کتابخانه روایات شیعه
اللّه و أبغضه إليه، فلمّا ذهب بصري أيست من الشهادة، و الآن الحمد للّه الّذي رزقنيها بعد اليأس منها، و عرّفني الإجابة منه لي في قديم دعائي.
[استشهاد عبد اللّه بن عفيف الأزدي، و ما دار بين جندب بن عبد اللّه و عبد الرحمن بن مخنف الأزديان و بين ابن زياد لعنه اللّه]
فقال ابن زياد لعنه اللّه: اضربوا عنقه، فضربت و صلب رحمه اللّه 3147 .
ثمّ دعا ابن زياد بجندب بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، فقال: يا عدوّ اللّه، أ لست صاحب عليّ بن أبي طالب يوم صفّين؟
قال: نعم، و ما زلت له وليّا، و لكم عدوّا، و لا أبرأ من ذلك إليك و لا أعتذر و لا أتنصّل.
فقال ابن زياد: أما إنّي أتقرّب إلى اللّه بدمك.
فقال جندب: و اللّه ما يقرّبك دمي إلى اللّه تعالى، و لكن يباعدك منه، و بعد فلم 3148 يبق من عمري إلّا أقلّه، و ما أكره أن يكرمني اللّه بهوانك.
فقال لعنه اللّه: أخرجوه عنّي فإنّه شيخ قد خرف و ذهب عقله، فاخرج و خلّي سبيله.
ثمّ دعا بعبد الرحمن بن مخنف الأزدي، فقال: ما هذه الجماعة على بابك؟
فقال: ليس على بابي جماعة و قد قتلت صاحبنا، و أنا لك سامع مطيع و إخوتي جميعا، فسكت ابن زياد، و خلّى سبيله و سبيل أصحابه 3149 .
و كان ابن زياد حين قتل الحسين عليه السلام أرسل يخبر يزيد بذلك، و كتب أيضا إلى عمرو بن سعيد بن العاص ابن أخ عمرو بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك.
فأمّا عمرو بن سعيد فحيث 3150 وصله الخبر صعد المنبر و خطب الناس و أعلمهم ذلك، فعظمت واعية بني هاشم، و أقاموا سنن المصائب و المآتم،
[ندبة زينب أخاها الحسين عليه السلام]
و كانت زينب بنت عقيل تندب الحسين عليه السلام و تقول:
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم
ما ذا فعلتم و أنتم آخر الامم
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي
منهم اسارى و منهم ضرّجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
قال: فلمّا جاء الليل سمع أهل المدينة هاتفا يقول:
أيّها القاتلون جهلا 3151 حسينا
أبشروا بالعذاب و التنكيل
كلّ من في السماء يدعو عليكم
من نبيّ و مرسل و قبيل 3152
قد لعنتم على لسان ابن داود
و موسى 3153 و صاحب الإنجيل
[إرسال السبايا و رءوس الشهداء إلى الشام بأمر يزيد لعنه اللّه]
و أمّا يزيد فلمّا قرأ كتاب ابن زياد أرسل إليه يأمره بحمل رأس الحسين عليه السلام و رءوس أصحابه و من قتل معه، و أمره بحمل أثقاله و نسائه و عياله و أطفاله، فاستدعى ابن زياد بمحفّر بن ثعلبة العائذي 3154 و سلّم إليه الرءوس و الاسارى و النساء و معهم عليّ بن الحسين و أخواته و عمّاته و جميع نسائه إلى يزيد، فسار بهم محفّر حتّى دخل الشام كما يسار بسبايا الكفّار، و يتصفّح وجوههم أهل الأقطار 3155 .
[نزول آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا و جبريل عليهم السلام و تقبيلهم الرأس الشريف و البكاء عليه في مسير السبايا إلى الشام]
و روى سيّدنا فخر العترة و جمال الاسرة عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني رضي اللّه عنه عن ابن لهيعة و غيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة، قال: كنت أطوف بالبيت و إذا أنا برجل يقول: اللّهمّ اغفر لي و ما أراك فاعلا.
فقلت: يا عبد اللّه، اتّق اللّه و لا تقل مثل هذا، فلو أنّ ذنوبك مثل قطر الأمطار 3156 و ورق الأشجار و استغفرت اللّه لغفر لك، فإنّه غفور رحيم.
