کتابخانه روایات شیعه
احدوثتكم!! فقالت: إنّما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر، و هو غيرنا.
فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت إلّا جميلا، و هؤلاء قوم كتب 3118 عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، و سيجمع اللّه بينك و بينهم- يا ابن زياد- فيحاجّون و يخاصمون 3119 ، فانظر لمن الفلج يومئذ 3120 ، هبلتك امّك يا ابن مرجانة.
[قال الراوي:] 3121 فغضب ابن زياد فكأنّه همّ بها، فقال عمرو بن حريث:
إنّها امرأة 3122 ، و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال ابن زياد: يا زينب، شفيت نفسي من طاغيتك 3123 الحسين و العصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت زينب: لعمري لقد قتلت كهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد لعنه اللّه: هذه سجّاعة، و لقد كان أبوها شاعرا سجّاعا.
فقالت: يا ابن زياد، ما للمرأة و السجاعة؟ إنّ لي عن السجاعة لشغلا.
[ما دار بين ابن زياد لعنه اللّه و بين زين العابدين عليه السلام]
فالتفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين، فقال: من أنت؟
فقال: أنا عليّ بن الحسين.
فقال: أ لم يقتل اللّه 3124 عليّ بن الحسين؟ فسكت.
فقال: مالك لا تتكلّم؟
فقال: كان لي أخ يقال له عليّ 3125 ، قتله الناس- أو قال: قتلتموه- و انّ له منكم مطلبا يوم القيامة.
فقال الملعون: بل اللّه قتله.
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها 3126 ، وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا 3127 .
فقال الملعون: أنت و اللّه منهم، و بك جرأة على جوابي، اذهبوا به، فاضربوا عنقه.
فسمعت عمّته زينب، فقالت: يا ابن زياد، إنّك لم تبق منّا أحدا، فإن كنت قد عزمت على قتله فاقتلني معه.
فقال عليّ بن الحسين: اسكتي يا عمّة حتّى اكلّمه.
ثمّ أقبل عليه 3128 ، فقال: أبا لقتل تهدّدني يا ابن زياد؟ أ ما علمت أنّ القتل لنا عادة و كرامتنا الشهادة؟
فقال ابن زياد: دعوه ينطلق مع نسائه، اخرجوهم عنّي، فأخرجوهم إلى دار في جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب: لا يدخلنّ علينا عربيّة إلّا أمّ ولد أو مملوكة، فإنّهنّ سبين و قد 3129 سبينا 3130 .
ثمّ أمر ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فوضع في طشت بين يديه فجعل ينكت بقضيب في وجهه و قال: ما رأيت مثل حسن هذا الوجه قطّ، و كان يشبه 3131 وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
[ما دار بين ابن زياد لعنه اللّه و بين أبي برزة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]
و قيل: إنّ ابن زياد أرسل إلى أبي برزة صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: كيف شأني و شأن الحسين؟
قال أبو برزة: اللّه أعلم، فما علمي بذلك؟
فقال: إنّما أسألك عن علمك.
قال: أمّا إذا سألتني فإنّ الحسين يشفع فيه رسول اللّه جدّه صلّى اللّه عليه و آله و يشفع لك زياد.
فقال: اخرج، لو لا ما جعلت لك لضربت عنقك.
و روى [محمد بن] 3132 خالد الضبي، عن إبراهيم؛ قال: لو أنّي كنت ممّن
قاتل الحسين ثم أتيت بالمغفرة من ربّي فادخلت الجنّة لاستحييت من محمد صلّى اللّه عليه و آله ان أمرّ عليه فيراني.
[ما دار بين ابن زياد لعنه اللّه و بين زيد بن أرقم]
و عن زيد بن أرقم: قال: كنت جالسا عند عبيد اللّه بن زياد إذ اتي برأس الحسين صلوات اللّه عليه فوضع بين يديه فأخذ قضيبه فوضعه بين شفتيه، فقلت: إنّك تضع قضيبك في موضع طالما لثمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله! فقال: قم إنّك شيخ قد ذهب عقلك.
ثمّ رفع زيد صوته يبكي و خرج و هو يقول: ملك عبد حرّا، أنتم- يا معشر العرب- العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، و أمّرتم ابن مرجانة حتّى يقتل خياركم، و يستعبد شراركم، رضيتم بالذلّ فبعدا لمن رضي 3133 .
و عن شهر بن حوشب: قال: لمّا جاء نعي الحسين عليه السلام لعنت أمّ سلمة رضي اللّه عنها أهل العراق، و قالت: قتلوه قتلهم اللّه تعالى، غرّوه و أذلّوه لعنهم اللّه.
قيل: إنّ أوّل ذلّ دخل على العرب قتل الحسين و ادّعاء زياد 3134 .
ذكر سيّدنا السيّد الجليل فخر آل الرسول عليّ بن موسى بن محمد الطاوس الحسني رضي اللّه عنه انّ ابن زياد لعنه اللّه أمر برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة.
[أبيات في رثاء الحسين عليه السلام، و خطبة ابن زياد في المسجد، و ما دار بينه و بين عبد اللّه بن عفيف الأزدي]
ثمّ قال رضي اللّه عنه: و يحقّ أن أتمثّل بأبيات لبعض ذوي العقول يرثي
بها قتيل آل الرسول:
رأس ابن بنت محمد و وصيّه
للناظرين على قناة يرفع
و المسلمون بمنظر و بمسمع
لا منكر منهم و لا متفجّع
كحلت بمنظرك العيون عماية
و أصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع
أيقظت أجفانا و كنت لها كرى
و أنمت عينا لم تكن بك تهجع
ما روضة إلّا تمنّت أنّها
لك حفرة و لخطّ قبرك موضع 3135
قال: ثم خرج ابن زياد لعنه اللّه و دخل المسجد، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: الحمد للّه الّذي أظهر الحقّ و أهله، و نصر أمير المؤمنين يزيد و أشياعه، و قتل الكذّاب ابن الكذّاب!!
قال: فما زاد على هذا الكلام شيئا حتّى وثب إليه عبد اللّه بن عفيف الأزدي، و كان من رؤساء الشيعة و خيارهم، و كانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل، و الاخرى يوم صفّين، و كان لا يكاد أن يفارق المسجد 3136 الأعظم يصلّي فيه إلى الليل، ثمّ ينصرف إلى منزله، فلمّا سمع مقالة اللعين وثب إليه قائما و قال: يا ابن مرجانة، إنّ الكذّاب و ابن الكذّاب أنت و أبوك، و من استعملك و أبوه، يا عدوّ اللّه، أ تقتلون أبناء خير النبيّين 3137 و تتكلّمون بهذا الكلام على منابر المسلمين؟
فغضب ابن زياد، ثمّ قال: من المتكلّم؟
فقال: أنا المتكلّم، يا عدوّ اللّه، أ تقتل الذرّيّة الطاهرة الّتي أذهب اللّه عنها
الرجس في كتابه و تزعم أنّك على دين الاسلام؟ وا غوثاه، أين أبناء المهاجرين و الأنصار، [ينتقمون منك و] 3138 من طاغيتك اللعين بن اللعين على لسان محمد نبيّ ربّ العالمين؟
قال: فازداد غضب عدوّ اللّه، ثمّ قال: عليّ به، فوثب إليه الجلاوزة فأخذوه فنادى بشعار الأزد و عبد الرحمن بن مخنف الأزدي في المسجد، فقال: ويحك أهلكت نفسك و قومك، و كان في الكوفة يومئذ سبعمائة [مقاتل] 3139 من الأزد، فوثبوا إليه و انتزعوه منهم، و انطلقوا به إلى منزله، و نزل ابن زياد عن المنبر و دخل القصر، و دخل عليه أشراف الناس، فقال: أ رأيتم ما صنع هؤلاء القوم؟
فقالوا: قد رأينا أصلح اللّه الأمير، و إنّما الأزد فعلت ذلك فشدّ يدك على ساداتهم فهم الّذين استنقذوه من يدك، فأرسل ابن زياد إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فأخذه، و أخذ معه جماعة من [أشراف] 3140 الأزد فحبسهم، و قال: لاخرجتم من يدي أو تأتوني بعبد اللّه بن عفيف، ثمّ دعا بعمرو بن الحجّاج الزبيدي و محمّد بن الأشعث و شبث بن ربعي و جماعة من أصحابه، و قال لهم: اذهبوا إلى هذا الأعمى الّذي أعمى اللّه قلبه كما أعمى بصره فائتوني به.
و انطلقت رسل اللعين يريدون ابن عفيف، و بلغ ذلك الأزد فاجتمعوا، و اجتمع معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم عبد اللّه بن عفيف.
و بلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر و ضمّهم إلى محمد بن الأشعث
و أمره 3141 بقتال القوم.
قال: فأقبلت قبائل مضر نحو قبائل اليمن فاقتتلوا قتالا شديدا، و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى أصحابه يوثّبهم و يضعّفهم، فأرسل إليه عمرو بن الحجّاج يخبره باجتماع اليمن عليهم، و بعث إليه شبث بن ربعي: أيّها الأمير، إنّك أرسلتنا إلى اسود 3142 الآجام فلا تعجل.
قال: و اشتدّ قتال القوم حتّى قتل بينهم جماعة من العرب.
[أرجاز لعبد اللّه بن عفيف الأزدي رحمه اللّه]
و وصل القوم إلى دار عبد اللّه بن عفيف، فكسروا الباب و اقتحموا عليه، و صاحت ابنته: يا أباه، أتاك القوم من حيث تحذر.
فقال: لا عليك يا ابنتي ناوليني سيفي، فناولته السيف، فأخذه و جعل يذبّ عن يمينه و شماله بسيفه 3143 و يقول:
أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر
عفيف شيخي و ابن أمّ عامر
كم دارع من جمعكم و حاسر
و بطل جندلته مغاور؟
و جعلت ابنته تقول: القوم عن يمينك، القوم عن يسارك، يا ليتني كنت رجلا فاقاتل بين يديك هؤلاء الفجرة، قاتلي العترة البررة.