کتابخانه روایات شیعه
و إنّي لأبكي في حياتي على أخي
على خير من بعد النبيّ سيوجد 3100
بدمع غزير مستهلّ مكفكف
على الخدّ منّي دائما 3101 ليس يحمد
قال: فضجّ الناس بالبكاء و الحنين 3102 و النوح، و نشرت النساء شعورها، و وضعن التراب على رءوسها، و خمشن الوجوه، و ضربن الخدود 3103 ، و دعون بالويل و الثبور، و بكى الرجال [و نتفوا لحاهم] 3104 ، فلم ير باكيا و لا باكية أكثر من ذلك اليوم.
[خطبة زين العابدين عليه السلام]
ثمّ إنّ زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا [فسكتوا] 3105 ، فقام قائما، فحمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر النبيّ [بما هو أهله] 3106 فصلّى عليه، ثمّ قال:
أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا [اعرّفه بنفسي:
أنا] 3107 عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، و استلب نعيمه، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا، و كفى بذلك فخرا.
أيّها الناس، ناشدتكم باللّه هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه
و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قاتلتموه و خذلتموه؟! فتبّا لما قدّمتم لأنفسكم، و شوها 3108 لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدا إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي؟! قال [الراوي] 3109 : فارتفعت أصوات الناس بالنحيب من كلّ ناحية، و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون.
فقال صلوات اللّه عليه: رحم اللّه امرأ قبل نصيحتي، و حفظ وصيّتي في اللّه و في رسوله و أهل بيته، فإنّ لنا في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اسوة حسنة.
فقال الناس كلّهم بأجمعهم: نحن كلّنا يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون، حافظون لذمامكم 3110 ، غير زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك اللّه، فإنّا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذنّ يزيد و نبرأ ممّن ظلمك و ظلمنا.
فقال عليه السلام: هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم و بين ما تشتهي أنفسكم 3111 ، أ تريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي 3112 من قبل؟! كلّا و ربّ الراقصات، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي صلوات اللّه عليه بالأمس و أهل بيته معه، و لم ينسني ثكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ثكل أبي و بني
أبي، و وجده بين لهواتي 3113 ، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه تجري في فراش صدري، و مسألتي ألّا تكونوا لنا و لا علينا.
ثمّ قال صلوات اللّه عليه:
لا غرو إن قتل الحسين فشيخه
قد كان خيرا من حسين و أكرما
فإن تفرحوا يا أهل كوفان بالّذي
أصاب حسينا كان ذلك أعظما
قتيل بشطّ النهر روحي فداؤه
و انّ الّذي أرداه يجزى جهنّما 3114
ثمّ قال عليه السلام: رضينا منكم رأسا برأس، فلا يوم لنا و لا يوم علينا 3115 .
[إحضار السبايا في مجلس ابن زياد، و ما دار بينه لعنه اللّه و بين زينب بنت عليّ عليهما السلام]
قال [الراوي] 3116 : ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر للناس، و أذن للناس إذنا عامّا، و جيء برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه، و أدخل نساء الحسين و بناته و أخواته و صبيانه [إليه] 3117 .
فجلست زينب بنت عليّ سلام اللّه عليها متنكّرة، فسأل عنها؛ فقيل: هذه زينب بنت عليّ.
فأقبل عليها، فقال لعنة اللّه عليه: الحمد للّه الّذي فضحكم و أكذب
احدوثتكم!! فقالت: إنّما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر، و هو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت إلّا جميلا، و هؤلاء قوم كتب 3118 عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، و سيجمع اللّه بينك و بينهم- يا ابن زياد- فيحاجّون و يخاصمون 3119 ، فانظر لمن الفلج يومئذ 3120 ، هبلتك امّك يا ابن مرجانة.
[قال الراوي:] 3121 فغضب ابن زياد فكأنّه همّ بها، فقال عمرو بن حريث:
إنّها امرأة 3122 ، و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال ابن زياد: يا زينب، شفيت نفسي من طاغيتك 3123 الحسين و العصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت زينب: لعمري لقد قتلت كهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد لعنه اللّه: هذه سجّاعة، و لقد كان أبوها شاعرا سجّاعا.
