کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
فصل في ذكر حمل سبايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بناته و أحفاده إلى الشام
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: و لمّا مرّ بفكري، و خطر في سرّي، و تصوّر قلبي، و انتعش في لبّي، مسير بنات المصطفى و المرتضى، و حمل ولد الزهراء على الأقتاب قسرا، قد غاب الشفيق عنهنّ، و بعد الشقيق منهنّ، صرخت بصوت ينبي عن عظيم أحزاني، و صرخت بلساني عمّا حوى جناني، و نثرت دمعي لديهنّ، و أشرت بنثري إليهنّ، قائلا:
يا خفرات المصطفى، و يا بنات المرتضى، و يا مخدّرات الزهراء، و يا سيّدات نساء أهل الدنيا و الاخرى، عجبا للسماء لما أصابكنّ لا تنفطر، و للكواكب لمصابكنّ لم تنتثر، و للشمس لم تكوّر، و للبحار لم تفجّر، و للجبال لم تسيّر، و للأرض لم تفطّر! ذكر أسركنّ أسر قلبي، و أطلق عبرتي، و ذبح طفلكنّ هيّج و جدي، و أحرق مهجتي، و ذكر مسيركنّ على الأقتاب قرّح جفني، و خبر و رودكنّ على اللعين بغير نقاب و لا جلباب أثار حزني، و رءوس رجالكنّ المعرفة على الرماح هيّج بلبالي، و نفوس فتياتكنّ المنتزعة بحدود الصفاح أشغل بالي.
فيا عيوني لغربتهنّ أذرفي، و يا نار حزني لكربتهنّ لا تنطفي، و يا سعير
و جدي عليهنّ لا تخمدي، و يا زفراتي لما نالهنّ لا تبردي، فلو أنّي نظرت بعيني مسير رواحلهنّ، و شاهدت عديد سبائهنّ لوضعت أكفّي لأكفّ مطاياهنّ موطئا، بل خدّي، و لبذلت في خلاصهنّ غاية جهدي و جدّي، و لجاهدت القائد و السائق، و للعنت الناظر و الرامق، و لاستغثت بصوت يفصح عمّا ضمت عليه جوانحي من غصّتي، و لناديت بأنّه ينبىء عن عظيم رزيّتي و مصيبتي، و لحثوت التراب على ترائبي و رأسي، و لأضرمت الخافقين بتصاعد زفراتي و أنفاسي، و لشققت قلبي بعويلي إلى جيبي، و لصدعت الصمّ الرواسخ بنديبي و تحريبي، منشدا بلسان حالي، موضحا عمّا في بالي:
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
يا طول حزني و يا نحيبي
حزنا على النازح الغريب
على أجلّ الورى نجارا
دمعي كالعارض السكوب
تضرم نار الأسى بقلبي
مأتم في يومه العصيب
فيا أحشائي بنار حزني
و وجد قلبي عليه ذوبي
و يا عيوني سحّي بدمع من
ك بفيض الدماء مشوب
و ابنته بين العدى تنادي
هل من مغيث هل من مجيب؟
و أسرة من ذويه أمسوا
قوتا لذي مخلب و ذيب
أكرم بهم عصبة كراما
و اسوة من فتية و شيب
باعت من اللّه أنفسا
لم تهن لدى الروع في الحروب
مذ أصبحوا في الطفوف صرعى
في الخلد أمسوا قبل المغيب
يا أمّة فارقت هداها
و احتقبت أشنع الذنوب
ليس لكم بالّذي فعلتم
في عفو ذي العرش من نصيب
قتلتم سبط من إليكم
ارسل من عالم الغيوب
لهفي على شلوه صريعا
لهفي على خدّه التريب
لهفي على رأسه المعلّى
لهفي على شيبه الخضيب
لهفي على رهطه اسارى
يعلن بالويل و النحيب
يسقن عنفا بين الأعا
دي بلا كفيل و لا حسيب
إذا تذكّرتهم حيارى
يخفق قلبي من الوجيب
و اغرق الصدر من دموعي
و احرق القلب باللهيب
لهفي على صحبه صراعا
لهفي على ثقله النهيب
لهفي على ثغره المفدّى
ينكته الرجس بالقضيب
يا خير مولى من خير قوم
بهم نجاتي من الخطوب
و من هم في العباد أولى
بالجود و الصنيع من سحوب 3160
أنتم معاذي أنتم ملاذي
أنتم عياذي من الكروب
إلى فنا جودكم مديحي
وجّهت باللطف من نسيبي
تميس حسنا في برد نظم
ينسخ أوصافكم فشيب
بكلّ معنى في اللطف أضحى
يدقّ عن فكره اللبيب
يمجّه سمع ذي نفاق
قد ضلّ في شكّه المريب
يبادل الصفو في حضوري
و يأكل العرض في مغيب
إذا تذكّرت ما عراني
من حمقة قلت يا مجيبي
خذلي بحقّي و لا تدعني
فريسة الغادر الكذوب
فأنت حسبي من كلّ سوء
و ساتر في الملا عيوبي
قال: و لم يزل القوم سائرين بحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الكوفة إلى الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد، و من منزل إلى منزل كما تساق اسارى الترك و الديلم 3161 .
[دخول سهل بن سعد الساعدي دمشق]
روي عن سهل بن سعد الساعدي، قال: خرجت إلى بيت المقدس حتّى أتيت دمشق فرأيت أهلها قد علّقوا الستور و الحجب و الديباج، و هم فرحون مستبشرون، و عندهم نساء يلعبن بالدفوف، فقلت في نفسي: الأهل الشام عيد لا نعرفه؟ فرأيت قوما يتحدّثون، فقلت: يا قوم، أ لكم في الشام عيد لا نعرفه؟
قالوا: يا شيخ، نراك غريبا؟
قلت: أنا سهل بن سعد، رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
[و حملت حديثه] 3162 .
قالوا: يا سهل، ما أعجب 3163 السماء لا تمطر دما، و الأرض لم تنخسف بأهلها؟
قلت: و لم ذاك؟
قالوا: هذا رأس الحسين عترة محمد صلّى اللّه عليه و آله يهدى من العراق.
فقلت: وا عجبا! يهدى رأس الحسين و الناس يفرحون! قلت: من أيّ باب يدخل؟ فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات.
قال سهل: فبينا أنا كذلك إذ أقبلت الرايات يتلو بعضها بعضا، و إذا بفارس بيده رمح منزوع السنان، عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللّه، و إذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء، فدنوت من أولادهنّ فقلت لجارية منهنّ 3164 :
يا جارية، من أنت؟
قالت: أنا سكينة بنت الحسين عليه السلام.
فقلت: أ لك حاجة، فأنا سهل بن سعد الساعدي، و قد رأيت جدّك و سمعت حديثه؟
قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
[أرجاز حامل رأس الحسين عليه السلام، و أمر يزيد بقتله]
قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس، فقلت: هل لك أن تقضي لي حاجة و تأخذ منّي أربعمائة درهم؟
قال: ما هي؟
قلت: تقدّم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك، فسلّمت إليه الدراهم، و وضع الرأس في طشت و ادخل على يزيد، فدخلت مع الناس، و كان يزيد جالسا على السرير، و على رأسه تاج مكلّل، و حوله كثير من مشايخ قريش، فلمّا دخل صاحب الرأس جعل يقول:
أوقر ركابي فضّة و ذهبا
أنا قتلت السيّد المهذّبا 3165
قتلت خير الناس امّا و أبا
و خيرهم إذ ينسبون 3166 النسبا
فقال يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس فلم قتلته؟
قال: رجوت الجائزة.
فقيل: إنّ يزيد أمر بقتله 3167 .
و روى سيّدنا السند عليّ بن طاوس رضي اللّه عنه، قال: لمّا قرب القوم بالرؤوس و الاسارى من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر لعنه اللّه، و كان في جملتهم، فقالت: لي إليك حاجة.
قال: و ما حاجتك؟