کتابخانه روایات شیعه
فكذّبتمونا و كفّرتمونا، و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا، كأنّا أولاد ترك و كابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم، قرّت بذلك عيونكم، و فرحت قلوبكم، افتراء على اللّه و مكرا مكرتم، و اللّه خير الماكرين.
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، و نالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة و الرزء العظيم في كتاب من قبل أن نبرأها، إنّ ذلك على اللّه يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم، و لا تفرحوا بما أتاكم و اللّه لا يحبّ كلّ مختال فخور، أمثالكم 3081 ، فانتظروا اللعنة و العذاب، فكأن قد حلّ بكم، و تواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، و يذيق 3082 بعضكم بأس بعض، ثمّ تخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة اللّه على الظالمين.
ويلكم، أ تدرون أيّ أيد طاعنتنا منكم؟ و أيّ 3083 نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ قست و اللّه 3084 قلوبكم، و غلظت أكبادكم، و طبع على أفئدتكم، و ختم على سمعكم و بصركم 3085 ، و سوّل لكم الشيطان و أملى لكم، و جعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تبّا لكم يا أهل الكوفة، [أيّ] 3086 ترات لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
قبلكم، و ذحول له لديكم بما عنتّم 3087 بأخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام جدّي و بنيه عترة النبيّ الطاهرين الأخيار.
و افتخر بذلك مفتخركم 3088 ، فقال:
نحن قتلنا عليّا و بني عليّ 3089
بسيوف هنديّة و رماح
و سبينا نساءهم سبي ترك
و نطحناهم فأيّ نطاح
بفيك أيّها القائل الأثلب و الكثكث 3090 ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللّه و طهّرهم تطهيرا، و أذهب عنهم الرجس، فاكظم واقع كما أقعى أبوك، و إنّما لكلّ امرئ ما اكتسب و ما قدّمت أوائله 3091 ، حسدتمونا- ويلا لكم- على ما فضّلنا اللّه به.
فما ذنبنا إن جاش دهرا بحورنا
و بحرك ساج ما يواري الدّعامصا 3092
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* 3093 وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ 3094 .
قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء، و قالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد
أحرقت قلوبنا، و أنضجت 3095 نحورنا، و أضرمت أجوافنا، فسكتت.
[خطبة أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام]
قال: و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، و قالت:
يا أهل الكوفة، شوّه 3096 لكم، ما لكم خذلتم حسينا [و قتلتموه، و انتهبتم أمواله و ورثتموه، و سبيتم نساءه] 3097 و نكثتموه؟ فتبّا لكم و سحقا.
ويلكم أ تدرون أيّ دواه دهتكم؟ و أيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ و أيّ دماء سفكتموها؟ [و أيّ كريمة اهتضمتموها؟ و أيّ صبية سلبتموها؟ و أيّ أموال نهبتموها؟] 3098 قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و نزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب اللّه هم الغالبون و حزب الشيطان هم الخاسرون.
ثمّ قالت:
قتلتم أخي صبرا فويل لامّكم
ستجزون نارا حرّها يتوقّد 3099
سفكتم دماء حرّم اللّه سفكها
و حرّمها القرآن ثمّ محمد
ألا فابشروا بالنار إنّكم غدا
لفي سقر حقّا يقينا تخلّدوا
و إنّي لأبكي في حياتي على أخي
على خير من بعد النبيّ سيوجد 3100
بدمع غزير مستهلّ مكفكف
على الخدّ منّي دائما 3101 ليس يحمد
قال: فضجّ الناس بالبكاء و الحنين 3102 و النوح، و نشرت النساء شعورها، و وضعن التراب على رءوسها، و خمشن الوجوه، و ضربن الخدود 3103 ، و دعون بالويل و الثبور، و بكى الرجال [و نتفوا لحاهم] 3104 ، فلم ير باكيا و لا باكية أكثر من ذلك اليوم.
[خطبة زين العابدين عليه السلام]
ثمّ إنّ زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا [فسكتوا] 3105 ، فقام قائما، فحمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر النبيّ [بما هو أهله] 3106 فصلّى عليه، ثمّ قال:
أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا [اعرّفه بنفسي:
أنا] 3107 عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، و استلب نعيمه، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا، و كفى بذلك فخرا.
أيّها الناس، ناشدتكم باللّه هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه
و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قاتلتموه و خذلتموه؟! فتبّا لما قدّمتم لأنفسكم، و شوها 3108 لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدا إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي؟! قال [الراوي] 3109 : فارتفعت أصوات الناس بالنحيب من كلّ ناحية، و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون.
فقال صلوات اللّه عليه: رحم اللّه امرأ قبل نصيحتي، و حفظ وصيّتي في اللّه و في رسوله و أهل بيته، فإنّ لنا في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اسوة حسنة.
فقال الناس كلّهم بأجمعهم: نحن كلّنا يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون، حافظون لذمامكم 3110 ، غير زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك اللّه، فإنّا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذنّ يزيد و نبرأ ممّن ظلمك و ظلمنا.
فقال عليه السلام: هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم و بين ما تشتهي أنفسكم 3111 ، أ تريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي 3112 من قبل؟! كلّا و ربّ الراقصات، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي صلوات اللّه عليه بالأمس و أهل بيته معه، و لم ينسني ثكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ثكل أبي و بني
أبي، و وجده بين لهواتي 3113 ، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه تجري في فراش صدري، و مسألتي ألّا تكونوا لنا و لا علينا.
ثمّ قال صلوات اللّه عليه:
لا غرو إن قتل الحسين فشيخه
قد كان خيرا من حسين و أكرما
فإن تفرحوا يا أهل كوفان بالّذي
أصاب حسينا كان ذلك أعظما
قتيل بشطّ النهر روحي فداؤه
و انّ الّذي أرداه يجزى جهنّما 3114
ثمّ قال عليه السلام: رضينا منكم رأسا برأس، فلا يوم لنا و لا يوم علينا 3115 .
[إحضار السبايا في مجلس ابن زياد، و ما دار بينه لعنه اللّه و بين زينب بنت عليّ عليهما السلام]
قال [الراوي] 3116 : ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر للناس، و أذن للناس إذنا عامّا، و جيء برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه، و أدخل نساء الحسين و بناته و أخواته و صبيانه [إليه] 3117 .
فجلست زينب بنت عليّ سلام اللّه عليها متنكّرة، فسأل عنها؛ فقيل: هذه زينب بنت عليّ.
فأقبل عليها، فقال لعنة اللّه عليه: الحمد للّه الّذي فضحكم و أكذب
احدوثتكم!! فقالت: إنّما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر، و هو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت إلّا جميلا، و هؤلاء قوم كتب 3118 عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، و سيجمع اللّه بينك و بينهم- يا ابن زياد- فيحاجّون و يخاصمون 3119 ، فانظر لمن الفلج يومئذ 3120 ، هبلتك امّك يا ابن مرجانة.
[قال الراوي:] 3121 فغضب ابن زياد فكأنّه همّ بها، فقال عمرو بن حريث:
إنّها امرأة 3122 ، و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال ابن زياد: يا زينب، شفيت نفسي من طاغيتك 3123 الحسين و العصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت زينب: لعمري لقد قتلت كهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت.