کتابخانه روایات شیعه
إذا تذكّرتهم حيارى
يخفق قلبي من الوجيب
و اغرق الصدر من دموعي
و احرق القلب باللهيب
لهفي على صحبه صراعا
لهفي على ثقله النهيب
لهفي على ثغره المفدّى
ينكته الرجس بالقضيب
يا خير مولى من خير قوم
بهم نجاتي من الخطوب
و من هم في العباد أولى
بالجود و الصنيع من سحوب 3160
أنتم معاذي أنتم ملاذي
أنتم عياذي من الكروب
إلى فنا جودكم مديحي
وجّهت باللطف من نسيبي
تميس حسنا في برد نظم
ينسخ أوصافكم فشيب
بكلّ معنى في اللطف أضحى
يدقّ عن فكره اللبيب
يمجّه سمع ذي نفاق
قد ضلّ في شكّه المريب
يبادل الصفو في حضوري
و يأكل العرض في مغيب
إذا تذكّرت ما عراني
من حمقة قلت يا مجيبي
خذلي بحقّي و لا تدعني
فريسة الغادر الكذوب
فأنت حسبي من كلّ سوء
و ساتر في الملا عيوبي
قال: و لم يزل القوم سائرين بحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الكوفة إلى الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد، و من منزل إلى منزل كما تساق اسارى الترك و الديلم 3161 .
[دخول سهل بن سعد الساعدي دمشق]
روي عن سهل بن سعد الساعدي، قال: خرجت إلى بيت المقدس حتّى أتيت دمشق فرأيت أهلها قد علّقوا الستور و الحجب و الديباج، و هم فرحون مستبشرون، و عندهم نساء يلعبن بالدفوف، فقلت في نفسي: الأهل الشام عيد لا نعرفه؟ فرأيت قوما يتحدّثون، فقلت: يا قوم، أ لكم في الشام عيد لا نعرفه؟
قالوا: يا شيخ، نراك غريبا؟
قلت: أنا سهل بن سعد، رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
[و حملت حديثه] 3162 .
قالوا: يا سهل، ما أعجب 3163 السماء لا تمطر دما، و الأرض لم تنخسف بأهلها؟
قلت: و لم ذاك؟
قالوا: هذا رأس الحسين عترة محمد صلّى اللّه عليه و آله يهدى من العراق.
فقلت: وا عجبا! يهدى رأس الحسين و الناس يفرحون! قلت: من أيّ باب يدخل؟ فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات.
قال سهل: فبينا أنا كذلك إذ أقبلت الرايات يتلو بعضها بعضا، و إذا بفارس بيده رمح منزوع السنان، عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللّه، و إذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء، فدنوت من أولادهنّ فقلت لجارية منهنّ 3164 :
يا جارية، من أنت؟
قالت: أنا سكينة بنت الحسين عليه السلام.
فقلت: أ لك حاجة، فأنا سهل بن سعد الساعدي، و قد رأيت جدّك و سمعت حديثه؟
قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
[أرجاز حامل رأس الحسين عليه السلام، و أمر يزيد بقتله]
قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس، فقلت: هل لك أن تقضي لي حاجة و تأخذ منّي أربعمائة درهم؟
قال: ما هي؟
قلت: تقدّم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك، فسلّمت إليه الدراهم، و وضع الرأس في طشت و ادخل على يزيد، فدخلت مع الناس، و كان يزيد جالسا على السرير، و على رأسه تاج مكلّل، و حوله كثير من مشايخ قريش، فلمّا دخل صاحب الرأس جعل يقول:
أوقر ركابي فضّة و ذهبا
أنا قتلت السيّد المهذّبا 3165
قتلت خير الناس امّا و أبا
و خيرهم إذ ينسبون 3166 النسبا
فقال يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس فلم قتلته؟
قال: رجوت الجائزة.
فقيل: إنّ يزيد أمر بقتله 3167 .
و روى سيّدنا السند عليّ بن طاوس رضي اللّه عنه، قال: لمّا قرب القوم بالرؤوس و الاسارى من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر لعنه اللّه، و كان في جملتهم، فقالت: لي إليك حاجة.
قال: و ما حاجتك؟
قالت: إذا دخلت البلد فأدخلنا في درب قليل النظّارة، و تقدّم إلى
أصحابك أن يخرجوا الرءوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا و نحن في هذا الحال، فأمر في جواب سؤالها أن يجعلوا الرءوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه و كفرا، و سلك بهم على تلك الحال بين النظّارة حتّى أتى بهم باب دمشق فاقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي،
[أبيات في رثاء الحسين عليه السلام، و ما دار بين زين العابدين عليه السلام و شيخ من أهل الشام]
فروي أنّ بعض الفضلاء التابعين لمّا شاهد رأس الحسين عليه السلام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه، فلمّا وجدوه بعد أن فقدوه سألوه عن سبب ذلك، فقال: أ ما ترون ما نزل بنا؟ ثمّ أنشأ يقول:
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد
مترمّلا بدمائه ترميلا
فكأنّما بك يا ابن بنت محمد
قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا و لمّا يرقبوا
في قتلك التأويل و التنزيلا
و يكبّرون بأن قتلت و إنّما
قتلوا بك التكبير و التهليلا
يا من إذا حسن العزاء عن امرئ
كان البكاء حسنا عليه جميلا
فبكتك أرواح السحائب غدوة
و بكتك أرواح الرياح أصيلا 3168
و روي أنّهم لمّا دخلوا دمشق و اقيموا على درج المسجد منتظرين الإذن من يزيد حيث يقام السبي أقبل شيخ من أهل الشام حتّى دنا منهم، فقال: الحمد للّه الّذي قتلكم و أهلكم، و أراح العباد من رجالكم، و أمكن أمير المؤمنين منكم.
فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام: يا شيخ، هل قرأت القرآن؟
قال: نعم.
قال: قرأت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 3169 ؟
قال الشيخ: قرأت ذلك.
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: فنحن القربى، يا شيخ، هل قرأت وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى 3170 ؟
قال: نعم.
قال: فنحن القربى، يا شيخ، هل قرأت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 3171 ؟
قال: نعم.
قال: فنحن أهل البيت الّذي خصصنا به.
قال: فبقي الشيخ مبهوتا ساعة ساكتا نادما على ما تكلّم به، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللّهمّ إنّي أتوب إليك من بغض هؤلاء القوم، ثمّ التفت إلى عليّ بن الحسين، فقال: باللّه أنتم هم؟
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: تاللّه إنّا لنحن هم من غير شكّ، و حقّ جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
قال: فبكى الشيخ و رمى عمامته، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللّهمّ
إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمد من جنّ أو إنس، ثمّ قال: هل من توبة، يا ابن رسول اللّه؟
قال: نعم، إن تبت تاب اللّه عليك، و أنت معنا.
فقال: و أنا تائب، فبلغ يزيد مقالته، فأمر بقتله.
[دخول السبايا على يزيد، و ما دار بينهم و بينه لعنه اللّه]
قال: ثمّ ادخلوا على يزيد و هم مقرّنون بالحبال، و كان أوّل من دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسين عليه السلام مغلولة يده إلى عنقه، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال قال له عليّ بن الحسين عليه السلام:
انشدك 3172 باللّه يا يزيد، ما ظنّك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لو رآنا على هذا الحال ما كان يصنع؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت 3173 ، ثمّ وضع رأس الحسين في طشت بين يديه، و أجلس النساء خلفه كيلا ينظرن إليه، و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته أهوت إلى جيبها فشقّته 3174 ، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح 3175 القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول اللّه، يا ابن مكّة و منى، و يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، يا ابن بنت المصطفى.
قال: فو اللّه لقد أبكت كلّ من في المجلس و يزيد ساكت.