فقالت: يا ابن زياد، ما للمرأة و السجاعة؟ إنّ لي عن السجاعة لشغلا.
[ما دار بين ابن زياد لعنه اللّه و بين زين العابدين عليه السلام]
فالتفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين، فقال: من أنت؟
فقال: أنا عليّ بن الحسين.
فقال: أ لم يقتل اللّه 3124 عليّ بن الحسين؟ فسكت.
فقال: مالك لا تتكلّم؟
فقال: كان لي أخ يقال له عليّ 3125 ، قتله الناس- أو قال: قتلتموه- و انّ له منكم مطلبا يوم القيامة.
فقال الملعون: بل اللّه قتله.
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها 3126 ، وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا 3127 .
فقال الملعون: أنت و اللّه منهم، و بك جرأة على جوابي، اذهبوا به، فاضربوا عنقه.
فسمعت عمّته زينب، فقالت: يا ابن زياد، إنّك لم تبق منّا أحدا، فإن كنت قد عزمت على قتله فاقتلني معه.
فقال عليّ بن الحسين: اسكتي يا عمّة حتّى اكلّمه.
ثمّ أقبل عليه 3128 ، فقال: أبا لقتل تهدّدني يا ابن زياد؟ أ ما علمت أنّ القتل لنا عادة و كرامتنا الشهادة؟
فقال ابن زياد: دعوه ينطلق مع نسائه، اخرجوهم عنّي، فأخرجوهم إلى دار في جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب: لا يدخلنّ علينا عربيّة إلّا أمّ ولد أو مملوكة، فإنّهنّ سبين و قد 3129 سبينا 3130 .
ثمّ أمر ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فوضع في طشت بين يديه فجعل ينكت بقضيب في وجهه و قال: ما رأيت مثل حسن هذا الوجه قطّ، و كان يشبه 3131 وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
[ما دار بين ابن زياد لعنه اللّه و بين أبي برزة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]
و قيل: إنّ ابن زياد أرسل إلى أبي برزة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: كيف شأني و شأن الحسين؟
قال أبو برزة: اللّه أعلم، فما علمي بذلك؟
فقال: إنّما أسألك عن علمك.
قال: أمّا إذا سألتني فإنّ الحسين يشفع فيه رسول اللّه جدّه صلّى اللّه عليه و آله و يشفع لك زياد.
فقال: اخرج، لو لا ما جعلت لك لضربت عنقك.
و روى [محمد بن] 3132 خالد الضبي، عن إبراهيم؛ قال: لو أنّي كنت ممّن
قاتل الحسين ثم أتيت بالمغفرة من ربّي فادخلت الجنّة لاستحييت من محمد صلّى اللّه عليه و آله ان أمرّ عليه فيراني.
[ما دار بين ابن زياد لعنه اللّه و بين زيد بن أرقم]
و عن زيد بن أرقم: قال: كنت جالسا عند عبيد اللّه بن زياد إذ اتي برأس الحسين صلوات اللّه عليه فوضع بين يديه فأخذ قضيبه فوضعه بين شفتيه، فقلت: إنّك تضع قضيبك في موضع طالما لثمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله! فقال: قم إنّك شيخ قد ذهب عقلك.
ثمّ رفع زيد صوته يبكي و خرج و هو يقول: ملك عبد حرّا، أنتم- يا معشر العرب- العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، و أمّرتم ابن مرجانة حتّى يقتل خياركم، و يستعبد شراركم، رضيتم بالذلّ فبعدا لمن رضي 3133 .
و عن شهر بن حوشب: قال: لمّا جاء نعي الحسين عليه السلام لعنت أمّ سلمة رضي اللّه عنها أهل العراق، و قالت: قتلوه قتلهم اللّه تعالى، غرّوه و أذلّوه لعنهم اللّه.
قيل: إنّ أوّل ذلّ دخل على العرب قتل الحسين و ادّعاء زياد 3134 .
ذكر سيّدنا السيّد الجليل فخر آل الرسول عليّ بن موسى بن محمد الطاوس الحسني رضي اللّه عنه انّ ابن زياد لعنه اللّه أمر برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة.
[أبيات في رثاء الحسين عليه السلام، و خطبة ابن زياد في المسجد، و ما دار بينه و بين عبد اللّه بن عفيف الأزدي]