فقال: تعال حتّى اخبرك بقصّتي فأتيته، فقال: اعلم أنّا كنّا خمسين نفرا ممّن سار برأس الحسين إلى الشام، و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر حوله، فشرب أصحابي ليلة حتّى إذا سكروا و لم أشرب معهم و جنّ علينا الليل سمعت رعدا أو رأيت برقا و إذا بأبواب السماء قد فتحت، و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمد صلّى اللّه عليه و آله و معهم جبريل و خلق كثير من الملائكة، فدنا جبرئيل من التابوت، فأخرج الرأس فضمّه إلى نفسه و بكى و قبّله، ثمّ فعل الأنبياء كذلك و الملائكة كلّهم، و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على رأس الحسين عليه السلام و عزّاه الأنبياء.
و قال جبرئيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يا محمد، إنّ اللّه تعالى أمرني أن اطيعك في أمّتك، فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض، و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لا يا جبرئيل، فإنّ لي معهم 3157 موقفا بين يدي اللّه يوم القيامة، ثمّ جاء الملائكة نحونا ليقتلونا، فقلت: الأمان يا رسول اللّه.
فقال: اذهب لا غفر اللّه 3158 لك 3159 .
فصل في ذكر حمل سبايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بناته و أحفاده إلى الشام
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: و لمّا مرّ بفكري، و خطر في سرّي، و تصوّر قلبي، و انتعش في لبّي، مسير بنات المصطفى و المرتضى، و حمل ولد الزهراء على الأقتاب قسرا، قد غاب الشفيق عنهنّ، و بعد الشقيق منهنّ، صرخت بصوت ينبي عن عظيم أحزاني، و صرخت بلساني عمّا حوى جناني، و نثرت دمعي لديهنّ، و أشرت بنثري إليهنّ، قائلا:
يا خفرات المصطفى، و يا بنات المرتضى، و يا مخدّرات الزهراء، و يا سيّدات نساء أهل الدنيا و الاخرى، عجبا للسماء لما أصابكنّ لا تنفطر، و للكواكب لمصابكنّ لم تنتثر، و للشمس لم تكوّر، و للبحار لم تفجّر، و للجبال لم تسيّر، و للأرض لم تفطّر! ذكر أسركنّ أسر قلبي، و أطلق عبرتي، و ذبح طفلكنّ هيّج و جدي، و أحرق مهجتي، و ذكر مسيركنّ على الأقتاب قرّح جفني، و خبر و رودكنّ على اللعين بغير نقاب و لا جلباب أثار حزني، و رءوس رجالكنّ المعرفة على الرماح هيّج بلبالي، و نفوس فتياتكنّ المنتزعة بحدود الصفاح أشغل بالي.
فيا عيوني لغربتهنّ أذرفي، و يا نار حزني لكربتهنّ لا تنطفي، و يا سعير
و جدي عليهنّ لا تخمدي، و يا زفراتي لما نالهنّ لا تبردي، فلو أنّي نظرت بعيني مسير رواحلهنّ، و شاهدت عديد سبائهنّ لوضعت أكفّي لأكفّ مطاياهنّ موطئا، بل خدّي، و لبذلت في خلاصهنّ غاية جهدي و جدّي، و لجاهدت القائد و السائق، و للعنت الناظر و الرامق، و لاستغثت بصوت يفصح عمّا ضمت عليه جوانحي من غصّتي، و لناديت بأنّه ينبىء عن عظيم رزيّتي و مصيبتي، و لحثوت التراب على ترائبي و رأسي، و لأضرمت الخافقين بتصاعد زفراتي و أنفاسي، و لشققت قلبي بعويلي إلى جيبي، و لصدعت الصمّ الرواسخ بنديبي و تحريبي، منشدا بلسان حالي، موضحا عمّا في بالي:
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
يا طول حزني و يا نحيبي
حزنا على النازح الغريب
على أجلّ الورى نجارا
دمعي كالعارض السكوب
تضرم نار الأسى بقلبي
مأتم في يومه العصيب
فيا أحشائي بنار حزني
و وجد قلبي عليه ذوبي
و يا عيوني سحّي بدمع من
ك بفيض الدماء مشوب
و ابنته بين العدى تنادي
هل من مغيث هل من مجيب؟
و أسرة من ذويه أمسوا
قوتا لذي مخلب و ذيب
أكرم بهم عصبة كراما
و اسوة من فتية و شيب
باعت من اللّه أنفسا
لم تهن لدى الروع في الحروب
مذ أصبحوا في الطفوف صرعى
في الخلد أمسوا قبل المغيب
يا أمّة فارقت هداها
و احتقبت أشنع الذنوب
ليس لكم بالّذي فعلتم
في عفو ذي العرش من نصيب
قتلتم سبط من إليكم
ارسل من عالم الغيوب
لهفي على شلوه صريعا
لهفي على خدّه التريب
لهفي على رأسه المعلّى
لهفي على شيبه الخضيب
لهفي على رهطه اسارى
يعلن بالويل و النحيب
يسقن عنفا بين الأعا