكم، و غلظت أكبادكم، و طبع على أفئدتكم، و ختم على سمعكم و بصركم 3085 ، و سوّل لكم الشيطان و أملى لكم، و جعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تبّا لكم يا أهل الكوفة، [أيّ] 3086 ترات لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
قبلكم، و ذحول له لديكم بما عنتّم 3087 بأخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام جدّي و بنيه عترة النبيّ الطاهرين الأخيار.
و افتخر بذلك مفتخركم 3088 ، فقال:
نحن قتلنا عليّا و بني عليّ 3089
بسيوف هنديّة و رماح
و سبينا نساءهم سبي ترك
و نطحناهم فأيّ نطاح
بفيك أيّها القائل الأثلب و الكثكث 3090 ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللّه و طهّرهم تطهيرا، و أذهب عنهم الرجس، فاكظم واقع كما أقعى أبوك، و إنّما لكلّ امرئ ما اكتسب و ما قدّمت أوائله 3091 ، حسدتمونا- ويلا لكم- على ما فضّلنا اللّه به.
فما ذنبنا إن جاش دهرا بحورنا
و بحرك ساج ما يواري الدّعامصا 3092
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* 3093 وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ 3094 .
قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء، و قالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد
أحرقت قلوبنا، و أنضجت 3095 نحورنا، و أضرمت أجوافنا، فسكتت.
[خطبة أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام]
قال: و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، و قالت:
يا أهل الكوفة، شوّه 3096 لكم، ما لكم خذلتم حسينا [و قتلتموه، و انتهبتم أمواله و ورثتموه، و سبيتم نساءه] 3097 و نكثتموه؟ فتبّا لكم و سحقا.
ويلكم أ تدرون أيّ دواه دهتكم؟ و أيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ و أيّ دماء سفكتموها؟ [و أيّ كريمة اهتضمتموها؟ و أيّ صبية سلبتموها؟ و أيّ أموال نهبتموها؟] 3098 قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و نزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب اللّه هم الغالبون و حزب الشيطان هم الخاسرون.
ثمّ قالت:
قتلتم أخي صبرا فويل لامّكم
ستجزون نارا حرّها يتوقّد 3099
سفكتم دماء حرّم اللّه سفكها
و حرّمها القرآن ثمّ محمد
ألا فابشروا بالنار إنّكم غدا
لفي سقر حقّا يقينا تخلّدوا
و إنّي لأبكي في حياتي على أخي
على خير من بعد النبيّ سيوجد 3100
بدمع غزير مستهلّ مكفكف
على الخدّ منّي دائما 3101 ليس يحمد
قال: فضجّ الناس بالبكاء و الحنين 3102 و النوح، و نشرت النساء شعورها، و وضعن التراب على رءوسها، و خمشن الوجوه، و ضربن الخدود 3103 ، و دعون بالويل و الثبور، و بكى الرجال [و نتفوا لحاهم] 3104 ، فلم ير باكيا و لا باكية أكثر من ذلك اليوم.
[خطبة زين العابدين عليه السلام]
ثمّ إنّ زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا [فسكتوا] 3105 ، فقام قائما، فحمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر النبيّ [بما هو أهله] 3106 فصلّى عليه، ثمّ قال:
أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا [اعرّفه بنفسي:
أنا] 3107 عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، و استلب نعيمه، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا، و كفى بذلك فخرا.
أيّها الناس، ناشدتكم باللّه هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه
و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قاتلتموه و خذلتموه؟! فتبّا لما قدّمتم لأنفسكم، و شوها 3108 لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدا إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي؟! قال [الراوي] 3109 : فارتفعت أصوات الناس بالنحيب من كلّ ناحية، و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون.
فقال صلوات اللّه عليه: رحم اللّه امرأ قبل نصيحتي، و حفظ وصيّتي في اللّه و في رسوله و أهل بيته، فإنّ لنا في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اسوة حسنة.
فقال الناس كلّهم بأجمعهم: نحن كلّنا يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون، حافظون لذمامكم 3110 ، غير زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك اللّه، فإنّا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذنّ يزيد و نبرأ ممّن ظلمك و ظلمنا.